فلنصدّق أن الجميع صادق ويُريد تطبيق النسبيّة. لنفترض أنّ جميع القوى السياسيّة تعمل بكلّ قواها لتغيير قانون الانتخابات نحو آخر أفضل. ولنعتبر أن قوة خارجة عن إرادة الطبقة السياسيّة هي التي ستمنع هؤلاء الساسة من إقرار تعديلات جذريّة على قانون الانتخاب.
طبعاً هذه الافتراضات ليست صحيحة. أو على الأقل، فإن هذه القوى ترى أنه من الضروري أن تكون جاهزة للانتخابات على هذا الأساس، إذا لم يتم السير بأي مشروع إصلاحي.
في لقاء جمع رئيس الهيئة التنفيذيّة في القوات اللبنانيّة بفريقه السياسي والإعلامي قبل نهاية السنة الماضية، أبلغ جعجع هذا الفريق، بحسب بعض الحاضرين، بأن السير بمشروع القانون الأرثوذكسي هو ضرب من الجنون. حسم جعجع الأمر لفريقه بأن مطالبة القوات إعلامياً بهذا المشروع، لا تتجاوز المزايدة المسيحيّة. أضاف جعجع في هذا اللقاء أنه يُفضّل اعتماد النسبيّة شارحاً كيف يُمكن لهذا القانون أن يرفع من عدد نواب كتلة القوات اللبنانيّة إلى 12 نائباً. استفاض جعجع بالشرح لينتهي إلى القول بأن القبول بالنسبيّة يبقى مرهوناً بموقف الحلفاء، وعلى رأسهم تيّار المستقبل.
وضع جعجع في ذلك اللقاء الشروط التي يُمكن القوات أن تقبل فيها بالستين: تأمين كتلة نيابيّة لها تتألف بالحدّ الأدنى من 12 نائباً. لكن كيف يتم ذلك بناءً على رأي جعجع؟
1 ــ أن يضمن له الرئيس سعد الحريري مقعداً مسيحياً في عكار.
2 ــ نقل المقعد الماروني في طرابلس إلى البترون، وليس إلى جبيل كما يُشيع البعض. علماً بأن عدد المسيحيين في جبيل أكبر من عدد المسيحيين في البترون، لذلك من غير المنطقي أن يكون للبترونيين ثلاثة نواب مسيحيّين وللجبيليين نائبان. لكن لذلك أسباباً في رأي القواتيين، وهو أن المقاعد المسيحيّة في جبيل «رهينة للناخب الشيعي» على حد قول هؤلاء.
3 ــ تبنّي ترشيح قواتي عن أحد مقاعد دائرة زغرتا.
4 ــ زيادة حصّة القوات في الكورة من نائب إلى اثنين، لترث بذلك القوات مقعد النائب نقولا غصن.
5 ــ نقل المقعد الأرثوذكسي في بيروت الثالثة إلى دائرة بيروت الأولى، أي دائرة الأشرفيّة ــ الرميل ــ المدور، على أن يكون من حصّة القوات اللبنانيّة التي تنوي ترشيح أمينها العام عماد واكيم لهذا المقعد الذي يشغله حالياً النائب عاطف مجدلاني.
6 ــ أن يكون أحد المقاعد الأرمنيّة في دائرة بيروت الأولى من حصّة القوات اللبنانيّة، وترغب القوات في أن يكون لها مرشح بديل عن النائب سيرج طورسركيسيان.
7 ــ تأكيد الحصّة القواتيّة في زحلة.
يسأل القواتيّون عن سبب حصول الكتائب على مقعد عاليه الماروني رغم أن القوات أقوى في هذه الدائرة، لذلك فإنهم يريدون من الحريري التوسّط لدى النائب وليد جنبلاط للحصول على هذا المقعد، كما أنهم يُريدون منه ضمان مقعد الشوف الماروني للنائب جورج عدوان. وبرأي القواتيّين، فإنهم قدموا الكثير لقوى 14 آذار، وشكّلوا العصب السياسي لها، وحان وقت ردّ الجميل نيابياً.
