اعلن الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الاجندة المتوقعة من زيارته الثالثة الى بيروت منذ توليه منصبه في المنظمة الدولية مشدداً على احترام لبنان لالتزاماته الدولية وخصوصاً حيال المحكمة الدولية، متجنباً الدخول في التفاصيل الدقيقة من حيث قبول الامم المتحدة او عدم قبولها قيام الحكومة بطلب تعديلات على البروتوكول المعقود بينها وبين المنظمة الدولية مفضلاً انتظار انتهاء الولاية الاولى للمحكمة في 29 شباط المقبل.
ولفت الانتباه عدم ذكر بان كي مون في كلمته المكتوبة في المؤتمر الصحافي المختصر الذي عقده عصر امس في فندق «الفينيسيا» للقرار 1559 برغم تشديده على «ضرورة إيجاد حل لسلاح «حزب الله» وللسلاح غير الشرعي»، معبراً رداً على سؤال عن «قلقه الشديد» حيال سلاح الحزب، مشدداً على المعالجة «في اطار طاولة الحوار» التي قال إنه شجع الرؤساء الثلاثة على استئنافها. لكن بان الذي كان تعبيره صارخاً في شأن رفض الامم المتحدة لاي سلاح خارج سلطة الدولة، لم يغلق باب الكلام مع «حزب الله» الذي استبق الزيارة معلناً عدم ترحيبه بالزائر الدولي وقال بان ردا على سؤال «سوف نرى ان كنا سنجتمع مع احد من «حزب الله»، سوف ننظر بالامر وفق جدول اعمال جاهز لنرى كيف ستتطور الامور».
حضر المؤتمر الصحافي الذي قدمه مسؤول الاعلام في الامم المتحدة بهاء القوسي، الناطق الرسمي باسم الامم المتحدة مارتن نيرزكي وقائد قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان الجنرال البرتو اسارتا الذي سيستقبل بان اليوم في الناقورة، في نهار طويل يمضيه في الربوع الجنوبية متفقداً قوات حفظ السلام، على ان يفتتح يوم الاحد مؤتمر الاصلاح والديموقراطية في العالم العربي الذي تنظمه «الاسكوا» ويغادر بعدها بيروت منهياً زيارته.
وكان بان وصل قبل ظهر امس الى بيروت والتقى الرؤساء الثلاثة واولم له مساء رئيس الجمهورية ميشال سليمان على ان يقيم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مأدبة عشاء على شرفه مساء اليوم.
استهل بان مؤتمره الصحافي مساء أمس، في مقر إقامته، بكلمة مكتوبة عبر فيها عن سروره بزيارة لبنان للمرة الثالثة أميناً عاماً للامم المتحدة.
وعبر عن التزام الامم المتحدة «بسيادة واستقرار لبنان وسلامه». وتطرق الى قوات «اليونيفيل» بصفتها «ثالث اكبر قوة لحفظ السلام في العالم»، منوهاً ببيروت مقر منظمة «الاسكوا» ووكالات عدة تابعة للامم المتحدة، وأشار الى «طلبه من الحكومة اللبنانية تعزيز حمايتها لمقرات الامم المتحدة» وكشف أن سليمان وميقاتي التزما بذلك.
وقال إن محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين تناولت «الوضع في سوريا وآثاره المترتبة على لبنان، والى انتهاء ولاية لبنان في مجلس الامن الدولي». وقال «شهدنا تطورات في العالم العربي وقد رتبت على لبنان مسؤوليات ولعب دوره بشكل جيد»، وتمنى أن «يبقى لبنان على التزامه بالقرارات الدولية ومنها القرار 1701 الذي أنهى حرب تموز 2006. وهو جلب مستوى كبيراً من الامن والاستقرار في لبنان وفي الجنوب المستقر منذ 2006». واشار الى ان «وجود الجيش اللبناني في الجنوب اسهم في تعزيز الهدوء والامن وكذلك تعاون «اليونيفيل» مع الاطراف المعنية للاستمرار بالاستقرار». متمنياً «بذل جهود اكبر من اجل تطبيق قرارات مجلس الامن الدولي لضمان سيادة لبنان وبسط السيادة على الاراضي اللبنانية كافة».
وتطرق الى السلاح متمنيا «الا يكون سلاح خارج سلطة الدولة وقد شجعت الرئيس سليمان والحكومة على استئناف عملية الحوار ومعالجة مسألة السلاح خارج إطار الدولة ضمن العملية الحوارية».
