أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

حمولة الشاحنات: أين «قبابين الداخليّة»؟

الخميس 26 كانون الثاني , 2012 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,022 زائر

حمولة الشاحنات: أين «قبابين الداخليّة»؟

قبل ثلاثة أعوام، تسلّم السائق عصام ط. من مستودع الشركة التي يعمل لديها في الكرنتينا، في بيروت، حمولة من الحديد المجدول المعدّ للبناء، لنقلها إلى أحد الزبائن في صور.

انطلقت الشاحنة المحمّلة بأكثر من 55 ألف كيلوغرام ونصف من الحديد المجدول في رحلة تمتد نحو 90 كيلومتراً، بقيادة سائق يمتلك خبرة عمرها 31 عاماً في قيادة الشاحنات. لكن الخبرة لم تلفت نظره إلى أن الحمولة مخالفة لما يسمح به القانون، إذ تفوق بثلاثة أضعاف الحمولة التي يمكن الشاحنة أن تحملها.

اللافت أن السائق اجتاز 75 كيلومتراً من المسافة من دون «عوائق»، إذ إنّ أياً من دوريات مفارز السير في قوى الأمن الداخلي لم تتعرض للشاحنة، في طريقها من بيروت إلى الجنوب لتتأكد من استيفائها شروط السلامة العامة، وخصوصاً لناحية الحمولة التي تنقلها.

بل إنّ الشاحنة اجتازت «كالنسمة» حاجز الجيش اللبناني عند مدخل صيدا الشمالي، من دون أن تستوقفها عناصره للمراجعة أو الاستفسار عن الحمولة ووزنها ومدى مطابقتها لما يفرضه القانون.

لكن، ما إن وصل السائق إلى الطريق السريع نحو صور، عند منطقة عدلون، اكتشف أن مكابح الشاحنة تعطلت، ما منعه من السيطرة عليها لتخفيف سرعتها عند المنحدر الذي يسبق مفرق أبو الأسود الذي كان يشكل حينها نهاية الطريق المقفلة بالإطارات المطاطية. هكذا، اختار السائق سلوك الطريق الذي تسلكه السيارات الأخرى باتجاه الخط الساحلي. وبينما كان يندفع بسرعة ومن دون سيطرة، استخدم المنبّه للفت انتباه السائقين، لكنه لم يفلح بتجنب الأسوأ، فاصطدمت مقدمة شاحنته بدايةً بمؤخرة سيارة المواطن حسن ج. الذي انحرف بسيارته يميناً.

في طريقه باتجاه صور، وصل السائق إلى حاجز الجيش الذي يمثل تقاطعاً بين 3 اتجاهات للسير، وقد تزامن سلوكه الاتجاه مع مرور الأستاذ الجامعي علي إبراهيم بسيارته، وبرفقته طفله حسن (10 سنوات). اصطدمت الشاحنة بالسيارة قبل أن تنقلب عليهما، ففارقا الحياة على الفور، فيما أصيب السائق بكسور متعددة.

الخبير المدني في حوادث السير، الذي كشف على مكان الحادث، أشار في تقريره إلى أن السبب المباشر للحادث «كمية الحمولة الزائدة». وأكدّ السائق أثناء التحقيق معه أن حمولة الشاحنة وقت الحادثة «كانت تساوي وزن الحمولة التي كان ينقلها بواسطة الشاحنة في مرات سابقة أخرى وأنه، بسبب الحمولة الزائدة، لم يتمكن من إيقافها في المرة الأخيرة».

أما المحكمة الجزائية في صور، فقد أدانت السائق بمقتضى المادة /564/ من قانون العقوبات التي تعاقب من كان سبباً بموت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة القوانين أو الأنظمة. السائق كان غير محترز أيضاً، برأي المحكمة، «عندما آثر الدخول في مفرق أبو الأسود، حيث تتجه جميع السيارات في الاتجاه ذاته، عوضاً عن إكمال طريقه في الجزء من الأوتوستراد الذي ليس عليه سيارات. وهو يعلم سهولة تخطي الشاحنة للإطارات المطاطية التي تقفل ذلك الطريق».

كذلك، فقد خالف المادة 55 من قانون السير التي أشارت صراحة إلى أنه «لا يجوز تسيير مركبة يزيد وزنها على الوزن الإجمالي المحدّد لها والمدوّن في رخصة السير المعطاة لها».

لذا، ألزم رئيس المحكمة القاضي بلال بدر، المدعى عليه وشركة الضمان كما شركة النقل بالتكافل والتضامن، بالتعويض عن ورثة الضحيتين، بمبلغ ثلاثمئة مليون ليرة لبنانية عن وفاة الأستاذ الجامعي، ومئة وخمسين مليون ليرة عن وفاة الطفل، بعدما رأى أن خطأ السائق قد لامس حدود القصد الاحتمالي الذي يجعل الجريمة مقصودة، بمعنى أن السائق وموظفي الشركة كانوا يعلمون ما يمكن أن تسبّبه الحمولة الزائدة من خطر على السلامة العامة.

وإذا كانت محكمة صور قد أنصفت ضحايا شاحنة أبو الأسود وأدانت السائق والمسؤولين عن الشاحنة، فماذا عن عشرات الشاحنات التي تشكل خطراً على السلامة العامة بصورة يومية على الطرقات؟

يحمّل أمين سر تجمع الشباب للتوعية الاجتماعية (يازا) كامل إبراهيم في اتصال مع «الأخبار» وزارة الداخلية عدم تطبيق القانون لجهة مراقبة الأوزان المحورية أو «القبابين»، أي التأكد من أن حمولة الشاحنات لا تتخطى الحمولة المسموح بها، منتقداً غياب الجدية والتقصير لدى القوى الأمنية لتعقّب المخالفين. ويستغرب إبراهيم كلام وزير الداخلية والبلديات مروان شربل بشأن عدم وجود «قبابين» لقياس الحمولة، ويسأل ما إذا طلب توفيرها من الحكومة وتجنب مسلسل الكوارث على الطرقات. أما التذرع بالمعاينة الميكانيكية للشاحنات مرتين في السنة، فإنّ ذلك لا يكفي وليس حلاً للمشكلة، بحسب إبراهيم. ويشرح الرجل أنّ 70% من الشاحنات تخرج من المرفأ و30% على الطرقات تفلت من رقابة قوى الأمن للحمولة والسرعة.

هي ليست المرة الأولى التي يقود فيها السائق، باعترافه، شاحنته محمّلاً بهذه الكمية الزائدة، ما يقودنا إلى التساؤل: «ألا تستحق شاحنات الموت المتنقلة على الطرقات انتفاضة كتلك التي أطلقتها الأجهزة الرسمية والأمنية والبلديات والهيئات المدنية، ضد الأبنية المتصدّعة التي تشكل خطراً على السلامة العامة؟ أليس هناك من دور للقوى الأمنية وحواجز الجيش للحدّ من هذه الحوادث؟ يذكر أن أحد بنود صلاحيات المجلس البلدي، بحسب قانون البلديات، يعطي الحق للبلديات بـ«تنظيم النقل بأنواعه وتحديد تعرفته عند الاقتضاء ضمن النطاق البلدي، ومع مراعاة أحكام القوانين النافذة».


Script executed in 0.22427415847778