يومها ظهر على العلن، لفترة وجيزة، يحمل معولاً يحفر به حفرة، امام منزله الذي دمّرته آلة الحرب الإسرائيلية في 2006، في حارة حريك. بيديه غرس شجرة ورواها.. برفقته كان وزير الزراعة حسين الحاج حسن، يحتفلان بانتهاء حملة «زراعة مليون شجرة في لبنان»، التي كانت قد أطلقتها مؤسسة جهاد البناء، الذراع «المعمارية» لـ«حزب الله».
في دراسة أعدّها مركز «غرين كومباس» الإسرائيلي، أشاد الباحث موشيه تيرديمان، بما أسماها السياسة الخضراء لـ«حزب الله».
وذكّر تيرديمان بما قاله السيد نصر الله بمناسبة انتهاء حملة «مليون شجرة»، حين دعا إلى اعتبار مسألة تشجير لبنان «قضية وطنية عظيمة، تحتاج إلى جهودنا جميعاً»، أي وزارة الزراعة والبلديات ومنظمات المجتمع المدني والشباب وغيرهم. وأضاف «لطالما مجّدنا لبنان الأخضر.. حتماً اذا بقينا على هذا المنوال، فسيصبح هذا شيئاً من الماضي»، جراء التصحر والتوسع العمراني والإهمال البيئي... وكذلك الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة».
وقال مؤسس «غرين كومباس» ان أحد الأسباب التي تحدو نصر الله الى التشديد على اهمية الأشجار تكمن في دورها «الطبيعي» في الدفاع عن لبنان.
وقال الباحث ان حملة المليون شجرة التي انتهت في 2010، لم تكن لتتحقق لولا مساعدة سوريا، التي منحت لبنان 800 ألف شجرة، لتُزرَع في المناطق التي احترقت خلال عدوان تموز 2006. وهكذا تم زرع 290 ألف شجرة في الجنوب وحده.
وبحسب المدير العام لـ«جهاد البناء» المهندس محمد حاج، زرعت المنظمة «خلال 18 سنة من العطاء، نحو 7 ملايين و300 ألف شجرة»، وهو معدل يرتفع سنوياً، مشدداً أنه خلال السنوات القليلة الأخيرة، تمكنت «مؤسسة جهاد البناء» من زرع مليون شجرة سنوياً، بالتعاون مع جمعيات وبلديات ومزارعين وغيرهم.
بالإضافة إلى الأهداف البيئية للحملة، فإن مشروع «المليون شجرة» يهدف إلى توعية الناس بشأن أهمية الأرض والبناء وإعادة البناء وإعادة تأهيل المناطق الخضراء للمقاومة.
وشدد المهندس محمد حاج على أن «الأهم هو الدور المقاوم لتلك الأشجار، حيث قدّمت الملجأ للآلاف من عناصر المقاومة»، مشيراً إلى وجود خطط لجعل الضاحية الجنوبية لبيروت ضاحية خضراء، بالتعاون بين «جهاد البناء» والبلديات.
بعدها استعرض الباحث «الأنشطة البيئية» التي قامت بها «جهاد البناء» منذ ثمانينيات القرن الماضي، لافتاً الانتباه الى وجود ثلاث لجان تابعة لـ«حزب الله» تقوم بأنشطة بيئية أيضاً. وأضاف ان «لجان المياه وموارد الطاقة» قامت بإصلاح أكثر من 100 محطة مياه وطاقة من البقاع إلى الجنوب، في حين كانت لجنة البيئة منكبّة على دراسة المناطق الملوثة، بينما أسست لجنة الزراعة تعاونيات زراعية تبيع مبيدات الحشرات والبذور والأسمدة للمزارعين، بأسعار تقل عن سعر السوق. وتقوم بالإشراف على عمل هذه اللجان، لجنة إدارية وتقنية تتبع لمؤسسة «جهاد البناء».
وبعد نبذة تاريخية عن «حزب الله» في الضاحية، وكيف اضطر الى التعامل مع مشاكل اجتماعية جمة واجهتها العائلات النازحة من الجنوب، قال تيرديمان انه بين العامين 1988 و1990، كانت الضاحية «تفتقر بشكل شبه كامل لخدمات المياه والكهرباء، نتيجة الحرب والاهمال». نتيجة ذلك، «تم هدر نحو 40 في المئة من مياه عين الدلبة، مصدر مياه الشفة الأساسي في الضاحية».