وقال إن الامم المتحدة تتوقع أن يتعاون لبنان مع المحكمة الدولية وهناك عملية قانونية جارية «ونحن ننتظر النتيجة المتوخاة التي ستنبثق عنها». واضاف: «من المهم التزام لبنان بكل الموجبات الدولية المطلوبة منه، خصوصاً أن شارل مالك هو احد واضعي شرعة حقوق الانسان وعلى لبنان الافتخار بذلك».
وقال بان إنه شجع الرئيسين سليمان وميقاتي على زيادة مشاركة المرأة في المؤسسات السياسية. واكد ان «الامم المتحدة ملتزمة العمل مع لبنان وبسلام عادل وشامل في الشرق الاوسط وبتأسيس دولة فلسطينية تعيش بسلام مع دولة إسرائيلية آمنة ضمن حدودها».
ورداً على سؤال يتعلق بسلاح «حزب الله» قال بان «نشعر بقلق شديد حيال القوى العسكرية الحالية لـ«حزب الله»، وقد ناقشنا هذه المسألة مع المسؤولين وقد شجعت الرئيس سليمان على اطلاق الحوار والامم المتحدة ملتزمة بمسار نزع السلاح وكل الاسلحة الموجودة خارج سلطة الدولة غير مقبولة».
وعن التمديد لبروتوكول المحكمة الدولية قال بان إنه «بصدد التشاور في هذا الموضوع مع الحكومة اللبنانية ومع مجلس الامن». وتجنب إعطاء تفاصيل عن إمكان قيام لبنان بطلب تعديلات معينة على بروتوكول التمديد للمحكمة، مفضلاً ترك الأمر حتى انتهاء ولاية المحكمة في 29 شباط المقبل، لافتاً الانتباه الى انه يجب التأكد من تمديد ولاية المحكمة ولكم من الوقت وهذا ما تجب مناقشته مع الحكومة اللبنانية ومع مجلس الامن وسأتمكن من إيضاح التوجه عندما يحين الوقت».
وعن اعتصام قامت به جهات اعتراضاً على مواقفه التي يعتبرها البعض قريبة من اسرائيل والولايات المتحدة، قال بان: «أنا متفائل بسمات الديموقراطية في المجتمع اللبناني واعتقد بأن الشعب اللبناني يرحب بي والحكومة اللبنانية ايضاً. على اي حال ان مواقفي كأمين عام استندت دوماً الى القيم العالمية والى قناعاتي الشخصية ولم أدخل فيها اي مصالح لأي دولة عضو في الامم المتحدة».
وعن عدم ترحيب «حزب الله» بزيارته قال بان: «أنا سعيد بزيارة لبنان ومن الطبيعي أن يكون الامين العام الذي يمثل 193 دولة عضواً في الامم المتحدة قادراً على زيارة احدى الدول الاعضاء».
وردا على سؤال عن اللاجئين السوريين الى لبنان قال بان انه «رحب باستقبال لبنان للاجئين على مدى تاريخه ومنهم اللاجئون الفلسطينيون اما بالنسبة الى اللاجئين السوريين فقد شجّعت القيادات اللبنانية على اتخاذ كافة التدابير اللازمة لاستقبالهم بشكل جيد».
واشار الى ان اولوية الامم المتحدة في الموضوع السوري تتمثل بحماية المدنيين من العنف».
محادثات بعبدا
على مدى سبعين دقيقة توزعت بين اجتماع ثنائي وآخر موسع في القصر الجمهوري في بعبدا («السفير»)، استمع بان كي مون الى شرح تفصيلي من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لموقف لبنان من القضايا الداخلية الراهنة والاقليمية المتلاحقة، وابرزها رفض لبنان لأي تغيير في عديد ومهمة «اليونيفيل»، وبالتالي وجب أن ينصب الجهد الدولي على تطبيق كامل مندرجات القرار 1701 عبر إلزام اسرائيل بتطبيقه، وعلم ان سليمان قدم «مطالعة شاملة حول الموقف من الحراك في العالم العربي لجهة تأييد لبنان للتحول الديموقراطي بعيداً عن العنف وبوسائل سلمية، سائلاً عن الديموقراطية لفلسطين في الامم المتحدة، وعن الديموقراطية في استمرار الاحتلال الاسرائيلي وتوسّع الاستيطان وتهويد القدس».
