واختلطت في مداخلات المشاركين الآراء السياسية بالتمنيات والتوصيفات لما آلت إليه الأوضاع في بلدانهم، ويبدو بأنهم في اجتماع مغلق سبق الطاولة المستديرة قد خاضوا مناقشات حادة لا سيما حول اللون الإسلامي لهذا «الربيع» وذلك بمشاركة ديبلوماسيين بارزين منهم رئيسة بعثة الإتحاد الأوروبي أنجيلينا إيخهورست، السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري، ورجال دين وديبلوماسيين من الأمم المتحدة ونواب وباحثين.
أفكار وهواجس وتمنيات
أبرز الأفكار التي تداولها المشاركون ما قاله وزير الخارجية التونسي رفيق عبد السلام بأن الثورات التي حصلت في 2011» كان يمكن أن تتم في أواخر ثمانينيات القرن الماضي وما أعاقها ليس الاسباب الثقافية والدينية في العالم العربي بل التوازنات الدولية والسياسة الدولية التي لم تكن ترغب بتغيير ديموقراطي في العالم العربي».
واشار عبد السلام الى أن «أهمية ثورة الياسمين في تونس هي أنها وجهت رسالة «الشعب يريد» التي تحولت من شعار لأبي القاسم الشابي الى مطلبية سياسية ترددت أصداؤها في عواصم عربية عدّة».
وحاول عبد السلام إبعاد الهواجس في ما يخص صعود التيار الإسلامي بعد الإنتخابات التشريعية التونسية قائلا: «لا مبرر للمخاوف لأن الحكومة ائتلافية حريصة على المكتسبات الوطنية ومنها المتعلقة بحقوق المرأة التي لن يتم الانتقاص منها بل زيادتها»، لافتاً الانتباه الى دخول 49 سيدة الى المجلس الوطني التأسيسي «وهو عدد دون الطموح لكنه يمثل بداية مشجعة في العالم العربي».
وأسهب أمين عام جامعة الدول العربية السابق عمرو موسى في الإجابة على سؤال ريما خلف عن العلاقة بين الدين والدولة، وعما إذا كان ينبغي أن تكون للدساتير مرجعيات دينية. وانطلق من السؤال ليطرح مجموعة افكار أبرزها: رفض تعبير «الربيع العربي» واستبداله بعبارة «حركة التغيير العربي». واشار الى أن «التغيير الجذري يتحرك على اساس الانتقال الحاسم من الديكتاتورية الى الديموقراطية وهو خيار شعبي يلقى إجماعا». قائلاً: «إننا بصدد بناء عالم عربي جديد ولا يمكن أن نعود الى نظم ديكتاتورية وهذه التغيرات سوف تؤدي بالضرورة الى التفكير في بناء نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط».
وغمز موسى من تحفّز تركيا لأخذ دور القيادة وسط «حركة التغيير العربي» وقال بالحرف: «السياسة التركية ذكية ولينة في تحركها في المنطقة في مقابل سياسة خشنة تتحرك في المنطقة عبر إيران، ومهما كان الزخم التركي والإيراني فإن الزعامة في العالم العربي ستكون في نهاية المطاف للعربي، فالعرب هم من يشكلون غالبية شعوب المنطقة. والتغيرات الحاصلة ستؤدي الى نظم عربية جديدة والى نظام إقليمي وعربي جديد ثقافياً وسياسياً واقتصادياً».
وتطرّق الى الحركة الإسلامية الصاعدة في مصر مشيراً الى أنها «حركة نحو الاعتدال والمرونة واليقين بأنها تعمل في القرن 21». مذكراً بوثائق الأزهر عن أن الدولة في مصر يجب أن تكون مدنية ودستورية وحديثة».
