وفيما يُحظر على المصادر الرسمية، وغير الرسمية، الإعلان عن الأرقام التي خلصت إليها عمليات المسح الأربع (منذ العام 2006)، إلا أن المعلومات الأولية تشير إلى وجود كميات وافرة من الغاز في البحر اللبناني، من الشمال إلى الناقورة، استناداً إلى نتائج المسح الثلاثي الأبعاد الذي نفذته الشركة النروجية مؤخراً.
ويعود تحفظ المصادر عن ذكر النتائج بالأرقام، إلى اتفاق يقضي بأن تبيع الشركة النروجية قاعدة بيانات النتائج إلى الشركات العالمية، والتي من المزمع أن تتقدم بعروضها، لتُمنح على أساسها تراخيص التنقيب من الدولة اللبنانية، علماً أن الدولة ستتقاضى حصة من أرباح المعلومات التي ستجنيها الشركة النروجية لقاء بيعها المعلومات.
وعلى الرغم من إصدار الحكومة اللبنانية، قبل عشرين يوماً، مرسوماً قضى بتشكيل هيئة إدارة قطاع البترول، ترافق مع «تبشيرات» رسمية للمواطنين، مفادها أن واقع لبنان الاقتصادي سيتغير رأساً على عقب، فإن تعيين أفراد الهيئة الستة ما زال ضبابياً حتى الآن، فيما يُطرح سؤال مصيري: هل ترجح كفة الأهواء السياسية، على كفة معايير أفراد الهيئة، في عملية انتقاء الأسماء؟
[[[
عندما أقر مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الهيئة، اعتبر السياسيون أن المرسوم «إنجاز لكل لبنان»، من دون أن تشرح أي جهة رسمية ما هي المعايير التي ستساهم في تعيين الأسماء الستة، علماً أنه تم الاتفاق، مبدئياً، على أن تتوزع انتماءات الأفراد الدينية كالتالي: ماروني، كاثوليكي، أرثوذوكسي، درزي، سني، شيعي. ويتم انتقاء رئيس الهيئة مداورةً كل عام، وفقاً لتسلسل الأسماء الأبجدي.
وقضى الاتفاق الرسمي بين الجهات المعنية بأن يُصار إلى تعيين الهيئة خلال شهر حداً أقصى (مرّ 20 يوماً)، ثم تردد أن الأسماء باتت قاب قوسين أو أدنى من «الاتفاق عليها»، حتى بدأت تلوح في الأفق معالم ضبابية، حول المعايير التي ستُعتمد في عملية الانتقاء.
وتشير مصادر وثيقة الصلة بملف البترول لـ«السفير»، إلى أن السياسيين يخوضون «معارك» شبه طاحنة لدفع كل منهم ممثله إلى الهيئة، ظناً منهم أن وجود ممثل في الهيئة سيكون بمثابة «حساب مالي مفتوح»، يعود بالنفع المباشر على «السياسي»، علماً أن طابع الهيئة استشاري وفني وتقني، أي أن دور العضو، فرادى، يكون بمنأى عن أي صلاحية في اتخاذ قرارات، من شأنها أن تنفع مصالح «السياسي» المالية.
إلا أن الهيئة، مجتمعة بأفرادها الستة، تشكل العمود الفقري لكل شاردة وواردة تتعلّق بالبترول: التفاوض مع الشركات لتحديد حصة لبنان من الأرباح البترولية، وغالباً ما تكون المفاوضات صعبة ودقيقة، انطلاقاً من أن الشركات متمرسة في هذا الشأن وستسعى إلى توسيع حصتها ما أمكن.
كما تتولى الهيئة وضع دراسات للترويج للموارد البترولية المحتملة في لبنان، وتقييم مؤهلات ومقدرات مقدّمي طلبات الترخيص للحقوق البترولية، من خلال تقرير يُرفع إلى وزير الطاقة والمياه، والذي بدوره يعرضه على مجلس الوزراء، وإعداد مشاريع دعوات المشاركة ودفاتر الشروط والتراخيص والاتفاقيات، والتفاوض، إلى جانب وزير الطاقة والمياه، مع مقدّمي الطلبات لاتخاذ القرار النهائي.
وتشمل مهام الهيئة إدارة الأنشطة البترولية ومتابعتها ومراقبتها، وحسن تنفيذ التراخيص والاتفاقيات، ووضع تقارير دورية فصلية لرفعها إلى الوزير كي يوقع عليها، وتقويم خطط تطوير الحقول ونقل البترول، ووقف الأنشطة البترولية وإزالة المنشآت، وإدارة بيانات الأنشطة البترولية، وإدارة السجل البترولي.
وبذلك، أي استناداً إلى مهام الهيئة وصلاحياتها، يتبين أن أي تدخل سياسي في عملية انتقاء الأسماء، من شأنه أن يُصنّف في خانة «كبرى فضائح لبنان التاريخية»، والتي ستنعكس سلباً مع مرور الأيام، وتظهر أولى نتائجها بعد صدور المراسيم التطبيقية التي لا تصدر إلا بعد تشكيل الهيئة.
