والجهاز الأمني الذي كان يطلب كل «داتا» الاتصالات في لبنان لمجرد وقوع حادثة مهما كانت صغيرة في أية منطقة، ما يزال يفعل ذلك وبراحة تامة، هذا من دون افتراض أن لبعض هذه الأجهزة وسائل تنصتها الخاصة. أما المركز الذي افتتح منذ شهرين، في العدلية ـ المتحف، فيبدو أن عمله لم ينتظم بعد، وهو يحتاج لنحو ثلاثة أشهر حتى يعمل بكامل طاقته.
وإذا كان الهدف من إنشاء مركز التحكم هو حصر كل الأنشطة المتعلقة باعتراض الاتصالات به رسمياً، فإن الواقع يشير إلى أن ثمة أجهزة تحصل يومياً على حركة الاتصالات لكل الشعب اللبناني. هذا على الأقل ما أعلنه وزير الاتصالات نقولا صحناوي وهذا ما أكد عليه وزير الداخلية مروان شربل، فالأجهزة الأمنية لا تزال تطلب «داتا» المعلومات عن كل اللبنانيين وبالتقسيط، بحيث يؤدي جمع «الداتا» إلى ان يكون الطلب على مدار الأيام والأشهر والسنة.
الأسئلة توالت على وزير الداخلية عن سبب استمرار تقديم الطلبات لوزارة الاتصالات، قبل أن يحصل أعضاء اللجنة على التزام شربل بأن لا يوقع أي طلب للحصول على «داتا» الإتصالات لكل اللبنانيين، مؤكداً أن الأمر سيبقى منوطاً بقرار منه وفق الآلية المعتمدة ووفق حوادث محددة.
ومع أن التنصت مرتبط بعدد غير محدود من الاجهزة، إلا ان وزير الداخلية تبرع للتأكيد أن قوى الأمن الداخلي لديها الكفاءة والخبرة أكثر من غيرها من الأجهزة في موضوع التنصت. وهو ما جعل أحد نواب 8 آذار يطرح السؤال الآتي: «من أين أتت هذه الخبرة؟ أليس من التدريب الذي حصل عليه «فرع المعلومات» ومن تولى التدريب ولمصلحة من، من دون الاستهانة بالدور الذي لعبه هذا الجهاز في موضوع كشف الشبكات الإسرائيلية؟».
كذلك تم التطرق إلى التنصت السياسي الذي يطال قيادات حزبية بهدف تكبيلها.
النقاش انتقل إلى مكان آخر مع طرح رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله لمسألة «عميد العملاء» الياس يونس الذي كان يعمل في «أوجيرو»، سائلاً وزارة الاتصالات عن الإجراءات التي اتخذتها لتبيان الأضرار التي سببها هذا العميل.
صحناوي كان صريحاً، حيث أعلن أن الوزارة لم تقم بأي إجراء محدد، لأن «أوجيرو» ما تزال خارج سلطتها، علماً أن هذه الهيئة تملك «داتا» مهمة للمعلومات عن اللبنانيين من خلال اتصالات الهاتف الثابت والاتصالات الدولية التي تمر عبرها.
وكما كل الجلسات التي تعقدها لجنة الإعلام والاتصالات، فلا يمكن لهذه الجلسة أن تمر من دون مفاجأة.
أمس كانت المفاجأة باعتراف وزير الداخلية أن ثمة مشكلة أخرى يشهدها البلد وهي تتعلق بامتلاك شركة خاصة كل بصمات اللبنانيين. وهذه الشركة هي التي تمّ التعاقد معها في العام 1996 في عهد الوزير ميشال المر لطباعة الهويات، حيث نص العقد أن تستحوذ على هذه البصمات في حال قررت الدولة فسخ العقد معها!
وأشار وزير الداخلية إلى أنه واجه معضلة الاضطرار القسري لتجديد العقد معها مؤخراً، منعاً لإعطائها هذه البصمات، لا سيما ان أي شركة أخرى ستحلّ محلها لن يكون عليها إلا إعادة تكوين «داتا» جديدة للبصمات... بالنتيجة، تركزت الاسئلة حول الأجهزة الخارجية التي حصلت على هذه المعلومات، قبل أن يسبق وزير الداخلية النواب باختصاره للوضع الراهن: البلد مكشوف أمنياً بالكامل.
«هل توقف تنصت الأجهزة بعد افتتاح مركز التحكم»؟ مر السؤال في اللجنة كأنه مزحة لا سيما بعدما تبين أن بعض الطلبات التي ترد إلى المركز تحول مباشرة إلى وزارة الاتصالات.
وبما أن كل الأجهزة ممثلة في مركز التحكم، فقد كان السؤال الثاني: لماذا يطلب كل جهاز «داتا» وحده طالما أن الجميع ممثل في المركز؟
في الخلاصة، أكد فضل الله بعد الجلسة أن «هناك مركز تحكم، لكنه لا يعمل بشكل كامل ويحتاج الى مزيد من الوقت ونحن ننتظر الأشهر الثلاثة التي حددتها الوزارات المعنية، وقد اتفقنا على ان تقوم اللجنة بزيارة المركز وأن تستكمل البحث لاحقا لنرى مدى الالتزام بتطبيق المعايير والنصوص القانونية المتعلقة بهذا الشأن».
أضاف: «أستطيع أن اقول للبنانيين بأن التنصت الرسمي غير الشرعي لن ينتهي ولن ينتهي التعقب من خلال» داتا» الاتصالات الرسمية غير الشرعية من خارج الأطر القانونية وخارج مركز التحكم، وبالتالي لا تزال المعلومات عن كل مواطن لبناني متاحة لبعض الأجهزة ولا يزال هناك نوع من الاستباحة للخصوصيات ونحن نعمل على أن نعيد الجميع الى منطق القانون وسقف القانون».
أضاف فضل الله: «إذا كانت الحكومة جادة بتطبيق بعض الإجراءات المتعلقة بالأمن وتحتاج الى تعديل في القانون فعليها أن ترسل التعديل الى مجلس النواب لإجراء التعديلات اللازمة، لكن قبل أن يعدل القانون لا بد من البقاء تحت سقف هذا القانون المعمول به».
سئل عن عملية التجسس على موقع العباد ووضع أجهزة متطورة للتجسس؟
فأجاب فضل الله: «اتفقنا على استكمال هذا الموضوع. ونحن طبعاً نعرف ان العدو الإسرائيلي يتجسس تقنيا من خلال الأجهزة والأبراج التي نصبها على الحدود، ويتجسس بشرياً وقلنا ان هناك جاسوساً في «اوجيرو»، وهناك عميل في شبكات الخلوي، ولا نعرف كم هناك من عملاء في هذا القطاع الحيوي والحساس والذي من خلاله يتمكن العدو الإسرائيلي من الحصول على الكثير من المعلومات، وأشير ايضاً هنا الى انه خلال الجلسة قدمت معطيات وكشفت معلومات بان هناك طلبات كانت ترسل الى وزارة الإتصالات من بعض الأجهزة المعنية تطلب معلومات عن الأبراج وعن الهوائيات، وهي المعلومات نفسها التي سبق وطلبتها الولايات المتحدة عبر الاستمارة الشهيرة وعبر الاتفاقية (الأمنية) الشهيرة التي أشرنا اليها في حينه، أي ان ما لم تستطع السفارة الأميركية الحصول عليه من «داتا» الاتصالات كان يطلب عبر وزارة الاتصالات وقد أبلغنا الوزير (صحناوي) انه اوقف إعطاء المعلومات عن هذه الأبراج والهوائيات والشبكة».