وفي موضوع الثروة النفطية دعا سليمان «الامم المتحدة الى الاضطلاع بمسؤوليتها لجهة حماية حق لبنان في حدوده في المنطقة الاقتصادية الخالصة وفي استثمار ثروته النفطية». وتمت مقاربة القرار 1559 من زاوية تأكيد سليمان ان «الشق الداخلي من هذا القرار تتم مقاربته وفق ارادة لبنانية وطنية وعبر الحوار الوطني واعتماد المنطق والهدوء بعيدا عن اية ضغوط توصلاً الى استراتيجية وطنية للدفاع يجمع عليها اللبنانيون». واشارت المعلومات الى ان بان حريص على الاستقرار في لبنان وتجنيبه اي تداعيات لما يحصل في المنطقة.
واكد رئيس الجمهورية خلال اللقاء الذي كان خلاله بان مستمعاً اكثر منه متكلماً، عزم لبنان المضي في التحضير للتنقيب عن النفط والغاز مع تأكيد تمسك لبنان بكامل حقوقه في هذا المجال على قاعدة الالتزام بمبادئ القانون الدولي مع إمكان قيام الأمم المتحدة بدور لتأكيد الحق اللبناني في هذا المجال وتثبيته وأخذ الإجراءات اللازمة لحماية أعمال التنقيب التي ستبدأ في اقرب وقت.
من جهته، اشاد الأمين العام بموقف لبنان لجهة التزامه قرارات الشرعية الدولية، ونوه بالجهود القائمة لاستئناف الحوار الوطني كمدخل لتحقيق الاستقرار والتوافق على استراتيجية وطنية دفاعية، وعلى استمرار لبنان في احترام التزاماته الدولية.
واقام سليمان عشاء خاصاً في جناحه على شرف بان حضره الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي وعدد من القيادات.
في السرايا
وانتقل بان الى السرايا الحكومية فوصلها في الخامسة متأخراً نصف ساعة، فاستقبله ميقاتي وعقدا جلسة محادثات شارك فيها عن الجانب اللبناني كل من وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس، المندوب الدائم للبنان لدى الأمم المتحدة السفير نواف سلام، مستشار ميقاتي للشؤون الدبلوماسية السفير زهير حمدان، الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي، الأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى اللواء عدنان مرعب ومستشار ميقاتي جو عيسى الخوري.
كما شارك في المحادثات المساعد الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ومنسق برنامج الزيارة يوشول يوون، مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسون، القائد العام لقوات «اليونيفيل» الجنرال البرتو أسارتا، الأمينة التنفيذية للأسكوا ريما خلف، المنسق الخاص للأمم المتحدة بالوكالة في لبنان روبرت واتكنز، مسؤولة قسم الشؤون الخارجية آن غيغون محسن، والمستشارون هرفيه لادسوس ولين باسكوه ومارتن نسيركي.
وقالت مصادر السرايا ان البحث كان في العموميات ولم يتطرق الى تفاصيل، وتركز اكثر ما يكون على الوضع في الجنوب والانتهاكات الاسرائيلية ودور القوات الدولية فيه وتعزيز قدرات الجيش وتوسيع دوره. وقالت المصادر ان زيارة بان هي لتأكيد دعم لبنان وانه موضوع على الخريطة السياسية الدولية وموضع اهتمام.
وخلال اللقاء شدد ميقاتي على «أن المظلة الدولية التي يوفرها انتشار القوات الدولية يفترض ان تحمي لبنان من الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة». وقال: إن الممارسات العدائية التي تقوم بها اسرائيل ضد لبنان برا وبحرا وجوا وانتشار شبكات التجسس التي تستخدمها ضد لبنان تجعل عمل القوات الدولية عرضة للتعثر من حين الى آخر.
واضاف: إن لبنان يحترم دائماً التزاماته حتى في اصعب الظروف، ومنها ما يتعلق بالمحكمة الخاصة بلبنان، الا ان على المجتمع الدولي ان يواجه اسرائيل ويرغمها على التقيد بقراراته.
وأكد «تمسك لبنان بدور القوات الدولية في الجنوب لجهة تطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته، داعياً الأمم المتحدة الى الزام اسرائيل بتطبيقه كاملاً، والانسحاب مما تبقى من الاراضي اللبنانية المحتلة».
