أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

التمديد لقهوجي: سنتان من داخل قانون الدفاع

الخميس 12 كانون الثاني , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 4,589 زائر

التمديد لقهوجي: سنتان من داخل قانون الدفاع

دوافع شتى يطرحها العاملون على تمديد ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي سنتين أخريين، ويبرّرون بها الحاجة إلى هذا الإجراء، من غير استبعاد وضعه على نار خفيفة قريباً:
أولها، أن معظم أعضاء المجلس العسكري سيحالون على التقاعد من الآن حتى نهاية عام 2013، في المدة الفاصلة بين الانتخابات النيابية صيف 2013 وانتخابات رئاسة الجمهورية ربيع 2014. إلى قائد الجيش الذي يُحال على التقاعد في أيلول 2013، تسبقه قبل شهر إحالة رئيس الأركان اللواء وليد سلمان على التقاعد، وكذلك في أوقات متقاربة أعضاء آخرين في المجلس العسكري هم الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع والمفتش العام والمديرالعام للإدارة وعضو متفرغ. بذلك يخلو من أعضائه الماروني والدرزي والسنّي والشيعي والكاثوليكي.
يجعل ذلك المؤسسة العسكرية، بعد أن تحال القيادة برمتها تقريباً على التقاعد، بلا ربّان. بل يمسي عندئذ الضابط الأعلى رتبة في الجيش، بعد خروج هؤلاء جميعاً، هو مَن يقوده من دون التأثر ولا الاحتكام إلى المعايير الأساسية الواجبة للحلول فيه.
ثانيها، أن هذا التخوّف يصبح أكثر تبريراً؛ لأن هؤلاء يخرجون تباعاً، وصولاً إلى قائدهم، وكذلك في وقت متزامن مدير المخابرات العميد الركن إدمون فاضل، بعد إتمام الانتخابات النيابية في حزيران 2013 وبدء مرحلة تأليف حكومة ما بعد تلك الانتخابات. وعلى جاري العادة في الحكومات الثلاث الأخيرة المتعاقبة منذ انتخاب الرئيس ميشال سليمان، استغرق كل منها كي تبصر النور ردحاً من الوقت: حكومة الرئيس فؤاد السنيورة 44 يوماً، وحكومة الرئيس سعد الحريري 135 يوماً، وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي 139 يوماً. فماذا لو احتاجت حكومة ما بعد الانتخابات إلى وقت أطول كي تعلن تأليفها، ومَن يقود الجيش في ذلك الحين بلا قائده وبلا رئيس الأركان، ولا أحد في قيادته؟
ثالثها، ربط التمديد لقهوجي سنتين بإدخال تعديل في قانون الدفاع يتناول ثلاث مواد منه، بغية أن لا يبدو التمديد استثنائياً ولمرة واحدة، بل ينسجم مع أحكام قانون الدفاع وديمومة مفاعيله.
والمواد الثلاث هي:
ـــــ إعادة العمل برتبة عميد أول في الجيش تقع بين رتبتي عميد ولواء للضباط العامين. كانت رتبة عميد أول قد استحدثت لأول مرة وأعطيت لضابط وحيد حينذاك في أول تشرين الأول 1974 للعميد الركن عزيز الأحدب. وعُدّ هذا الترفيع الذي شجّع عليه الرئيس سليمان فرنجية ـــــ وكان يريد به مكافأة الأحدب بصفته قائد المنطقة العسكرية لبيروت ـــــ الأعلى لضابط سنّي يحصل عليه في الجيش. كانت الرتبة التي تليه هي عماد يحوزها قائد الجيش (إميل البستاني ثم جان نجيم ثم اسكندر غانم) ورئيس الأركان (يوسف شميّط ثم سعيد نصر الله). لم تكن قد استحدثت بعد رتبة لواء التي شقت طريقها إلى التنفيذ عام 1979 مع تعديل قانون الدفاع الوطني وترفيع رئيس الأركان حينذاك منير طربيه من عميد إلى لواء لأول مرة. صارت رتبة لواء تقتصر على رئيس الأركان كاقتصار رتبة عماد مذ ذاك على قائد الجيش.
