وحتى ساعات متأخرة من ليل أمس، بقيت فرق الإنقاذ التابعة لـ«الدفاع المدني و«الصليب الأحمر اللبناني»، تعمل على إزالة الركام، لانتشال الضحايا من تحت الأنقاض، علماً أن الإحصاءات الرسمية توقعت وجود حوالى 15 فرداً تحت الركام.
وفور انهيار المبنى، الذي يجاوره مبنى آخر قيد الإنشاء، تم إجلاء مبنيين مجاورين، فيما كانت سيارات الإسعاف تصل تباعاً إلى مكان الكارثة، حيث تجمهر عدد من أقارب سكّان المبنى وجيرانهم، ومندوبين عن وسائل الإعلام.
وبانتظار صدور نتائج التقرير الرسمي حول الأسباب التي أدّت إلى انهيار المبنى، طرح سكان المنطقة علامات استفهام حول غياب الرقابة الرسمية على المباني قديمة العهد، ولمّح جيران سكان المبنى إلى أن تشييد المبنى المجاور ساهم في انهيار المبنى المتصدّع، لافتين إلى أنه قد سبق لهم أن طلبوا من الجهات المعنية في الدولة متابعة الموضوع، لكن «لم ينصت أحد إلينا». يذكر أن الاجهزة الأمنية تجري تحقيقاتها مع مالك المبنى م. س..
وقال لـ«السفير» أحد أقارب جاك جعارة، الذي ما زال مصيره مجهولاً فيما نجا كل من والده ووالدته، إن المبنى الذي شيّد قبل حوالى خمسين عاماً «سقط كالكرتون، وشاهدت انهياره بعيني عندما كنت متواجداً في الشارع المتفرّع من المبنى، إذ كنت بصدد زيارة جاك».
وبينما كانت سيارات الإسعاف تنقل عدداً من الضحايا، كان أقارب طانيوس نعيم يحاولون الدخول إلى البقعة المحاذية للمبنى كي يفيدوا المسعفين بمعلومات توفرت لديهم من شهود عيان، مفادها أن «زوجة نعيم وابنته أنقذهما أبناء نعيم الثلاثة، الذين عادوا إلى المبنى لإنقاذ والدهم طانيوس، ثم اختفوا بين الركام».
تكاتف قبالة المبنى
عند السادسة والنصف من مساء أمس، أي بعد انهيار المبنى بحوالى نصف ساعة، كان موقف السيارات المقابل للمبنى يعجّ بالحشود، الذين وقفوا مذهولين أمام فداحة الكارثة، وراحوا يبتهلون للسيدة العذراء، في مشهد دلّ على تكاتفهم جنباً إلى جنب، فيما كان رجل أربعيني، اسمه شارل بقلة، يقفز بين الجموع مردداً: «ابني وأبي وأمي في المبنى!».
ولمّا عرف شارل أن والديه تم إنقاذهما، اخترق دروع القوى الأمنية البشرية، وتسلّق الركام غير آبه بنداءات فرق الإنقاذ التي حثّته على الرجوع، ثم صرخ قائلاً: «ابني أصم وأبكم وهو عالق هنا!»، مشيراً بيده إلى الركام المبعثر فوق بعضه بعضاً. وحتى فجر اليوم، كان مصير ابن شارل، ويُدعى ليث (16 عاماً)، لا يزال مجهولاً.
وبعد مرور حوالى ساعة وربع الساعة على وقوع الكارثة، وصلت الرافعات لإزاحة الركام، بصورة أثبتت عدم جهوزية الأجهزة المعنية للتعاطي مع كوارث مماثلة، بالإضافة إلى أن عمليات الإنقاذ كانت تجري بطريقة عشوائية، لجهتي توزيع عناصر الإنقاذ ونقل الضحايا.
وطغى الوجوم على وجوه أقارب سكان المبنى وأصدقائهم، الذين كانوا يسألون، بين الحين والآخر، عن أسماء يقطن أصحابها في المبنى المنهار، واتسمت الأجوبة بالتباين: «لقد سمعت أن فلاناً نقل إلى المستشفى»، يقابله جواب آخر: «يقولون أن فلاناً توفي تحت الأنقاض».