إلى جانب هذه المطالب الموجّهة إلى الحريري ومن خلفه السعوديّة، فإن جعجع يطمح في نقل المقعد الماروني من بعلبك الهرمل إلى بشري ليصبح عدد نواب هذه الدائرة ثلاثة، لكن جعجع لا يُعلن هذا الأمر، بسبب خلاف وقع مع أبناء دير الأحمر الذين يرون أن زعيم بشري يُريد سحب ممثلهم إلى منطقته. وإضافة إلى ما تقدم، يأتي «تاج المطالب» القواتية، وهو تأمين التمويل الوافر لمعاركه الانتخابيّة.
مطالب حزب الكتائب
إذا كانت لجعجع مطالبه، فإن للكتائب والرئيس أمين الجميّل مطالب أيضاً. تبدأ هذه المطالب بتأمين مقعد للنائب سامر سعادة في البترون. ووصل الأمر ببعض الكتائبيّين إلى حد الحديث منذ مدة عن إمكانيّة التنسيق الانتخابي بين سعادة والوزير جبران باسيل، خصوصاً أن باسيل يُعد قوياً في ساحل البترون، أما سعادة فإنه يملك حيثيّة في جرد البترون. ويتداول بعض هؤلاء فكرة أن يقدم سعادة استقالة شكليّة من الكتائب بالتنسيق مع قيادة حزبه، لخوض المعركة في البترون منعاً لإحراج هذه القيادة إذا لم يجر الاتفاق على أن يكون هو مرشّح 14 آذار في المنطقة. كما أن حزب الكتائب يرغب في فصل منطقة برج حمود عن دائرة المتن الشمالي. ويقول الكتائبيّون إن منطقة برج حمود «تُعد جزءاً من بيروت تاريخياً، ومن المنطقي أن تُشكّل دائرةً واحدة مع الرميل بحيث يُصبح عدد دوائر بيروت أربع».
الكتائبيّون أيضاً، يطمحون إلى الحصول على مقعد في عكّار، وهم لا يخفون أنه لا يُمكنهم السير في أي تحالف مع قوى 14 آذار من دون أن يصل عدد نوابهم إلى ثمانية. من هنا، فإن المطلب الأساسي لهم سيكون «الحدّ من جشع جعجع».
رغبات تيّار المستقبل
تيّار المستقبل لديه مطالب انتخابية أيضاً. يقول مستقبليّون إن هناك ثغراً في اتفاق الدوحة، أبرزها جمع قضاءين في دائرة واحدة. وهذا الأمر موجود في دوائر البقاع الغربي ـــ راشيا، مرجعيون ــ حاصبيا، بعلبك ــ الهرمل. ينسى المستقبليّون الدائرة الأولى، أي البقاع الغربي وراشيا ويتحدّثون عن مرجعيون ــ حاصبيا، وبعلبك ــ الهرمل. يرى هؤلاء أن فصل قضاء حاصبيا عن قضاء مرجعيون، يفتح المجال أمام المستقبل لإحداث خرق جدي على الجبهة الجنوبيّة. في هذه الدائرة نائبان: سني هو قاسم هاشم، ودرزي هو أنور الخليل. يرى المستقبليّون أن من حقهما ان يكون هذان المقعدان من حصتهما وحصة النائب وليد جنبلاط. لكن تيّار المستقبل، وتحديداً الرئيس فؤاد السنيورة والنائبة بهيّة الحريري يبقيان حذرين في التعاطي مع هذا الموضوع. لا يُريدان إغضاب الرئيس نبيه بري. فالسنيورة والحريري يدركان حساسيّة الأمر لبري، وأنه يتجاوز كونه مقعدين نيابيين، إلى كونه مرتبطاً بتلوينة كتلة التنمية والتحرير إذ يمنحها طابعاً يتجاوز اللون الشيعي. أمّا في بعلبك ــ الهرمل، فيحلم بعض المستقبليين بالفصل بين المنطقتين، معبرين عن أملهم بخرق لائحة حزب الله في بعلبك، من دون ان يأخذ هذا الأمر حيزاً واسعاً من النقاش.