فبعد تعيين الأسماء، وصدور 13 مرسوماً أساسياً تحدد تقسيم الـ«بلوكات» وحصة الدولة وبنوداً قانونية وبيئية وتقنية، يطلق وزير الطاقة والمياه استناداً إلى رأي الهيئة، وبعد موافقة مجلس الوزراء، الدعوة للشركات بالتقدم لطلب التراخيص.
وبما أنه يترتب على أفراد الهيئة التفاوض مع الشركات (بعد الوصول إلى لائحة مصغّرة)، ثم تقويمهم للطلبات المقدمة، فإن إقحام المعايير السياسية في عملية انتقاء الأسماء، ستأتي في أخطر مرحلة وأهمها، تسبق دخول لبنان إلى نادي البترول العالمي.
أما إذا تم اعتماد معايير الفئة الأولى في عملية انتقاء الأفراد، من دون المحاصصة السياسية وبشافية واضحة، فإن لبنان سيكون محصناً، إلى حد ما، من الوقوع في قبضات مفاوضين عالميين، وذلك من خلال انتقاء أفراد يتمتعون بخبرات عالية، وملمّين بقوانين الموارد البترولية، والعلوم الاقتصادية والبترولية والجيولوجية.
[[[
بعد تعيين أفراد الهيئة، وصدور المراسيم التطبيقية الأساسية (معدّة سلفاً)، ثم استدراج العروض لمنح التراخيص، ثمة مدة زمنية تتراوح بين تسعة وعشرة أشهر، حتى توافق الحكومة على التراخيص التي ستُمنح لأكثر من شركة (نظراً لتقسيم البحر إلى أكثر من بلوك واحد)، تكون الهيئة والوزير والحكومة قد تدارسوا العروض المقدمة.
إلا أن الهيئة، إذا تم اختيار أفرادها وفقاً للمحاصصة السياسية، فإنها قابلة لأن تشهد خلافات داخلية بين أعضائها، علماً أن ثمة «نظرية» مناقضة تفيد بأن الاتفاق السياسي ربما يكون «كفيلاً لعدم وقوع أي خلافات في وجهات النظر! وهو أمر تترتب عليه نتائج وخيمة للبنان» وفقاً لمصدر رسمي متابع لملف البترول.
وفيما كان مجلس الوزراء قد أقر معايير تراعي تعيين الفئات الأولى (الهيئة من ضمنها)، وتعتمد على الشفافية في الانتقاء وتوافر الخبرة والأقدمية والكفاءة المهنية للمركز، بعيداً عن التجاذبات السياسية، يُطرح سؤال أساسي: هل ستخضع تعيينات الهيئة لهذه المعايير؟
ولكن، في كل الأحوال، أي إن تم انتقاء الأسماء من دون اعتماد معايير الفئة الأولى، أو من خلال اعتمادها، كيف تواجه الهيئة تباين وجهات النظر في ما بينها، أو ظهور تعارض في الآراء بينها وبين وزير الطاقة؟
استناداً إلى قانون الموارد البترولية للمياه البحرية في لبنان، والذي أنجز في العام 2010، ثمة نوعان من صلاحيات الهيئة: «توصية»، و«قرار».
يُصار إلى إقرار التوصيات، والتي تتعلق بتقييم طلبات التراخيص وإنجاز المراسيم ومراقبة الأنشطة البترولية وغيرها من الأساسيات، من قبل الهيئة وفقاً للإجماع. لكن إذا عبّر عضو عن رأي مخالف لزملائه، يحق له إدراج رأيه في تقرير يُرسل إلى الوزير، ثم إلى مجلس الوزراء للاطلاع عليه.
أما «القرار»، الذي يتعلّق بأمور داخلية في الهيئة، كالتعاقد مع شركات استشارية وخبراء، فإن إقراره ينجز بالتصويت.
وعندما تشهد الهيئة خلافات في وجهات النظر، بين أفرادها والوزير، يُصار إلى كتابة تقرير يفيد برأي الهيئة المخالف لرأي الوزير، ثم يعرض الوزير على مجلس الوزراء وجهتي النظر، ويكون المجلس الفيصل في اختيار الرأي المناسب.
وتحتاج الهيئة، ما إن يتم تعيين أفرادها الستة، إلى اعتماد موازنة تتراوح قيمتها بين مليون ومليون ونصف مليون دولار لعام واحد، وذلك بغية تأمين تجهيزاتها اللازمة ومخصصاتها، فيما يُطرح سؤال أساسي: من أين ستُمنح الموازنة، فيما الموازنة العامة ما زالت قيد البحث حالياً؟ هل تسلّفها وزارة الطاقة من احتياطي موازنتها؟ ما هو راتب العضو في الهيئة (يتردد أنه بين خمسة وستة آلاف دولار)، وهل هو كفيل ليجنّبه التعرّض للرشى؟
وإلى حين تعيين أعضاء الهيئة، ينبغي على السياسيين أن يفكروا، ولو لمرة واحـدة، في مصلحة بلادهم، قبل مصالحهم الشخصية، خصوصاً أن ثمة مقولة معروفة في لبنان، تفيد بأن «أسرار السياسيين لا تدوم أكثر من 24 ساعة.. فقط».
وإذا تبيّن، في الأيام القليلة المقبلة، أن السياسيين أقحموا مصالحهم في قضية وطنية، فاحتمالات «النأي بالنفس» لن تكون مجدية، أو مبرّرة..