نحاس شديد التدقيق بالملفات. يحملها أينما ذهب وأينما حلّ. يبدو بذلك كالأستاذ الجامعي، حالما يصل إلى مؤتمر صحافي، أو إلى مجلس الوزراء، أو إلى مقابلة تلفزيونية، يضع الحقيبة أمامه ويفتحها، ويخرج منها الأوراق اللازمة ليحاجج بها الجالس بوجهه.
الحقيبة التي يحملها، إضافة إلى ملامحه الجامدة، وهندامه الصارم وعقدة حاجبيه، وسيجارته المشتعلة.. توحي كلها بجدية مفرطة، تصل في أحيان كثيرة إلى حد يبدو فيه «ثقيل الدم»، لا يمكن هضمه في المقابلات التلفزيونية أو المؤتمرات الصحافية، بحيث يبدو متقمصاً فيها دور «الأستاذ»، الذي لا يرى في مهنته هدفاً إلا التلقين، وما على التلامذة إلا الاسراع بالتدوين ليذهبوا بعدها إلى منازلهم وينهمك كلّ منهم في قراءة المحاضرة وتفسيرها.
كثيراً ما يبدو كلام نحاس، الموغل بالجدية، والمتضمن مصطلحات علمية وتركيبات رياضية، عصياً على الفهم. يقود ذلك للتسليم بأن «الراجل ده بيتكلم صح»، على غرار ما يقول سعيد صالح لعادل إمام في مسرحية «مدرسة المشاغبين»، لمجرد أنه ذكر «دراع مرسي». هكذا يستطيع نحاس أن يأسر الناس، بمجرد ترداده عشرات المرات «هموم الناس»، حتى ولو بدا الدفاع عنها دونكيشوتياً، في محيط من الواقعية السياسية المكشوفة لمن يستطيع فهم التركيبة السياسية اللبنانية، التي تنتج دائماً دونكيشوتَ، يكون بمثابة «الصفارة» لطنجرة ضغط، قد تنفجر من دون تنفيسة صغيرة، تؤمن حداً مقبولاً من السلامة العامة في المطبخ السياسي اللبناني التقليدي.
بهذا المعنى، ينتمي نحاس إلى مدرسة سليم الحص، التي لم تخض في حياتها معركة سياسية ناجحة، ومع ذلك يقترن فشلها المزري دائماً بحديث رومانسي عن نظافة الكف والنزاهة، وكلها صفات، تبدو أشبه بصرخة في وديان خاوية لا يرد عليها إلا صداها.
هذا هو أثر «الشيوعية» في نحاس. «الشيوعية» التي تحولت إلى عبء على الرجل الذي لم يحتمل أن يكون بطلاً، ومع ذلك لم يتوقف اليسار اللبناني عن تطويبه رغماً عنه.
مسكين شربل نحاس. مسكين لأنه شهيد اليسار اللبناني الحيّ. الشهيد الذي يبحث عنه كل فترة اليساريون، ثم يتخلون عنه، ليبحثوا عن آخر. هو العوني - الشيوعي، في نظر يسار مصاب بعمى الألوان السياسية، فلا يستطيع التمييز بين الإثنين، بين ممثل التيار المسيحي العوني اليميني، والأكاديمي اليساري الذي رماه القدر في درب ميشال عون.
«الرفيق» وقع ضحية «العشاء السري» بين نجيب ميقاتي وميشال عون، الذي أوصل شربل نحاس بيديه إلى الصلب. إنها «الغنوصية». مذهب ديني مسيحي يؤمن بأن يهوذا بريء من تهمة الخيانة وبأنه إنما قام بفعلته تلك لخدمة سيده المسيح، وتذهب جماعة القاينيين الغنوصية إلى أبعد من ذلك، فتبجل شخص يهوذا وتعتبر ان قيامه بتسليم يسوع للموت كان لغاية نبيلة وهي تخليص العالم من الخطيئة!