مطالب 8 آذار
لا تقف ثغر قانون الستين المقرّ في الدوحة عند ما سبق. هناك دائرة البقاع الغربي ــ راشيا. فصل القضاءين عن بعضهما، يؤدي إلى ترجيح كفة فريق 8 آذار في البقاع الغربي. فقد خسرت لائحة عبد الرحيم مراد بسبب كتلة الناخبين الدروز المتكتلين حول النائب وليد جنبلاط. لذلك، فإن فتح أي باب للنقاش في فصل الأقضية سيفتح النقاش في هذه الدائرة، وهذا ما يرغب به ضمناً مراد في إذا بقي الاعتماد على القانون النسبي، لأن لا أحد واثق من موقف جنبلاط الانتخابي.
هذا في ما يتعلّق بالأقضية المجموعة. لكن نقاشاً آخر يدور حول هذه المسألة، وتحديداً في زحلة. ويقول بعض من شارك في نقاشات الدوحة، إنه كان هناك اتفاق على تحييد المدن عن قراها. في التحديد: طرابلس، صيدا وزحلة. في الأصل طُرح موضوع التحييد تلبية لرغبة آل الحريري لضمان موقع الرئيس فؤاد السنيورة والنائبة بهية الحريري. فضم قرى مدينة صيدا إلى دائرتها الانتخابيّة سيرفع أسهم النائب السابق أسامة سعد للفوز بمقعد نيابي، ربما مع حليف له، لأن الغالبية العظمى من ناخبي قرى مدينة صيدا ليسوا من مؤيدي تيار المستقبل، رغم أن المنطق يقول إن هذه القرى يجب أن تكون جزءاً من دائرة صيدا بسبب قربها جغرافياً منها، وابتعادها عن قضاء الزهراني حيث ألحقت. لذلك، يُطالب التنظيم الشعبي الناصري ورئيسه أسامة سعد، بإعادة قرى صيدا إلى الدائرة الانتخابيّة.
تقابل هذا الطلب رغبة من النائب السابق إيلي سكاف في حصر دائرة زحلة بمدينتها. رغم أن سكاف هو من طالب بضم بلدات البقاع الأوسط إلى دائرة زحلة. ردّد سكاف حينها أنه قوي في الوسط السني، وأن هذه البلدات تُدين تاريخياً بالسكافيّة. لكن حسابات البيدر لم تكن كحسابات الحقل، فقرّر سكاف سحب توصيته بتوسيع دائرة زحلة، واستبدالها بتوصية أخرى بتضييق الدائرة.
هذا في زحلة وصيدا، أما في طرابلس، فلا أحد يُطالب بضم قرى المدينة إليها. ففي السابق كانت الضنيّة جزءاً من طرابلس، التي كانت مصيف زعماء عاصمة الشمال، لكن تعديل دائرة طرابلس خارج النقاش حالياً.
عودة الحياة إلى مشروع بطرس
يجزم سياسيون كثر بعدم إمكانيّة تمرير مشروع الوزير مروان شربل، بسبب وجود هواجس منه، وتحديداً لدى النائب وليد جنبلاط. ويجزم هذا المصدر بعدم إمكانيّة البقاء على قانون الستين، لأنه سيؤدي إلى نزاع أهلي جديد، كما حصل في 2008. لذلك فإن هناك من يعمل على نفض الغبار عن مشروع لجنة الوزير السابق فؤاد بطرس، والذي ينص في جوهره على اعتماد قانون من جزءين، أكثري على أساس القضاء ونسبي على أساس الدائرة المتوسطة. لكن من ينفض الغبار لديه تعديلات على مشروع بطرس، إلى جانب ترك الأمر مفتوحاً للنقاش. ترتكز هذه التعديلات على توسيع دائرة النسبيّة لتصبح المحافظة، وقسمة النواب مناصفة بين النسبية والأكثريّة، عددياً وطائفياً. وبرأي أصحاب وجهة النظر هذه، فإن هذا الطرح يُجيب على الهواجس الرئيسيّة لجنبلاط. يضيف: «فليحذر المسيحيّون من طرح اللقاء الأرثوذكسي. إنه ضرب لاتفاق الطائف، وسيفتح الباب أمام نقاش جدي حول المناصفة». فجوهر هذه المناصفة في الطائف، كما ينقل هؤلاء عن الرئيس حسين الحسيني، «يعني حكماً أن جزءاً من النواب المسيحيين لن ينتخبهم المسيحيون».