عكار | عشية زيارة وزير الأشغال غازي العريضي عكار لتفقّد مطار الرئيس رينيه معوض الكائن في بلدة القليعات، حاول أهالي عكار القيام بما أمكنهم من تهيئة أجواء «تليق بالزائر وتكون على قدر الآمال المعقودة على زيارته». نشروا ما استطاعوا من لافتات الترحيب باسم بلديات قبعيت وحرار وفنيدق وغيرها، على مقربة من ساحة بلدة العبدة. لكن مظاهر الترحيب بدت خجولة كلما اقترب الزائر من المطار، إذ كان صخب أهالي العريضة وغضبهم نتيجة مقتل أحد أبنائهم (الصياد الفتى ماهر حمد) يعمّ معظم أرجاء عكار، وخصوصاً بلدة القليعات التي لا تفصلها عن العريضة إلا قرية الشيخ زناد. وبدل «أقواس النصر»، احتلت آثار الإطارات المشتعلة، احتجاجاً على ما جرى، الطرقات بدءاً من القليعات وانتهاءً بالعريضة.
ومع ذلك، بدت بلدة القليعات صبيحة الاثنين مشغولة بترقّب حركة الوزير الضيف. فأهل البلدة المنكوبة بإهمال تاريخي، يحدوهم الأمل بأن تحظى قريتهم، على «شرف قدوم وزير الأشغال لتفقّد المطار، بلفتة كريمة»، ولعله يلحَقها بعض من إجراءات التحسين المطلوب إحداثه في المطار الذي يقع فيها، والذي كان يحمل اسمها قبل أن يستشهد الرئيس الذي انتُخب فيه مطلع تسعينيات القرن الماضي. بالتأكيد لم يستطع الأهالي تجفيف المستنقعات التي تملأ طرقات البلدة، ولا تغطية الحفر. جلّ ما في الأمر أن رئيس بلديتها أعاد توزيع الأثاث في صالون منزله ليكون جديراً باستقبال أكبر عدد من أعيان المنطقة، وهو يمنّي النفس بأن تكون محطة غداء الوزير في منزله. لكن ارتباطات أخرى، يقول رئيس البلدية أحمد إبراهيم إبراهيم، حالت دون ذلك، فتقرر في الربع الساعة الأخير أن يكون الغداء في مطعم «الصديق» على طريق العبدة. ورغم ذلك، يضيف إبراهيم، نُحِرَت الخراف التزاماً بتقاليد الترحيب والضيافة العكارية.
أمام المطار، اصطفّت سيارات عديدة. وبينما كانت الفكرة أن يركن الصحافيون سياراتهم إلى جانب غيرها من السيارات على الطريق العام، جازف بعضهم محاولين الدخول بها إلى حرم المطار، فنجحت المجازفة، إذ بدا واضحاً اهتمام الوزير المسبق بحضور وسائل الإعلام. وبناءً على ذلك، فتح رجال الجيش اللبناني بوابة المطار الرئيسة أمام الصحافيين، وراحوا يدقّقون في البطاقات الصحافية، ويفتشون السيارات عند المدخل. على يمينهم اسم المطار: قاعدة القليعات العسكرية، وعلى يسارهم اسم المطار أيضاً: مطار الرئيس رينيه معوض.
الطريق من المدخل إلى مبنى المطار أطول من المتوقع بكثير، ولا تخلو من الحفر وقد امتلأت بالمياه في الصباح الماطر. سائقو السيارات «يتعرجون» بها حماية لها من آثار الحفر عليها، وحرصاً على عدم «طرطشة» المياه الموحلة نحو عناصر الجيش المنتشرين على طول الطريق.
في المطار، لم يخطئ الوزير موعده كثيراً، فلم يتأخر عن موعده في العاشرة صباحاً أكثر من ربع ساعة، كانت كافية لوصول معظم وسائل الإعلام، وكافية لوصول نواب المنطقة. أول هؤلاء نضال طعمة. يبادر إلى ممازحة الصحافيين ومشاركتهم في تحليلاته، قبل أن «يخصّ» «الأخبار» بالتفاتة هي أقرب إلى الطلب: «الأخبار» عم تنتفنا وتنتف تيار المستقبل بعكار، بس أنا لم يلحقني نصيب لحدّ الآن». ثم تبعه النائب معين المرعبي وكرت سبحة النواب والشخصيات، هادي حبيش، رياض رحال، خضر حبيب، وقائد القاعدة الجوية في القليعات العقيد نخلة عبود، ومساعد قائد القوات الجوية في الجيش اللبناني العميد الطيار عبد الرحمن عبد الرزاق.