البرغوثي والاتفاقيات مع إسرائيل
وكانت مداخلة وزير الإعلام الأسبق والمرشح السابق عن الرئاسة في فلسطين مصطفى البرغوثي الأشد التصاقاً بالأسئلة الحارة في زمن الثورات العربية المتنقلة. ورداً على سؤال خلف عن إمكان تطور الديموقراطية في ظل الاحتلال، تطرق البرغوثي الى أفكار عدة ربطها بالموضوع الفلسطيني، مشيراً الى أن «أهم محركين للثورة هما التطلع نحو الحرية ونحو العدالة الاجتماعية». لافتاً الى أن المستقبل سيشهد «عالماً عربياً خالياً من حكم الفرد والأحزاب الأوتوقراطية». وتحدّث عن أن الديموقراطية المنشودة ستكون «متواصلة وليست مرحلية»، مشيراً الى تنظيم انتقال السلطة في المستقبل من فئة الى أخرى» وربط الديموقراطية وتصاعدها بمؤشرين أساسيين هما: «الدور الذي سيولى للمرأة وللشباب».
في ما يتعلق بفلسطين قال البرغوثي: «أملي كبير في ألا تسمح الأنظمة الجديدة بتسلل الازدواجية في المواقف التي تسيطر في العالم في ما يتعلق بفلسطين». ولفت الى ان القلق الفلسطيني من «الربيع العربي» هو من «ألا تمسّ الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وهو معيار مهم لمقدار العدالة الذي يجب أن يسود في العالم العربي». وأشار الى أن المصالحة الفلسطينية «لم تكن لتحدث لولا التغيير الإيجابي الذي حصل في العالم العربي». لافتاً الى أن «الشعب الفلسطيني يستلهم اليوم من الشعوب العربية قوة المقاومة الشعبية، وربما نرى اليوم حراكاً بطيئاً في هذا الاتجاه لكن الشعب في حالة احتقان تنتظر الانفجار». وختم بسؤال: «هل يمكن أن يتم بناء مؤسسات ديموقراطية في ظل الاحتلال؟».
ونال موضوع المرأة ودورها في الثورة حصة في مداخلة العضو في هيئة دعم مشاركة المرأة في صنع القرار في ليبيا القاضية نعيمة جبريل التي روت تفاصيل عن المرأة الليبية المقاومة التي رفضت صورة «حارسة القذافي». وروت أخباراً عن مقاومة هذه المرأة، ومنها قصة الفتاة الصغيرة «نوميديا» التي قامت وزملاء لها بتصنيع قنابل زودت بها الثوار وكانت مع رفاق لها تبلغ جنود «الناتو» بتحركات قوات القذافي. أما النتيجة التي حصلت عليها المرأة الليبية فكانت «وجود امرأة واحدة فحسب في المجلس الوطني الانتقالي» وسألت جبريل: «لماذا الإقصاء والتهميش للمرأة الليبية؟». وروت بأن «مسودة قانون الانتخابات الجديد تتضمن مادة حددت نسبة مشاركة المرأة بما لا يقل عن عشرة في المئة يتم العمل عليها من قبل هيئات المجتمع المدني لتعدل الى 30 في المئة».
وتحدّث رئيس الحكومة السابق في اليمن عبد الكريم الأرياني عن الثورة اليمنية التي «تعسكرت و«تقبيلت» (مصطلح من كلمة القبيلة)، لافتاً الانتباه الى أن أمام التغيير «فرصة في 21 الشهر المقبل من خلال انتخابات رئاسية مبكرة سيليها حوار وطني شامل».
وأشار سفير المغرب في لبنان علي أومليل الى أن «فوز حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات النيابية المغربية وسواه من الأحزاب الإسلامية سيجعلها تتآلف مع الواقع»، وردّ واقع ان الإسلاميين قطفوا حراك الثورات الى «ضرب الطبقة الوسطى في العالم العربي ما ترك المجال للطبقات الفقيرة الملتصقة بالدين». لافتاً الى أن التحدي المستقبلي «ليس الحجاب والمرأة بل الاقتصاد والتشغيل والاستثمار والسياحة، أما التحدي الآخر فيتمثل بالحفاظ على الحريات الشخصية وحقوق المرأة والأقليات». وقال أومليل: «إن الثورات تواجه حالياً كيفية الانتقال من زمن الثورة الى الزمن العادي»، لافتاً النظر الى «مرجعية جديدة للثورة العربية، فبعد أن كان نموذج الثورة الناصرية هو السائد لخمسين عاماً بات الاتجاه الجديد للثورة يمر عبر صناديق الاقتراع».