أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

«اليسـار الديموقـراطي».. إلـى حـراك أكـثر شـبابـاً

الخميس 12 كانون الثاني , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,444 زائر

«اليسـار الديموقـراطي».. إلـى حـراك أكـثر شـبابـاً

الحركة التي قامت على الاحلام والديموقراطية معاً، وارتفعت إلى أعلى لحظاتها في موجة يوم 14 آذار العارمة، سرعان ما خسرت سمير قصير، شهيدها وصورتها الجميلة عن نفسها، بصفته المثقف المتنور. ومع أن الحركة حملت شهيدها وحدها تقريباً إلى مثواه، ولم تشاركها في مصابها طوائف 14 آذار، ظل هذا التجمع من اليساريين على حلمه المدني شبه المثالي الذي بدا يوم التظاهرة الكبرى مؤسساً له، بينما كان في الواقع النقطة في آخر سطره.

وصل أمين سر الحركة الى البرلمان، محققاً غايةً بعتق الحزب الشيوعي اللبناني لكن ليس بالضرورة بحسب ما تريده الحركة الشابة لنفسها. صار الياس عطا الله نائباً، فاختفت «حركة اليسار الديموقراطي». وجاءت حرب تموز 2006 لتحبط وجهاً لامعاً آخر من وجوهها هو زياد ماجد الذي قرر والكاتب الياس خوري الاكتفاء بما يشبه بيان الانكفاء في حينها وترك الامر، كل الامر، لعطا الله، وارث خبرة اكثر التجارب الحزبية تعقيداً وحاجة إلى الدهاء. 

وكما لم تترك خطوة اليساري الاول على ارض المجلس النيابي اثراً، لم تترك الحركة في السنوات الفائتة أثراً يسارياً يُذكر، ليكون تخلي نائبها المفترض امين وهبي عنها، أو تخليها عنه، يوم فوزه بالمقعد النيابي، من حسن حظ هذه الحركة التي تحررت أخيراً من وهم الحجم المبالغ فيه ومن ضيق أفق الهدف الذي من أجله ذهبت في غيبوبة.

البارحة، وبينما كان أحد شباب الحركة الناشطين منذ سنوات، مارك ضو، يلقي كلمته السياسية الرصينة في المؤتمر الصحافي الذي عقده «التيار الديموقراطي» في الحركة في نقابة الصحافة اللبنانية، كان نائب أمين السر الجديد للحركة الزميل عمر حرقوص مصغياً باهتمام، هو الذي يمثل القيادة الجديدة للحركة التي تولى امانة السر فيها شاب آخر هو وليد فخر الدين خلفاً للمؤسس عطا الله الذي صار رئيساً للهيئة الوطنية خلفا لنديم عبد الصمد. كذلك كانت رنا خوري من تيار «الزم اليسار» في الحركة. وهؤلاء رفاق واختلافاتهم لا تعني انشقاقات الحركة بعودها الطري ليست قادرة على تحملها بطبيعة الحال.

هذه تيارات في قلب اليسار يسمح بها النظام الداخلي للحركة، بل هي من اسباب فخرها بديموقراطيتها التي أكد عليها «النقيب» نعمة محفوض وقد سبق ضو إلى الكلام معتبراً أن ليس عيباً اعلان الاختلاف وان لبنان يستحق تجربة ديموقراطية في آلياتها الداخلية ما دامت تدعي أنها مع ربيع الحريات العربي. محفوض يشكل وزياد صعب وضو وغيرهم «التيار الديموقراطي» الذي قاطع انتخابات المؤتمر الاخير بعدما لم تمر تسوية بين الطرفين كانت تفترض أن يتراجع كل الصف الاول إلى الوراء، وعطا الله على رأسه، ليتقدم الصف الثاني ممن هم اصغر عمراً وتجربتهم انضر، كما أنهم اكثر قدرة وحماسة على التحرك. 

لم تقع التسوية وقاطع التيار الانتخابات التي أعادت، الى عطا الله، وجوهاً سابقة إلى المكتب التنفيذي. هذا ما جعل التيار يطلق ورقته التي تلاها ضو والتي تضمنت مراجعة ذاتية نقدية كما رؤية التيار السياسية. 

