مرة جديدة، غرّد الوزير «المشاكس» خارج السياق التقليدي لطريقة طرح القضايا وجاءت مواقفه متقدمة بأشواط على مواقف بعض الجمعيات العاملة على رفع الانتهاكات بحق العاملات المنزليات.
وإذا كان نحاس، كوزير للعمل، قد رفض التعامل مع تصحيح الأجور من منطق «المكرمة»، رفض التعامل مع عاملات المنازل الأجنبيات في لبنان من باب «الشفقة والمنة» أو لمجرد تحسين صورة اللبناني كمواطن، ولبنان كبلد، أمام المجتمع الدولي.
وأكد نحاس أن إحصاءات وزارة العمل تبين وجود نحو 140 الف عاملة أجنبية في المنازل، بالإضافة إلى نحو عشرين إلى ثلاثين ألف عاملة من دون اوراق رسمية، وهو ما يوازي عدد العاملين في القطاع العام في لبنان من موظفين وعسكريين وغيرهم، وهو ما يدل على حجم ما نتحدث عنه.
وقد فاجأ نحاس الحضور، ومن بينهم السفير الإسباني في لبنان، وبعض الجمعيات العاملة في حماية العاملات المنزليات الأجنبيات، وعدد من الناشطين، برفضه تخصيص هذه الفئة من العمال بقانون عمل خاص. وهو رفض لم يفهم عدد كبير من الحضور مغزاه أو دوافعه النابعة من نظرة اجتماعية اقتصادية للقضية.
وهدف نحاس، عبر رفضه تخصيص العمّال الأجانب بقانون عمل خاص، إلى «عدم تكريس نمط مجتمعي سائد حالياً لجهة النظر إلى العمل في المنازل كأنه خدمة وليس عملاً يؤدى في مقابل أجر»، كما أكد لـ«السفير»، مشيراً إلى «أن العمل هو عمل مهما كان نوعه، وأن الذي يؤديه هو إنسان له حقوقه وعليه واجبات، بغض النظر عن جنسيته».
واعتبر نحاس أن تخصيص العاملات المنزليات بقانون لكونهن أجنبيات، يكرس فرضية أن «وضعهن القانوني يختلف عن العمال الآخرين، وهو ما يدخلنا بدهليز لا نعرف نهايته»، مؤكداً أن «أي قانون عمل يأخذ بالاعتبار جنسية العامل هو بمثابة تمييز عنصري».
وسأل نحاس إن كان اللبنانيون الذين يعملون في الولايات المتحدة والخارج، يقبلون بأن يرعاهم قانون عمل خاص بهم غير ذلك الذي يطبق على جميع عمال البلاد التي يعيشون فيها.
وأكد نحاس أن القضية ليست «مسألة خيرية وجمعيات، وإنما تتعلق بنمط مجتمعي ككل متكامل»، وأنه «يجب عدم تكريس التمييز السلبي انطلاقا من التعاطي بمفهوم الشفقة ومحاولة تجميل الواقع».
وقدم نحاس عرضاً تاريخياً لنمط العمل في المنازل الذي كان سائداً في لبنان في ستينيات القرن الماضي «حين كانت عاملات المنازل غالبا من الأرياف ومن مختلف الطوائف، وكان أهلها يضمنون حمايتها، وبامكانها الاستقالة إن اسيئت معاملتها».
أما السيدة الأجنبية، وفق نحاس، فمحكومة بعنصر إضافي من شأنه أن يخل بميزان القوى في علاقتها برب العمل، ويتمثل ببعد بلادها عن لبنان، وبارتفاع كلفة الإتيان بها عن مدخولها الشهري، وبالتالي عدم قدرتها على الانسحاب في حال عدم ارتياحها إلى ظروف العمل.