وصل الوزير والوفد المرافق، فاصطحبه المنتظرون إلى قاعة الاستقبال. وقبل أن يهموا بالجلوس أسمعه أحد الحاضرين «عدّية» استقبال عكارية، فتدافع الصحافيون والمصورون، من دون اكتراث لجمل ظل الوزير يردّدها: «جولة ميدانية على أقسام المطار سنقوم بها، وستكونون برفقتي، وسوف تختم الجولة بمؤتمر صحافي». ومع ذلك، ومن شدة التصاق الصحافيين بالوزير، ومنافسة النواب على السير بجانبه، أخرج النائب هادي حبيش هاتفه الخلوي، وهمّ بالتصوير ممازحاً الصحافيين «ما رأيكم بأن تقفوا مع الوزير وأنا أصوّركم؟».
مع الوصول إلى مدرج المطار، وإلى جانبه المدير العام للطيران المدني دانيال الهيبي، أفصح الوزير عن قسم أساسي ممّا صرّح به لاحقاً في المؤتمر، وكأن جزءاً مهماً من زيارته كان لإخراج النقاش الدائر حول تشغيل مطار الرئيس الشهيد رينيه معوض من حماوته، ومن دائرة التشكيك والتهم المتبادلة، حول التوقيت وما يدور بشأنه من علاقة بالأحداث السورية. بدا واضحاً منذ اللحظة الأولى، وقبل إدلائه بالمؤتمر الصحافي، أن وجهة الوزير هي سحب الملف من السجال الدائر، إذ تمنى على الإعلاميين، مع بدء الجولة، مراقبة تشققات مدرج المطار وتصويرها.
ثم استؤنفت الجولة، فسبقه الصحافيون والنائبان نضال طعمة ومعين المرعبي إلى برج المراقبة. هنا، لا بد من صعود الدرج، لأن برج المراقبة بلا مصعد كهربائي.
لم يسأل الوزير عن الأجهزة الموجودة في البرج، مكتفياً بأخذ الصور مع باقي النواب، إذ بانت الأجهزة من دون عناء قريبة إلى جيل الداكتيلو والهاتف الذي «تُبرَم» أرقامه ولا «تنقر».
عاد الوزير والوفد المرافق إلى مدرج المطار، وحرص جداً على توزيع الكاميرات وأخذ كل إعلامي مكانه، خصوصاً أنه ذكر أحدهم رداً على بعض الأسئلة أنه «ابن المهنة». لكنه في مقام آخر، ولدى سؤاله عمّا قيل عام 2010 عن إمكان استخدام المطار لتشغيل طائرات الميغ الروسية، أجاب قائلاً إنه كوزير أشغال «يفهم بالجرافات أكثر مما يفهم بالطائرات».
على أي حال، وقبل البدء بالحديث عن طبيعة المهمة، ركّز الوزير على سحب «السجالات التي تغلب عليها الغرائز وتغيب عنها الحقائق». فما طُرح في الإعلام بشأن تحفظات معينة هو بالنسبة إلى العريضي «حق لا حقيقة».
وأضاف أن ثمة تقريراً معدّاً من قبل الطيران المدني منذ سنوات، ورُفع إليّ منذ اتخاذ قرار تشغيل المطار في البيان الوزاري. لكن «الآن ثمة وقائع جديدة استجدّت على أرض المطار» ينبغي التعامل معها. و«لذلك كان لا بد من هذه الزيارة لإجراء مقارنة بين مضمون التقرير الموجود والواقع على الأرض».
وبالعودة إلى ما طلبه من الإعلاميين في مستهل دخوله أرض المطار، قال «كما شاهدتم، الزملاء الإعلاميون، في كل هذه الجولة واقع المدارج كيف هو، وواقع الأبنية كيف هو». و«عندما نتخذ قراراً بتشغيل المطار، لا يكفي تأمين البنى التحتية، ولا برج المراقبة فحسب، والسور والحماية وإلى ما هنالك من أبنية للجمارك والأمن العام، بل نحن باختصار نحتاج إلى توفير كل الإجراءات المعتمدة في المطارات الأخرى». وخلص إلى أن مهمته اليوم الخروج «بتقرير أوّلي نذهب به إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار النهائي، وتكليف الجهات المعنية بالدراسات التشغيلية، ورصد المبالغ المالية».
وختم العريضي مؤتمره الصحافي بإدراج مشروع تشغيل المطار ضمن إطار خطة إنمائية متكاملة للشمال اللبناني، تبدأ بتشغيل مرفأ طرابلس، ثم بتشغيل سكة الحديد بين مرفأ طرابلس ومعبر العبودية، في إطار تكاملي أوسع بين لبنان وسوريا، حيث «لا أحد يلغي حقائق التاريخ والجغرافيا».
ثم غادر باحة المطار للقيام بواجب التعزية بوفاة ماهر حمد في قرية العبودية. وقبل أن ينصرف مع ضيوفه إلى تناول الغداء في مطعم الصديق، عرّج إلى منزل رئيس بلدية القليعات، فكانت مناسبة تلقّفها أهالي البلدة لتكريم الوزير على أمل مراجعته لاحقاً، بعد أن عاين واقع البلدة بطرقاتها «المحفرة» ومستنقعاتها وببعض بيوتها التي تصدّعت منذ أن قصفت الطائرات الإسرائيلية جسر القليعات في تموز 2006.