وكلما تفاقم السجال. ولكن، ما الذي يجعل واشنطن وتل ابيب في موقعين متباينين امام «خطر» يفترض ان يوحّد اجندتهما؟
ضرب ايران عسكريا او البقاء على خيار الضغط الاقتصادي والدبلوماسي. خيار من اثنين لا ثالث لهما تستفيض الاقلام الغربية في مناقشتهما، قانونيا واستراتيجيا.
يردّ الخبير النووي في «اتحاد العلماء الاميركيين» يوساف بات على تحذير زميله، اولي هاينونن، النائب السابق للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، من خطر امتلاك ايران القنبلة الذرية خلال 6 اشهر. ويقول بات في مقال له نشرته مجلة «فورين بوليسي» بعنوان «اوقفوا الجنون» إن «هاينونن يتوقع مع بداية انتاج ايران لليورانيوم المخصّب بنسبة 20 في المئة في موقع «فوردو» الواقع في مكان حصين تحت جبل يصعب قصفه، ان يعمل العلماء الايرانيون على تنقية مواد التخصيب بنسبة 90 في المئة وهو ما يلزم لصنع قنبلة نووية في غضون ستة أشهر.
هذا التوقع المبني على أساس افتراضات لا أساس لها بشأن النوايا الايرانية، يخدم فقط كذخيرة للصقور في واشنطن الامر الذي من شأنه أن يدفع الولايات المتحدة باتجاه حرب مدمِّرة أخرى في الشرق الأوسط». ويضيف بات «ما نسي هاينونن أن يذكره هو أن كل المعدات النووية في المنشأة تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما أن التخصيب بنــسبة 20 في المئـــة لا يزال برأي الوكالة حاجزا كافيا امام التسلح الذري».
ليست المرة الاولى التي يستنفر فيها «الصقور» (الجمهوريون) ضد برنامج ايران النووي، برأي بات، مدعين بأن «السماء ستقع فوق رؤوسهم» كما أن الحديث عن الجداول الزمنية يعود لأيام الشاه.
وأشار الى أنه «في العام 1992، قال وزير الخارجية الاسرائيلي آنذاك شمعون بيريز، إن ايران بصدد امتلاك رؤوس نووية مع حلول العام 1999... عبر التهويل بأسوأ السيناريوهات باعتباره اكثر الاحتمالات واقعية، تدعو الجداول الزمنية لسياسات قاسية الى حد إثارة ردة فعل ايرانية متشددة».
بالرغم من كل ما يقال عن برنامج ايران والقلق الغربي منه، يبدو أن طهران لا تقوم بأي عمل يخرق شرعية حقها في تطوير التكنولوجيا النووية. هذا ما شدّد عليه بات في مقاله قائلا إنه «بموجب معاهدة الحد من الانتشار النووي، ليس محظورا على أي دولة امتلاك القدرة النووية او الخيار النووي. فعندما تطوّر اي دولة القطاع النووي لأغراض مدنية ـ وهذا ما تشجعه الوكالة الدولية ـ تكون قادرة بطبيعة الحال على امتلاك سلاح نووي. فتماما كايران، تستطيع كل من البرازيل والارجنتين واليابان، اللجوء الى الخيار النووي غير المسموح به دوليا كما بإمكانها ايضا انتاج القنبلة الذرية خلال اشهر قليلة»...
ويضيف بات «غير أن الخط الاحمر التي تضعه الوكالة امام الدول هو خطر تحويل المواد النووية إلى برنامج للأسلحة. وبالرغم من تصريحات سابقة لمدير عام الوكالة الذرية السابق محمد البرادعي والعديد من الخبراء والمسؤولين الاميركيين عن أن ليس من دليل على قرب امتلاك ايران لهذا السلاح، تبقى الشكوك محيطة بنية ايران تخزين يورانيوم مخصب بنسبة 20 في المئة اكثر مما قد تحتاجه لتشغيل مفاعلها البحثي، في اشارة الى امكانــية احتـــفاظ ايران بخيار يسمح لها بالتسلح النـــووي في المستقبل... ومهما كانت النوايا والطموحات الايرانية ـ المقلقة ـ تبقى دائما في اطار مشروع».
اما بالنسبة الى الموقع النووي الجديد، فقد لا تصح الشكوك القائلة بأن قيامه خارج مدينة قم وفي مكان جبلي يعني ان انشطة نووية سرية ستقام هناك. فقد لا يكون الامر كذلك بحسب بات، خصوصا أن ايران قد تعتمد الامر وسيلة لابعاد برنامجها «المدني» عن اي ضربة عسكرية، اذ لا شك انها اتعظت من الضربة الاسرائيلية للمشغل العراقي المدني «اوزيراك» في العام 1981. كما أن لا ثقة بسلامة الانشطة النووية في منطقة الشرق الاوسط «العاصفة» وليس فقط المدنية منها.