في المقابل، هناك رب العمل الذي يعتبر انه بدفعه أمواله، (لمكاتب الاستخدام والدوائر الرسمية وتذكرة السفر)، فقد «بدأ استثمارا، وأن لديه الحق باسترداد الاستثمار وباستهلاكه»، وبذلك جاء عقد العمل ليسمح لرب العمل بأن يعوض استثماره الأساسي وليربط علاقة العمل بالإقامة، مع الاستعانة بالقوى الأمنية (وهي هنا الأمن العام) لتكريس الاقتناع بأن فترة العمل المتفق عليها غير قابلة للنقض.
ورأى نحاس أن هذه الوضعية والفلسفة للاستثمار «أنتجتا التسمية اللعينة المعروفة بـ «الكفيل»، حتى بتنا نتحدث في لبنان عن نظام الكفيل، وهي كلمة استعرناها من الدول الخليجية، بعدما استوردنا منهم قادة وزعماء».
وكشف نحاس عن مسعى يعمل عليه في الوزارة مع فريق عمله لـ «فصل علاقة العمل عن الدين أو الاستثمار (أي المبلغ الذي يدفعه رب العمل للإتيان بالعاملة المنزلية)». ويرتكز المسعى على إدخال طرف ثالث في العلاقة غير المتكافئة بين العاملة وبين رب العمل، يضمن دفع الراتب بآلية منتظمة (ربما عن طريق حساب في مصرف)، كما يضمن استمرارية عقد العمل بما لا يلغي حق رب العمل، لكن ضمن الأطر الإنسانية وحفظ كرامة العامل.
وعلمت «السفير» من مصادر موثوقة أن الطرف الثالث ربما يكون المؤسسة العامة للاستخدام التابعة لوزارة العمل، وأن المسعى يرتكز على إبعاد القبضة الأمنية عن الموضوع، مع التأكيد على أن هذه الخطوة لم تتبلور بشكلها النهائي بعد.
وأكد وزير العمل أنه، بعد «إرساء مفهوم الفصل بين علاقة العمل وبين الدين، وإرساء الأمر بالممارسة لأنها الأساس، يصبح الحديث عن شمل العمال الأجانب بقانون العمل الناظم، طبيعيا.. فالحديث هنا لا يختلف عن النقاش حول بدل النقل المزيف وفصله عن الأجر».
وكمسألة بدل النقل، أشار نحاس إلى أن «خفض راتب العاملة في المنزل عن الحد الأدنى للأجور بسبب اقتطاع بدل تأمين منامتها لدى رب العمل ومصاريفها وإطعامها، يجب أن يأتي في سياق متكامل يحفظ كرامتها وحقوقها كإنسان وكعامل».
وبعد نقاش ومداخلات للحضور، اعترض خلالها البعض على رفض الوزير تخصيص العاملات الأجنبيات في المنازل بقانون خاص بهن بطريقة أثبتت أن بعض الحاضرين لم يدركوا المغزى الحقيقي من كلام وزير العمل، رد نحاس مؤكداً أن «لا وجود لشيء اسمه عاملات منزليات أجنبيات، ولا شيء اسمه خصوصية عمل منزلي لأنه استتباع، وهو عملياً يؤدي إلى قصور في الرشد السياسي، بل هناك شيء اسمه إنسان وعامل».
وأكد نحاس أن العمل في المنزل لا يعطي لأي كان الحق في جعل العاملة تعمل لخمس عشرة ساعة أو ما يزيد، وأن حرمة المنازل لا تتيح لمطلق شخص أن يحتجز العاملة ويقفل عليها في غرفة، وان اختلاف الجنسية لا يسمح بالتمييز ضد العامل»..
وبعدما استمر بعض الحاضرين في التساؤل عن رفضه تخصيص العاملات الأجنبيات في المنازل بقانون، ترك نحاس اللقاء بعدما قال للحاضرين «هذا المجتمع كله سوا مش عاجبني إذا كان عاجبكم، يكفي أننا نصدر شبابنا ونستورد عمالة أجنبية». وغادر.