وتلبية لدعوة الجمعية، وتجاوباً مع حملتها، انتظر عشرات المواطنين والناشطين أمام البوابة الكبيرة للحرج إذن الدخول إلى المكان الذي هو ملك للجميع، كمساحة خضراء عامة، ولكن ممنوع دخوله إلا بترخيص من بلدية بيروت. وكان المنتظرون يتعجلون الوقت، إذ لا يمكن هدر الكثير منه، فالمدة المسموح بها للتنزه داخل الحرج تقتصر على ساعتين فقط. حضر الكبار وبرفقتهم الأطفال، وكل من يرغب بالدخول الى الحرج الذي تكبر الأجيال من حوله، من دون ان تنعم بالتمتع باللعب في ظلال شجيراته أو السير بين دروبه بعيد ترميمه. ما زال الحرج في عيون سكان العاصمة عامة، وجيرانه خاصة، حلماً بعيد المنال.
ويوم السبت الماضي، بادرت جمعية «نحن» إلى طلب تصريح الدخول إلى الحرج من بلدية بيروت، بهدف الترويج لحملتها للمطالبة بإعادة افتتاحه أمام المواطنين «إنقاذًا لحقهم في التمتع بالمساحات العامة»، وتحت عنوان «لنعمل معاً على إعادة افتتاح حرج بيروت أمام جميع الناس».
والتحرك ليس الأول للجمعية التي دعت أكبر عدد ممكن من المواطنين لمرافقتها خلال جولة أكد فيها مديرها التنفيذي محمد أيوب «أن التحرك يهدف إلى ممارسة الضغوطات على بلدية بيروت التي لا تسمح للمواطن بالتمتع بمكان هو ملك عام للجميع». ولفت أيوب إلى أن الجمعية ستطلق في «الثامن من شباط المقبل نقاشاً على مسرح المدينة، لعرض الدراسة التي أعدّتها حول «المبررات الأساسية لافتتاح وتفعيل حرج بيروت، إضافة الى آليات إدارته واستعماله»، بانتظار أن تحدّد البلدية موعد افتتاحه من جديد».
ومع إقفال حرج بيروت لمدة تقارب العشرين عاماً، هي الفترة التي تلت توقف الأعمال العسكرية للحرب الأهلية، ومن ثم إعادة تأهيله بتمويل من بلدية «إيل دو فرانس» الفرنسية، بدت النزهة داخل الحرج كالسفر لاكتشاف بلد جديد. كان هناك الكثيرون من بين المشاركين ممن يدخلون الحرج للمرة الأولى. حرص هؤلاء على تأمل الطبيعة، والتعرّف على تاريخ و«قصص» بعض أشجار الصنوبر المعمرة التي عفت عنها نيران اقتتال الإخوة.
يفتح حرّاس الحرج عيونهم جيّداً، فـ«المحافظة على المكان هي من الأولويات». يسأل طفل والدته هل يُسمح له بقطف الأزهار الملونة، فتحذّره أمه من الاقتراب منها. وجاء الإذن بالسماح للزوار بدخول الحرج مشروطاً بعدم السير على «الحشيش» الأخضر المزروع، أو الاقتراب من الأشجار المثمرة. هناك تشعر ان المكان يقع خارج بيروت حيث تعبق رائحة الطبيعة بعيداً عن الكتل الإسمنتية التي أكلت العاصمة. يسعى المشاركون في «الحملة - النزهة» لالتقاط أكبر عدد ممكن من الصور، فيما يمازح شاب صديقه لافتاً إلى أنه «سينشر الصور على موقع «فايس بوك»، مع تعليق يفيد انه التقطها في إحدى دول الشرق الأقصى». بعض المشاركين استغلوا المناسبة لممارسة رياضة المشي حول الحرج، مستفيدين من فرصة دخوله والتمتع برياضة صحيّة ولو لفترة قصيرة.
وتأتي الحملة على خلفية عدم سماح بلدية بيروت بالدخول إلى ثلثي مساحة الحرج التي تبلغ 333 ألف متر مربع، بذريعة «حمايته من التصرفات غير المدنية»، مما يعني حمايته من التخريب ومن تحويله إلى مكان لأعمال «مخلّة بالأمن والآداب العامة»، كما يشير البعض. ولكن في المقابل، يسمح فقط لحاملي التراخيص ولحراسه بالدخول اليه، مما يؤدي الى حرمان أهالي بيروت وضواحيها من التمتع بأكبر مساحة خضراء في العاصمة.
وخلال الحملة وزعت الجمعية بياناً لفتت فيه إلى أنه «كان من المفترض أن تفتح بلدية بيروت الحرج منذ عشر سنوات، خصوصا بعد إعادة تأهيله وتجهيزه، إنما ما زال مغلقاً أمام الناس، ولا يحقّ سوى لنخبة من الشعب اللبناني الدخول إليه». وأكد البيان «أنه لم يعد هناك أي حجج تبرر إغلاقه، إلا تقصيراً من قبل البلدية». واستند البيان إلى المادة الأولى من القانون الناظم للأملاك العمومية في لبنان، والذي ينصّ «على أن الملك يكون ملكاً عاماً إذا كان منتمياً إلى أحد أشخاص القانون العام، (وهو هنا بلدية بيروت)، كما إذا كان الملك قد رمم بقصد الاستعمال من قبل العموم (وهو ما فعلته بلدية «ايل دو فرنس» بالاتفاق مع بلدية بيروت)، يصبح الملك من حق العامة». ويفيد هذا النص ان أي قرار بإقفال حرج بيروت ومنعه عن العامة هو قرار مخالف للقانون اللبناني والدولي وكذلك لشروط اتفاقية ترميمه من قبل البلدية الفرنسية.
ويبقى السؤال معلقّاً على أحد الجدران الملاصقة لمدخل الحرج الأخضر، وكان قد كتبه أحدهم بالخط العريض «لماذا ما زال باب الحرج مقفلاً»، ليأتي الجواب على الجدار نفسه «بسبب النظام الطائفي».