وكرر «المطالبة بدعم الجيش اللبناني لتنفيذ المهام المطلوبة منه خاصة في ما يتعلق بالقرار الدولي الرقم 1701». كما جدّد تأكيد تمسكَ لبنان بحقه في تثبيت حدوده البحرية واستغلال ثرواته الطبيعية في مياهه الإقليمية وفي منطقته الاقتصادية الخالصة لا سيما النفطية والغازية منها. وشدّد على» أن اولويات الحكومة اللبنانية هي العمل على تحقيق الاستقرار في لبنان وإبعاد لبنان عن تأثيرات الأوضاع الخارجية عليه».
وأكد الأمين العام للامم المتحدة «أن الخروقات الاسرائيلية للاجواء اللبنانية والاراضي اللبنانية تشكل تهديداً لصدقية القوات الدولية وانتهاكاً للسيادة اللبنانية»، وقال إنه سيثير هذا الأمر مع المسؤولين الاسرائيليين في خلال زيارته المقبلة الى إسرائيل.
وإذ شدّد على» أهمية الانسحاب الاسرائيلي من بلدة الغجر» دعا الى التعجيل في الحوار الاستراتيجي بين الجيش اللبناني و«اليونيفيل» من أجل تمكين الجيش اللبناني من تسلّم مهامه الكاملة في الجنوب وليس بهدف تقليص عديد القوات الدولية».
ودعا الى «ضبط الامن على الحدود اللبنانية والى العمل على نزع سلاح الميليشيات». وحضّ «لبنان على البدء باستثمار ثرواته النفطية في المناطق البحرية غير المتنازع عليها على ان يتواكب ذلك مع اتصالات لحل الاشكالات بشأن المناطق المتنازع عليها».
عين التينة
ثم زار بان الرئيس بري في عين التينة بحضور مسؤول العلاقات الخارجية في حركة «امل» طلال الساحلي والمستشار الاعلامي علي حمدان.
وعُلم ان بري ركز خلال اللقاء على ان اسرائيل لم تقبل حتى الآن وقف الحالة العدوانية بعد حرب تموز لتترك تبريراً لطلعاتها الجوية المستمرة في الاجواء اللبنانية ولخروقاتها البحرية والبرية بالاضافة الى الجوية.
كما شدد على ان روحية القرار 1701 توجب على الامم المتحدة ان ترسّم الحدود البحرية للبنان كما رسمت الحدود البرية لكونها قوة حفظ سلام دولية.
وأكد بري على العلاقة المتينة للغاية بين الشعب اللبناني في الجنوب وبين قوات «اليونيفيل» (كان القائد السابق لـ«اليونيفيل» الجنرال اسارتا حاضراً الاجتماع).
كما اكد على طلب لبنان التعويض عن البقعة النفطية التي سببها العدوان الاسرائيلي العام 2006 في المياه اللبنانية قبالة شاطئ الجيّة. وطالب بمؤازرة جدية من الامم المتحدة بعد المؤتمر الذي قام به لبنان للخلاص من القنابل العنقودية التي خلّفها العدوان الاسرائيلي.
وعُلم ان بري اكد ان ما يحصل في سوريا يختلف عما يُقال عنه الربيع العربي. وشدد على دعم المبادرة العربية بشأن سوريا، مُعرباً في الوقت نفسه عن أسفه لانه لا يزال يغيب عنها الشق السياسي وسعي الجامعة العربية الى الحوار بين النظام والمعارضة.
زيارة الجنوب مرهونة بالطقس!
من المنتظر ان يزور بان منطقة جنوب الليطاني اليوم متفقداً وحدات قوات «اليونيفيل». ومن المقرر ان تشمل الزيارة مقر قيادة قوات الطوارئ في الناقورة، قرابة الحادية عشرة قبل الظهر, يلتقي خلالها الجنرال اسارتا وكبار المسؤولين والضباط, وتلي ذلك جولة بواسطة طوافة مروحية على طول الخط الازرق.
لكن مصادر متابعة ربطت زيارة بان بالأحوال الجوية, لا سيما انه سينتقل الى الجنوب بواسطة طوافة عسكرية.
يذكر ان بان زار الجنوب بعد تعيينه في العام 2007, ثم زاره مرة ثانية العام 2009.