واذا كان المضمون السياسي للورقة، لبنانياً كما سورياً، لا يجد من يعترض عليه في «اليسار»، إلا أن مقدمتها كانت واضحة في «الاسف لما تعرضت إليه الحركة على مدى سنوات من عملية ممنهجة ضربت صيغتها التأسيسية والتنوع في داخلها، وأبعدت الكثير من الكوادر الشبابية والطالبية عنها، وغابت وغيبت عن العمل النقابي، وبشكل ممنهج تم إلغاء المحاسبة والنقاش السياسي الداخلي بين مكوناتها، فساد منطق التفرد والتعطيل والارتجال، وفي أكثر الأوقات الاكتفاء بترداد شعارات الآخرين، واللجوء إلى «تفاهمات» مع قوى مختلفة من دون أي احترام لهيئاتها ودورها، فألصقت بالحركة مواقف تحمل في طياتها مخاطر زيادة الانقسام بين اللبنانيين، مثل شعار «ثقافة الموت وثقافة الحياة» وكذلك شعار «المزاوجة بين الاستقلال الثاني والتحرير»، مع ما يحمله ذلك من نكران فجّ لنضال مديد لكثير من اللبنانيين من كل المناطق، ومن بينهم الكثير من اليساريين، ومساهمتهم في تحرير الجزء الأكبر من أرضنا التي احتلها العدو الإسرائيلي».

لكن ضو توجّه إلى «الرفاق» الذين شاركوا في اجتماع شكا (حيث عقد المؤتمر واجريت الانتخابات) بالقول: «إن يدنا ستبقى ممدودة، وسنبقى على رفضنا كل أشكال الممارسة الأحادية والشمولية، وندعوكم، إلى عمل مشترك ويومي سعيا لإخراج الحركة من أزمتها بالذهاب إلى جمعية عامة حقيقية سياسية وتنظيمية تحاكي عمل الأحزاب الحديثة بعيدا عن كل الممارسات العشائرية. وسنردد دوما مع غاندي: «كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم».

محفوض كان اكثر وضوحاً في تركيزه الهجوم على عطا الله من دون ان يسميه قائلا إن «أحدهم هشم الحلم الذي شاركنا في تأسيسه وضربه وجعل مئات اليساريين يذهبون إلى بيوتهم».

على أن التيار، وكي لا «يشخصن» الخلاف، قرر أن يديره في ورقة سياسية. ورهناً بكيفية خوض هذا الخلاف في وجهات النظر، ترتقي المعركة السياسية بالحركة إلى ايجابية في الحراك الذي بدأ، أو يتدهور بها الى المستوى الشخصي فتطلق تيارات هذه الحركة رصاصات الرحمة في أصداغها العديدة.

والتيار مع اعطاء القيادة الجديدة كل وقتها في العمل، وهذه ليست بوارد الصدام معه بدورها، بل تبدو أنها متحمسة لاستيعاب التيار الذي دفع إلى الامام بوجه شاب وواعد فيه. في الشكل، فإن «حركة اليسار الديموقراطي» تعود إلى ما كان يجب أن تكون عليه، أكثر شباباً وحراكاً داخلياً وهي التي تشكلت من «بازل» مجموعات يسارية ناشطة في الجامعات، وحاولت، ولم تفلح، التمايز في محيطها.

فرصتها تلوح في الافق عبر الحماسة التي تتجدد فيه. واذا كانت البداية خلافاً، فإنه بالحكم على الشكل، كان اللقاء بين الرفاق أمس ايجابياً، على ان تحكمه النوايا الحسنة «كما الآمال والاحلام الديموقراطية» التي تجعل رنا خوري تقول، مثلاً، إنها «تريد يساراً ملوّناً». 

بأي ألوان ستتلوّن، هذا لمضمون الحراك الآتي. من السخف اطلاق الاحكام على اليسار من خلال الشكل فحسب.


Script executed in 0.18729996681213