أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

موتوا تحت الركام... مراراً

السبت 28 كانون الثاني , 2012 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,698 زائر

موتوا تحت الركام... مراراً

إذاً: موتوا تحت ركام منازلكم... ولا تتهموا أحداً، إذ لا ينفع الاتهام.. إذاً: موتوا برداً ودنقا، ولا تدلّوا على سارق أو ناهب أو مغتصب، إذ لا أحد سيدخل خلف القضبان.. إذاً: تعلموا العتمة وأتقنوا فن الظلام ولا تلعنوا أحداً، إذ ليس بمقدور أحد منكم ان يفقأ زراً في عين وزير أو مسؤول أو نائب أو مهرب أو فاسد في الأرض والدين.. إذاً: ودعوا أولادكم، أولادكم الذين منكم ولكم، لكنهم ليسوا من بلدهم ولبلدهم، ولا تطلبوا من أحد سوقاً لعمل، إذ لا وقت لأحد ليبحث في هوية لبنان، الذي هو راهنا، بصيغة رصيف ومصرف.. إذاً: خذوا الحد الأدنى للأجور والحدود العليا للديون، ولا تلوموا أحدا، إذ لا تستحقون غير الفاقة، وإذ، تتصرفون مع قياداتكم كالمتسولين.. إذاً: لا تبحثوا عن ماء نقي ورغيف نظيف وكتاب أليف وتربية سليمة وسياسة سواء، إذ تعاملتم مع أنفسكم على أنكم أهل للإهمال، وأصبحتم لا تخيفون أحداً.

موتوا تحت ركام سياسات من غبار، تحت أعمدة نظام يتآكل، تحت أقبية تيارات رثة، تحت وطأة عواصف الطائف المستفحلة. موتوا... ولا ضرورة للصلاة على أحد، او إنفاق الدموع على أحد، واتركوا لأحزاننا أن تنتقم من خوابي القهر.

لا تنتظروا شيئاً يفرحكم، فلبنان غير قابل للإصلاح والتغيير، ولم يعرف التاريخ إصلاحاً من فوق.. أنظمة الاستبداد العربي فاتها قطار الاصلاح. تحاول متأخرة تقديم اصلاحات كاريكاتورية ولا تنجح. تتنازل بالقطارة. هي تعرف ان تنازلاتها الصغيرة، تقود إلى التنازل الكبير عن السلطة وعن السرقة والنهب والظلم. انظمة تكذب الآن، وتفاجأ بأن أحداً لم يصدقها ولا يصدقها.. كانت تكذب و«يصدقها» شعبها غصباً وعنوة.

لا تنتظروا من نظام الاستبداد الطوائفي المشترك، ان يصلح شيئا. هو قرين قوي، لانظمة الاستبداد العربي، باستثناء انه يبيعنا حرية فاسدة، ديموقراطية فاشلة، مجلساً نيابياً عاجزاً ومتواطئاً ومندساً ضدنا، هيئات وأحزابا وتيارات تمارس سياسة تدريب القطعان بعصا الكذب، واتهام الآخرين «بالتآمر».. لا تنتظروا غير ما زرعتم. لن تحصدوا غير الخيبة. هؤلاء الذين نصّبتموهم آلهة تعبدونها، أكلوكم كالثمر، لأنهم على جوع مقيمون.

لا نشبه شعوبا عربية باسلة، أقدمت على جعل الذين «فوق» يخافون. نحن، كشعوب، لا نخيف أحداً من «فوق»، مع ان أصواتنا مرتفعة جداً، وصخبنا يملأ الأمكنة ضجيجا ونقيقا. نحن نخيف بعضنا فقط. السني يخشى ويخيف الشيعي، المسيحي ينشطر كي يحتمي بهذا وذاك. الدرزي على سنّة وليد وسلالته... ومن هم «فوق» تم تطويبهم باحتفالات انتخابية، لا نص اصلاحياً فيها. انتخابات تحتفل بعنصرية وطائفية، بلغة مسعورة ومواقف تحيل العاقل ثوراً هائجاً.

هذه هي حديقتكم، فارتعوا فيها. لا أمل بكهرباء، أو ماء، أو صحة، أو كرامة، أو حقوق... من باع كل أيام الاسبوع، لم يبق له يوم يقف على رصيفه، كي ينتظر التغيير.

خلفنا أزمنة تكرر فيها القول: لبنان في أزمة. وأمامنا أزمنة لتكرير التالي: ليس في لبنان إلا الأزمات، لأنه الأزمة المستدامة. وصانعو الأزمة هم أنفسهم منذ نصف قرن.

نصف قرن واحد... ليس كافيا، للاصلاح. هل نحتاج إلى نصف قرن آخر للتغيير؟ جواب: لم يحضر أحد بعد، من أجل هذا التغيير. لم ينتظم أحد بعد في عملية بناء وطن ودولة. 

أو، ربما فات الأوان...


Script executed in 0.1856529712677