تتوالى الردود والأسئلة حول الخبر الذي سرّبته المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، إعلامياً، ليل الجمعة الماضي، عن إحباط خطة لاغتيال شخصية أمنية مهمة، ثم تردد أن الشخصيتين هما المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، ورئيس «فرع المعلومات» العميد وسام الحسن.
وإذا كانت دائرة التكهن بالشخصية الحقيقية المستهدفة قد تقلّص بيكارها، مع تأكيد مرجع أمني واسع الإطلاع لـ«السفير» أمس أن الحسن هو المستهدف في المرتبة الأولى، ثم يليه ريفي، إلا أن دائرة الأسئلة الأمنية - السياسية تشعبت كثيراً.
ومن بين الأسئلة المطروحة: هل تعمدت المديرية التسريب، رداً على خطوة وزير الاتصالات نقولا صحناوي بحجب «داتا» الاتصالات عن «فرع المعلومات» مؤخراً؟ ما هي الرسالة التي يُراد منها تسريب خبر أمني خطير كهذا، بدلاً من إلقاء القبض على الجهة المنفذة؟ من هي الجهات الثلاث التي تقف خلف تدبير عملية الاغتيال؟ لماذا تصرّ مديرية قوى الأمن الداخلي على ضرورة حصولها على «داتا» الاتصالات، وما هي صحّة تخوّف قوى الثامن من آذار من استخدام الـ«داتا» لمصلحة جهات دولية، بعد تزويدها بقاعدة بيانات تتعلّق بشخصيات أمنية في «حزب الله»؟ لماذا لا تتزوّد المديرية بقاعدة البيانات من «غرفة التحكم» الجديدة، ولماذا لا تلتزم بطلب الـ«داتا» لفترة زمنية محددة وضمن نطاق جغرافي محدد؟
رسالة أمنية وقائية
لا تخفي مصادر «فرع المعلومات» استغرابها من محاولة قوى 8 آذار، التقليل من حجم الاستهداف للحسن أو ريفي، متسائلة: «هل يُسعد المرء، أو عائلته، بأن يكون مهدداً أمنياً»؟.
وفيما تتحفظ المصادر عن ذكر الجهات الثلاث المتهمة، تكتفي بالقول إن سوريا «هي الجهة الأولى وراء خطة الاغتيال»، وتشير الى أن الحسن هو «المستهدف لأن الملف الأمني الجنائي بيده، وثمة رسائل سياسية خلف العملية، أما ريفي فهو طربوش المؤسسة، علماً أنه الشخصية الثانية المستهدفة، لكن بخطورة أقل من الحسن».
وتشير رواية «فرع المعلومات» إلى أن الخطة كانت قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ، بعدما أحكمت الجهات المخططة رصد تحركات الحسن، وحددت مكان تفجير السيارة المفخخة (ذكر موقع «المستقبل» الالكتروني أن الخطة كانت ستنفذ يوم الجمعة الماضي).
وتبرر الرواية الأمنية التسريب الإعلامي قبل ملاحقة الجهات المنفذة وتوقيفها بالقول إن «المعلومات وصلتنا في وقت مباغت، وعندما تأكدنا من صحتها، من خلال تقاطعها مع معلومات من مصادر أخرى، ارتأى لنا أن نخاطب المنفذين، ونقول لهم إننا كشفنا خطتهم، لأن العناصر اللوجستية للقبض على المنفذين العملانيين، لم تكن متوافرة».
وبذلك، قررت المديرية أن تخاطب الجهة المنفذة إعلامياً، وفقاً لخطاب أمني، يضمن لها، وفقاً للمصادر الواسعة الإطلاع، «أن التنفيذ سيُكبح تلقائياً، بعد نشر الخبر في وسائل الإعلام، و«هذا ما حدث حتى الآن»، إلا أن حجب «داتا» الاتصالات عنّا «سيكشف البلد أمنياً»، على حد قول المصادر.
وترفض مصادر «فرع المعلومات» والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، «التهمة» المنسوبة إلى الحسن أو المديرية بشخص أشرف ريفي، حول إمكان الاستفادة من قاعدة بيانات الاتصالات لأهداف تتعارض مع أمن المقاومة، وتتفق على جواب مقتضب: «أولاً، نحن معنيون بحماية المقاومة. ثانياً، يدرك «حزب الله» أننا لا نلاحقه».
وتتمسك المصادر بمقولة مفادها أن ما يُثار حول مصداقية خبر التخطيط لعملية اغتيال الحسن، ما هو إلا محاولة لـ«استدراجنا إلى خطاب سياسي عقيم، فيما رسالتنا الأمنية للجهة المخططة قد وصلت، وبالتالي فإننا غير معنيين بالدخول في حقل التجاذبات السياسية، وجلّ ما نريده هو إعادة تزويدنا بـ«داتا» الاتصالات، وإلا فلتتحمّل الجهات الممانعة لطلبنا كل التداعيات الإرهابية المقبلة».