وينص التعديل على الترفيع إلى عميد أول كل عميد تجاوز أربع سنوات في رتبته وشغل وظائف ذات طابع شمولي لقطع الجيش (نواب رئيس الأركان، رئيس الغرفة العسكرية في وزارة الدفاع، رئيس المحكمة العسكرية، مدير المخابرات، مدير التوجيه).
ـــــ رفع سني الخدمة لقائد الجيش، وتالياً إحالته على التقاعد، إلى 62 عاماً، بزيادة سنتين على سنّه الحالية وهي 60 عاماً.
ـــــ استفادة العميد أول من الميزات نفسها التي يحصل عليها العمداء.
رابعها، وُضعت مسودتان لمشروع القانون الذي وقعه وزير الدفاع الوطني فايز غصن، وينتظر رفعه إلى مجلس الوزراء قريباً.
الأولى عُرضت على الرئيس ميشال عون فرفضها للتوّ. كان الغرض السعي إلى تحقيق أوسع إجماع سياسي على تمديد ولاية قائد الجيش. بسبب اقتراحها تعديل قانون الدفاع الوطني على نحو يتجاوز تمديد ولاية القائد إلى تمديد السنّ القانونية لتقاعد الضباط العامين: سنتين للعماد (62 عاماً بدلاً من 60)، سنة واحدة للواء (61 عاماً بدلاً من 60)، عميد أول (60 عاماً)، سنة واحدة للعميد (59 عاماً بدلاً من 58). عزا عون رفضه إلى توسيع المروحة، وأبدى خشيته من تعميم تمديد سنّ التقاعد كي تشمل قوى الأمن الداخلي، توطئة لتمديد ولاية المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي الذي يُحال بدوره على التقاعد عام 2013، الأمر الذي يرفضه عون ويعارض استمرار ريفي في منصبه.
كان ردّ فعل عون عندما أطلعه زائره على المسودة الأولى: روحوا بلّطوا البحر. بدا رفضه قاطعاً، عاكساً انطباعاً مفاده أن موقفه ليس ضد قهوجي وكان قد خبره ضابطاً مقاتلاً تحت قيادته، ولا يسعه للأسباب المبرّرة رفض تمديد سني خدمته سنتين أخريين، لكن لا لسواه.
وُضعت عندئذ مسودة ثانية أصبحت نهائية الآن تقريباً، وقضت بالاكتفاء بتمديد ولاية قهوجي وسنّ تقاعده دون الضباط الآخرين، مع إعادة العمل برتبة عميد أول.
خامسها، رغم التكهّنات والاجتهادات التي تترتب على تمديد ولاية قائد الجيش قبل أشهر قليلة من انتخابات رئاسة الجمهورية، والإيحاء بترابط بين التمديد ـــــ وإن تحوّطاً من فراغ يضرب المؤسسة العسكرية من خلوها من قيادتها ـــــ والاستحقاق الرئاسي، إلا أن قهوجي شأن المسؤولين والقيادات في السلطة وخارجها يدركون أن حسابات الرئاسة مختلفة تماماً. ليست بنت طموحات شخصية، بل من صنع حدث استثنائي وظرف استثنائي كانا يرافقان انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية. صحبت الطموحات الشخصية كل قادة الجيش تقريباً بعد اللواء فؤاد شهاب، لكن قلّة منهم حظيت بالحدث الاستثنائي والظرف الاستثنائي اللذين افتقدهما العماد إميل البستاني والعماد ميشال عون.
كانت ثورة 1958 هي الحدث، والاتفاق الأميركي ـــــ المصري على مواصفات الرئيس هو الظرف، فأوصلا شهاب إلى الرئاسة عام 1958. وكان 7 أيار 2008 هو الحدث، وتسوية الدوحة هي الظرف، فقادا سليمان إلى الرئاسة عام 2008. بينهما اختصرت سوريا عبر جيشها واستفحال نفوذها السياسي في لبنان الحدث والظرف في آن واحد، فحملا العماد إميل لحود إلى الرئاسة عام 1998.
وهكذا، لا يحتاج الاستثناء ـــــ الذي يكاد يصير قاعدة ـــــ إلى طموحات قهوجي فحسب لتحوّله منافساً قوياً بين مرشحي قوى 8 و14 آذار، عندما يتعذّر انتخاب أحدهم كما مع تجربة سليمان، بل إلى الحدث الاستثنائي والظرف الاستثنائي.

Script executed in 0.20445990562439