ولم تعد جلسة مجلس الوزراء التي ستقرّ زيادة على الرواتب هي الشغل الشاغل الأوّل، رغم الغلاء الفاحش. فقد تذكر كثير من اللبنانيين أمس، أن همومهم لا تقتصر على تأمين الرغيف، وقسط المدرسة، وثمن العلاج، التي تضاف إلى فواتير الماء والكهرباء والتدفئة، إلخ. همّ آخر كانوا قد أجّلوه، فرض نفسه بقوة عليهم: توفير المأوى.
كثيرون كانوا قد ارتضوا العيش في بيوت «آيلة إلى السقوط»، اتكلوا على رحمة الله، واكتفوا بأربعة جدران، لها باب، تحجب عنهم عيون المتطفلين على حياتهم البائسة. بالنسبة إلى هؤلاء، السؤال الأساسي هو: «أين نذهب؟». يعترفون بعجزهم عن توفير سكن. ولم لا، إن كان أصحاب المداخيل التي تعدّ مرتفعة في لبنان، باتوا عاجزين بدورهم عن توفير جدران أربعة تؤويهم وعائلاتهم في ظلّ الارتفاع الجنوني المطرد لأسعار العقارات. يعترف المواطنون بفقرهم. يرضون بالاستسلام لمصيرهم الأسود. ولا فرق بين الموت بسقوط طائرة في البحر قبل عامين، في رحلة اغتراب إلى بلاد بعيدة، أو الموت تحت أنقاض مبنى يرفض الجميع اليوم تحمّل مسؤوليته، فيحيلها كلّ طرف على آخر. الأشرفية، التي يتندّر اللبنانيون على بعض سكانها «الكلاس»، دقّت جرس الإنذار. لم يغمض لبناني عينيه قبل أن يتأمل جيداً التشققات الموجودة في منزله. بعضهم اتخذ القرار الذي أجّله طويلاً وغادر مع عائلته ليقيم لدى الأقارب أو يستأجر في انتظار حلّ.
يمكن هذه المرة أن يأتي الحلّ قريباً؛ فالدولة استنفرت كما تفعل إثر كل كارثة تحلّ بمواطنيها. والبلديات كذلك. ففي جولة سريعة قامت بها «الأخبار» على المناطق، لاحظت جولة مماثلة قامت بها البلديات التي بدا أنها اكتشفت فجأة مهمة أخرى لها غير تعبيد الطرقات وإقامة جدران الدعم. الدولة تحرّكت، والحلول موجودة، والأموال التي قد تدفع تعويضاً لعائلات الضحايا، يمكنها أن تدفع اليوم تداركاً للكارثة. فهل من يبادر فعلاً كي لا يكون الصليب الذي حمله ضحايا الأشرفية السبع والعشرون، طليعة صلبان كثيرة تنتظر أهالي الأحياء القديمة في كلّ لبنان؟