حينما نذكر الحريري، نتذكر جورج افرام، الذي كان وزيراً للطاقة في أولى حكومات ما بعد الطائف، ووقف بشجاعة في وجه خطة الحريري السيئة للكهرباء، فرفض التوقيع، وأقيل في سابقة لم نشهد لها مثيلاً منذ ذلك التاريخ. هكذا يتبدى أن افرام كان أول «شهيد» للكهرباء في لبنان بعد اتفاق الطائف.
يحاول باسيل أن يتفادى التحول إلى «شهيد» آخر للكهرباء، وإن اقترن ذلك بلقب «البطل». وباسيل مرغم، لا بطل. مرغم على الخوض في مسألة الكهرباء التي تورط بها، لأسباب لا يعرفها إلا هو شخصياً. قاتَلَ بالأسنان والأظافر من أجل نيل الحقيبة الخاسرة، وربحها بجدارة. ربح الوزارة وبدأ يخسر الناس. حاول أن يكون «البطل» أو «المخلص». قدم خطة للكهرباء، وافق عليها مجلس الوزراء. ثم صرف له مبلغ مليار ومئتا ألف دولار في انتصار آخر للوزير للبدء بالمرحلة الأولى من الخطة لإضافة سبعمئة ميغاوات للشبكة.
تشكّلت صورة البطل جبران في أذهان اللبنانيين. ظنوا أنه يملك خلاصهم من العتمة. أطلق حملات إعلانية، ضد العتمة، واعداً اللبنانيين بالنور الدائم. تسرّع في إطلاق الوعود المستحيلة، على طريقة الحريري الأب ولم يف بوعوده، على شاكلة من سبقوه من الحلفاء.. و«حلفاء الحلفاء» في تحمل مسؤولية الحقيبة نفسها.
يقول باسيل إنه يحتاج إلى الوقت الذي ما كان ممكناً أن يسمح به لغيره لو تولى الحقيبة بدلاً منه. الوقت صار سنتين لم يقدم خلالهما للناس سوى وعود وتقديم سخانات مياه على الطاقة الشمسية، ولمبات موفرة للكهرباء يتبناها الوزير بتوزيعها. وهي لمبات موفّرة لأنها لا تضيء أصلاً، فالكهرباء مقطوعة دائماً.
باسيل يشعر أنه يواجه حملة لإفشاله من الحلفاء، منذ حادثة معمل الزهراني التي حملت رسالة شديدة اللهجة من المصيلح إلى الرابية. لكنها مرّت على خير، وبدا كأن الحليفين ـ اللدودين قد تجاوزا الأزمة. لكن الاحتجاجات الأخيرة على انقطاع الكهرباء والتي تضمنت قطع طرق وحرق إطارات وهتافات ضد باسيل شخصياً، أشـعلت الخلاف مجددا.
وباسيل، الذي يمتعض من تحركات الناس اليوم، كان دعا إلى مثل هذه التحركات، وقال إنه سيتقدمها اعتراضاً على انقطاع الكهرباء.
تصوروا المشهد: باسيل يدعو إلى التظاهر ضد باسيل. هذا هو مضمون الدعوة. كان يريد للناس أن يتظاهروا معه ضد انقطاع الكهرباء، لأنه، ومع كونه وزيراً للطاقة، لا يريد أن يتحمل المسؤولية. يرى، أن المسؤولية في هذا الملف، تقع على «الحكومات المتعاقبة». هل أراد للناس أن يهتفوا لإسقاط حكومة سعد الحريري؟ حكومة الحريري سقطت، ورئيسها السابق كان يمضي وقتاً لطيفاً في جبال الألب إلى أن كسر ساقه. هل يريد منهم أن يتظاهروا ضد رئيسه نجيب ميقاتي الى حد أنه نسي أو أقنع نفسه أنه ليس وزير الطاقة والمياه في حكومة المتناقضين.