وتابع تيرديمان «انه في العام 1988، بدأ «حزب الله» تأسيس خدمة «جمع النفايات يومياً»، في مسعى لإزالة جبال النفايات التي تراكمت على مر السنوات. استمرت هذه الخدمة 5 سنوات قبل أن تبدأ الحكومة اللبنانية بخدمتها الخاصة لجمع القمامة يومياً».
على المنوال ذاته، أطلقت «جهاد البناء» حملة لبناء منابع للمياه، والمراحيض في المدارس الرسمية في الضاحية، وتزويد المنازل بمياه الشفة والكهرباء. وبمساعدة من الحكومة الإيرانية، بنت المؤسسة خزانات عامة للمياه، ووظّفت سائقين لتوصيل خزانات المياه الى أحياء الضاحية المتشعبة. وهكذا بنت خزانات تسع نحو 4 آلاف ليتر من المياه في كل منطقة من الضاحية الجنوبية لبيروت، تقوم بتعبئة كل منها خمس مرات يومياً.
على المنوال ذاته، حُمّلت مولدات الكهرباء على الشاحنات، لتنتقل من مبنى إلى آخر لتؤمّن الكهرباء الضرورية لضخ الماء الى المنازل. هي مياه تكفّلت «جهاد البناء» بتعبئتها من محطة مياه عامة في برج ابي حيدر.
وقال تيرديمان، انه «حتى اليوم لا يزال أهل الضاحية يعتمدون على «حزب الله» للحصول على مياه الشفة».
لم تكتف المؤسسة بذلك، ففي 2000 قدّمت خطة لبناء مشروع سد بسري على نهر الأولي، لجمع 600 الف متر مكعب من المياه، تذهب 120 الف متر مكعب منها للضاحية. لم ينته بناء السد بعد، لكن في 24 نيسان 2010، كلفت الحكومة مجلس الإنماء والإعمار باستكمال بنائه، برغم وقوعه على خط زلزالي.
انخرطت مؤسسة «جهاد البناء» بأنشطة بيئية لا تقتصر على الضاحية، فهي تنشط في البقاع والجنوب، وتشمل أنشطتها التدريب والمختبرات والتشجير. ففي 1992، أطلقت المؤسسة حملة «الشجرة الطيبة» التي تتكرر سنوياً.
بين 1998 و2002، أسست المؤسسة نحو 7 تعاونيات زراعية. حتى 2004، كانت قد قدمت خدمات لنحو 5 آلاف مزارع في سائر أنحاء لبنان، قدّمت لهم الأسمدة وخدمة البيطرة لمواشيهم.
كل هذا يثبت ان «حزب الله» كان «منخرطاً بحق، منذ الثمانينيات، بأنشطة بيئية في الضاحية والجنوب والبقاع، ومناطق مختلفة من لبنان. في ظل غياب الحكومة والبلديات والسلطات المحلية والمناطقية، لم يكن لـ«حزب الله» أي منافس، ما مكّنه، بحسب رأي الباحث الإسرائيلي، من «كسب ولاء المجتمعات الشيعية»، قبل أن يصبح «قوة سياسية» في لبنان.
وختم تيرديمان بحثه في «غرين كومباس» بالقول ان «الأخضر شكّل تكتيكاً حربياً»، موضحاً أنه «وفقا لعقيدة حزب الله، تشجير لبنان لا يهدف فقط إلى مكافحة التصحر، بل لمحاربة إسرائيل أيضاً»، باعتبار الأشجار «عنصراً استراتيجياً طبيعياً» في الصراع مع إسرائيل. فالأشجار تؤمن الملاذ لمقاتلي «حزب الله»، وهي تؤمن التمويه أيضاً، فيما تستخدم سراديب الغابات لإخفاء الذخائر ومنصات إطلاق الصواريخ وغيرها. وعليه، لطالما شكّلت الأشجار ومعها المحميات الطبيعية «جزءا لا يتجزأ من استراتيجية «حزب الله» في صراعه مع إسرائيل».
حملات التشجير التي يقوم بها «حزب الله»، بهذا المعنى، تصب في صلب الاستعدادات التي يقوم بها الحزب «للجولة المقبلة من الحرب مع اسرائيل»، ولهذا كان السيد حسن نصر الله محقا عندما قال «لبنان يحمي الشجرة.. كي تحمي لبنان».