«ما علينا إلا التحذير»
تحاول مصادر «فرع المعلومات»، إيصال رسالة واضحة لمن يهمه الأمر: «نحن لا نريد التلهي بجنس الملائكة إن كان ذكراً أم أنثى. ثمة قاعدة بيانات يجب أن تتوفر لنا كما ينص القانون، بغية استباق وقوع جرائم إرهابية من خلال الأمن الوقائي، بدلاً من انتظار وقوعها بغتةً، حيث يكون مَن ضرب قد ضرب، ومَن هرب قد هرب».
وثمة سؤال يتكرر على ألسنة المصادر نفسها يتمحور حول السبب الذي أدى فجأة إلى عدم تزويدنا بالـ«داتا»، علماً أن كل دول العالم تمنح الأجهزة الأمنية حق الإطلاع، في أي وقت، على قاعدة البيانات، كما أن القانون 140 لا يشمل منع الـ«داتا».
وتوضح أن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، قد لحظت في العام 2010 أن «الإطلاع على قائمة قاعدة البيانات، الثابتة أو الخلوية، يخرج كلياً عن دائرة تطبيق القانون الرقم 140، لأن الإطلاع لا علاقة له بالتنصت، أي الاستماع إلى التخابر الجاري، ولا تسجيل على شريط مسجل».
وبناء على ذلك، تتسلّح هذه المصادر بأن «مجلس الوزراء كان متفقاً على هذا الحق لنا كجهاز أمني، والحكومة الحالية كانت ملتزمة، ثم ماذا حدث؟ يريدون منّا أن نطلع على الـ«داتا» ليوم واحد؟ كأنهم بذلك يطلبون منّا أن نقول للإرهابي الملاحق: نحن نراقبك 24 ساعة فقط، هيا خذ عطلة، ثم عد إلى التخطيط.. فالتنفيذ».
وتستبعد المصادر المعنية أن يكون إنشاء «غرفة التحكم» مؤخراً، سبباً لحجب الـ«داتا»، مؤكدة أن «الغرفة معطّلة حالياً وتحتاج لمدة ستة أشهر كي تبدأ عملها، ونحن نتمنى أن تبدأ عملها من الآن، لأنها ستسهّل علينا مهمتنا».
وتوضح المصادر أن آلية العمل قبل حجب الـ«داتا» عن «فرع المعلومات»، كانت تتمثل بإرسال قرص مدمج كل 48 ساعة، يتضمّن جدولاً زمنياً وجغرافياً بالاتصالات، يقضي بتحليل الجدول فقط، من دون التمكن من الإطلاع على أي تفاصيل للمخابرات الهاتفية أو محتوى الرسائل النصية (التنصت).
بمعنى أوضح: ثمة برنامج الكتروني متطوّر، يعمل على تحديد المكالمات التي جرت بين فلان وبين فلان، خلال 48 ساعة على الأراضي اللبنانية كافة، ويقتصر على تحديد الوقت الذي جرت فيه المكالمة، ومكان المتصل والمتصل به.
وتندرج عملية تحليل الـ«داتا»، وفقاً للبرنامج الالكتروني، بعد توافر معطيات أمنية معينة، تتطلّب تجميع خيوط محددة، لربطها بعضها ببعض، كالاشتباه مثلاً في أن فلان اتصل بفلان من هذا المكان، أو أن اتصال فلان بفلان جرى في الوقت الفلاني.
وتشير المصادر الى أن «فرع المعلومات» تمكن من توقيف حوالى 30 شبكة إسرائيلية، من خلال تحليل «داتا» الاتصالات وربطها بالمعطيات التي كانت متوفرة سلفاً، أو عبر الاشتباه في اتصال رقم خلوي ما برقم خلوي مشبوه، وهكذا دواليك..
كما أن الاستفادة من الـ«داتا»، لم تقتصر على تفكيك الشبكات الإسرائيلية، بل طالت أيضاً شؤوناً داخلية أمنية، كتوقيف الإخوة تاناليان («ثنائي الإعدام») لارتكابهما 11 جريمة بحق سائقي أجرة، فضلاً عن توقيف تجار مخدرات وغيرهم من المطلوبين للعدالة.
وبذلك، يصرّ مرجع أمني واسع الإطلاع على تشبيه حجب «داتا» الاتصالات عن «فرع المعلومات»، بـ«مريض يمتنع عن كشف الطبيب على أماكن حساسة في جسده»، قائلاً بنبرة واثقة: «في الأمن، نحن الأطباء، وإذا كنا نريد الإطلاع على أمور حساسة، علماً أنها قانونية كحق الطبيب، فهذا لأن ثمة أمراضاً تلوح في الأفق. أما إذا كان هناك من يريد للأمن اللبناني أن يبقى مريضاً، فهذا ليس شأننا، وما علينا إلا البلاغ والتحذير»..