وبذلك، كان توتّر الأهالي يتصاعد شيئاً فشيئاً، ثم ترتخي الأعصاب قليلاً عند وصول نبأ يفيد بانتشال شخص على قيد الحياة، لتعود وتُشدّ عندما يتبين أن ذاك الشخص ليس قريب المتوجسين هنا.
وتوافدت إلى الشوارع المحاذية للمبنى مجموعات، كانت تضم أشخاص من الجنسيتين السودانية والمصرية، وقفت تنتظر معرفة أي خبر عن الأقارب والأصدقاء الذين نقل بعضهم إلى المستشفيات بحالات حرجة، وقضى بعضهم، ويرقد البعض الآخر منهم تحت الركام.
أداء العسكر... «رحمه الله»!
يبرهن عناصر الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، عند وقوع كوارث مماثلة، مدى فداحة تعاطيهم مع المواطنين ووسائل الإعلام، على نحو غير مبرّر، ولا يليق بالبزة العسكرية التي يفترض بها أن تساهم ببعث الطمأنينة، وليس مضاعفة الهلع في نفوس المواطنين.
فبدلاً من أن يتحلى ضباط وعناصر الدوريات الأمنية التي وصلت إلى المكان أمس، بروح تعين سكان المنطقة وأقارب الضحايا على تحمّل وطأة المصيبة، كانوا يزيدون من هول الفجيعة، من خلال تهجمهم على أقارب الضحايا ومندوبي وسائل الإعلام.
وعند مدخل موقف السيارات المقابل للمبنى، وصلت سيدة خمسينية مذهولة، عرّفت عن نفسها لعنصر من «فهود» قوى الأمن الداخلي بأنها والدة أحد الضحايا، مشيرة إلى أن جيرانها أفادوها بأن ابنها قضى نحبه، ولذلك، تريد الدخول إلى المكان، فرد العنصر الأمني قائلاً: «إيه الله يرحمه! شو فينا نساعدك؟».
وفي الجهة الخلفية للمبنى، كان عناصر من دورية تابعة للجيش اللبناني، محاطين بأحد الضبّاط، ينهالون بالضرب على أقارب بعض الضحايا والمواطنين وممثلي وسائل الإعلام، متفوهين بعبارات نزقة، ثم تطوّر التدافع بالأيدي إلى وقوع إشكال بين ضابط من الجيش اللبناني وضابط من قوى الأمن الداخلي!
ثم تبيّن أن سبب تهجم عناصر الجيش على المواطنين، هو إجراءات أمنية استبقت وصول رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى مكان الحادث، فيما كان المواطنون يعبّرون عن سخطهم من «تلهي الجيش بأمن الرئيس وضربنا، بدلاً من المساعدة في عمليات الإنقاذ».
متابعة رسمية
تفقد موقع الانهيار، أمس، كل من رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ووزراء الداخلية مروان شربل، والصحة علي حسن خليل، والاتصالات نقولا صحناوي، والأشغال العامة غازي العريضي، والنواب نايلة تويني، ونديم الجميل، ومحمد قباني، وجان أوغاسبيان وميشال فرعون، ورئيس بلدية بيروت بلال حمد. كذلك، تفقده رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر، موفداً من البطريرك الماروني بشارة الراعي.
وطلب رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي تشكيل لجنة من المديرية العامة للتنظيم المدني في وزارة الأشغال ومديرية الدفاع المدني في وزارة الداخلية والبلديات ونقابة المهندسين في بيروت، للتحقيق في ملابسات انهيار المبنى وتحديد المسؤوليات لاتخاذ الإجراءات المناسبة.
وأبدى الرئيس سعد الحريري أسفه لسقوط الضحايا والجرحى وأجرى سلسلة اتصالات مواكبة للحدث.
إلى ذلك، علمت «السفير» أن ثمة مجمعاً سكنياً آيلاً إلى السقوط في منطقة المصيطبة في بيروت، ما يستدعي تدخلاً عاجلاً من أجل المباشرة في ترميمه.