وفيما يدور سجال اميركي ـ اسرائيلي ضارٍ على خلفية ضرب ايران عسكريا او البقاء على خيار العقوبات، تلحظ مجلة «ايكونوميست» الاميركية التباين الكبير بين وجهتي نظر الحليفين الاستراتيجيين... قالت اسرائيل في تشرين الثاني الماضي، إن امامها سنة فقط لوقف برنامج ايران النووي خصوصا أن مواصلة التخصيب في «فوردو» سيجعلها «منطقة محصّنة» وبالتالي فإن الخيار العسكري يصبح خارج البحث. لماذا سنة؟ تجيب المجلة مشيرة الى أن «رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو يعمل على تمرير الضربة على ايران قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية في اميركا والتي يستعد الرئيس باراك اوباما لخوضها، وذلك على اعتبار أن الاخير سيكون بحاجة لتأييد اسرائيل في مثل هذا التوقيت، اما في حال ارجئت الضربة وأعيد انتخاب اوباما (الامر الذي لا يتمناه نتنياهو) فسيكون تأييد الاخير لخيار اسرائيل ضد ايران امرا صعبا».
اذا كانت ايران متخوّفة من ضربة اسرائيلية من هذا النوع، فإن ادارة اوباما تشاطرها الامر. اذ سبق لاوباما أن اكد أن مثل هذا القرار «امر مستبعد جدا»، في وقت بدت العلاقة بين الحليفين متوترة. «اذاً، تريد اميركا النأي بنفسها عن هذه الكأس المرة، فهي تسعى في الواقع لإبعاد الشكوك المحيطة بها في ما يتعلق بتهمة اغتيال العالم النووي الايراني مصطفى احمدي روشن، وهذا ما اعلنه الناطق باسم البنتاغون بوضوح تعليقا على العملية»... وتضيف «الايكونوميست» معتبرة ان «الفرق بين أميركا وإسرائيل ليس حول ما اذا كان يجب منع ايران من امتلاك السلاح النووي اذ سبق أن وعد وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا باستخدام القوة عندما يكون ذلك ضروريا، بل الخلاف يقتصر على وجهات النظر».
«صقور» اسرائيل، كوزير الدفاع ايهود باراك، يعتبرون أن بداية التخصيب في «فوردو» مؤشر على تخطي ايران الخط الاحمر، وهو ما قد يعقبه بسرعة الاعلان عن «اختراق» من النوع الذي أحرزته كوريا الشمالية العام 2006 عندما اختبرت جهازا نوويا بدائيا. اما الاميركيون فلا يرون ان الامر محتمل، بل «يعتقدون ان نهج ايران هو مواصلة التحرك إلى الأمام حتى تصل إلى عتبة القدرة على بناء عدد من الرؤوس الحربية والصواريخ وتصنيعها. وإذا كان الأمر كذلك، فلا يزال هناك مجال للضغوط الاقتصادية والدبلوماسية لإقناع ايران بأن عبور العتبة ليس في مصلحتها».
«حق» ايران بامتلاك القدرة النووية وتخوّف اميركا من الانزلاق في خيارات غير محسوبة يضعان ايران نسبيا في مأمن من «الضربة المتسرِّعة» اذا جاز التعبير، فيما يجعلان اسرائيل «وحيدة» الى حين اقناع واشنطن. وعليه، «تظهر ايران واميركا في موقع الاستعداد للتفاوض من جديد رغم كل التصعيد الكلامي»، بحسب الكاتب في «كريستيان ساينس مونيتور» ارييل زيرولنيك، وبالتالي فإن تجنّب الحرب خيارٌ اقرب من خوضها...
كذلك، يرى بروس لنغن وجون ليمبرت (المعتقلان الاميركيان السابقان لدى ايران) ان اسباب ثلاثة يجب على الاميركيين الالتفات اليها لعدم الوقوع في الفخّ. ويرى الكاتبان في «كريستيان ساينس مونيتور» ان طوفان مماثل من التشويه والخطابات قاد اميركا قبل تسع سنوات الى مهاجمة العراق... يمكن أن يتكرر الامر مرة أخرى، لكن على الارجح ان ما حدث في العراق سيبدو سهلا امام ما قد يحدث في ايران».
ويقول لنغن وليمبرت إن الاسباب التي من شأنها اسقاط احتمال الحرب على طهران هي: اولا، أن ايران تسعى لاستفزاز اميركا للقيام برد فعل مبالغ فيه. فالتهديد بإغلاق مضيق هرمز او الاعتداء على السفارة البريطانية «ليسا سوى اشارات ضعف». ثانيا، قد يكون الايرانيون بصدد العمل على سلاح نووي كما قد لا يكونوا في هذا الوارد، لذا «على واشنطن القيام بحسابات باردة
وتخيّل الى اي مدى يمكن لهذا السلاح ان يفيد الايرانيين، اذ بالتأكيد لن ينقذهم من ضيقهم الاقتصــادي ولا من معارضيهم في طهران»... اما الســبب الثالث، فهو ضرورة الاّ تحتجز اميركا نفــسها في زوايا خطابها، اذ قال الرؤساء الامـــيركيون ان ايران مسلّحة نوويا امر «غير مقـــبول». وهذا ما انسحب مبدئيا على باكســـتان والهند وكوريا الشمالية... كما على حائـــط برلين في الماضي. في هذه الحالات، تصرّف الاميركيون بذكاء ولم يصبحوا اسرى لغتهم الخطابية...