أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

هل تقضي التجاذبات السياسية على ثروات لبنان البترولية؟

الخميس 02 شباط , 2012 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,539 زائر

هل تقضي التجاذبات السياسية على ثروات لبنان البترولية؟

يغرق لبنان، يومياً، في بحر خلافات أهل السياسة، ويستمّر إهمال مطالب المواطنين، بدءاً من غلاء المعيشة المستفحل وصولاً إلى أزمة انقطاع التيار الكهربائي، فيما تلوح في الأفق سبل مشجعة للنجاة من الغرق، تتمثل بتأمين التفاف رسمي، جدّي، حول ثروات لبنان البترولية (غاز أو نفط)، المدفونة في البحر.

وإذا كانت الدولة قد أبدت اهتماماً واسعاً بموضوع البترول، بعدما صدر مرسوم تشكيل هيئة إدارة قطاع البترول قبل أكثر من شهر، إلا أن «عزيمتها» بدت كأنها تخبو حالياً، مفضّلة ترجيح كفة التجاذبات السياسية، على كفة الأولويات الاقتصادية الوطنية.

وأول المعطيات التي تدل على تقصير الدولة، في ما يتعلق بالتعاطي مع ملف البترول، يكمن في التباطؤ بتعيين أعضاء الهيئة الستة، الذين من دونهم لا تصدر أي مراسيم تطبيقية، وتالياً لا يستطيع لبنان أن يُلزّم أي شركة بترولية، للبدء في رحلة التنقيب ثم الاستخراج، فالاستهلاك. 

تتمثّل ثاني المعطيات في معلومة نقلها مصدر واسع الاطلاع إلى «السفير» أمس، مفادها أن بعض الشركات العالمية الكبرى تتــداول مقــولة مقتضــبة، لكنها خطرة: «يبدو أن لبنان غير جدّي في موضوع البترول»، وذلك بعدما نكثت الدولة بوعدها المتمثل في استدراج عقود الشركات في العام 2011، ثم إعلانها أن الدورة تأجلت إلى الشهر الأول من العام الحالي، قبل أن تعود وتنكث بوعدها مرة ثانية. 

وينعكس الأداء الرسمي الحالي، سواء أكان في التباطؤ بتشكيل أعضاء الهيئة أم من خلال تأجيل موعد استدراج العقود أكثر من مرة، على التنافس القائم بين الشركات العملاقة والشركات الصغيرة، بما يطرح احتمال انسحاب الشركات الكبرى من «السوق» اللبنانية إلى دول أخرى، فلا تبقى إلا شركات لا تمتلك الخبرات، والتقنيات والميزانيات المالية اللازمة لإنجاز المهمة. 

وبذلك، يكون المواطنون، الغارق بلدهم في ديونه المالية أصلاً، قد سلّموا أنفسهم لدولة لا تكترث إلا بالمصالح الشخصية لأركانها، بما يُفوّت على البلاد فرصة إنقاذ متأتية من قاع البحر، تاركةً المهمة لشركات بدائية ربما تتوقف أعمالها بغتة. 

يُذكر أن المسوح الجيوفيزيائية، التي أجرتها شركة «PGS» النروجية، تشير إلى نتائج «مبشّرة أكثر مما كان متوقعاً»، وفقاً لأكثر من مصدر مطّلع. 

وفيما تتفاوت المعلومات حول الموعد الفعلي لتعيين أفراد الهيئة الستة (تم الاتفاق سلفاً على أن تكون انتماءاتهم الطائفية مقسمة على الطوائف الست الكبرى)، إلا أن أسباب التأخير تبدو متقاطعة من مصادر متعددة، وتصب في خانة واحدة: «ثمة كباش سياسي على الأسماء، وهو نذير شؤم خطر»، وفقاً للمصادر الرسمية، وغير الرسمية، المواكبة لملف البترول. 

وتتفق مراجع معنية، وهي مراجع غير محسوبة على أطراف سياسية، على ضرورة استيعاب رجال السياسية النافذين في البلد، أن «عضو الهيئة، إذا كان محسوباً على جهة سياسية، فلن يكون بمقدوره السمسرة مع الشركات، ولن يكون مصدراً مالياً لهذه الجهة، لأن مهمته هي تقنية واستشارية بحتة».

وتعتبر المصادر أن الحل الأجدى لتجنّب وقوع فضيحة تاريخية في البلد تتمثل في تعيين الأفراد وفقاً للمحاصصة السياسية، هو اعتماد معايير الفئة الأولى في عملية انتقاء الأسماء، وبالتالي تكون الشفافية في الاختيار «سلاحاً» يحد من عشوائية الانتقاء السياسي، لاختيار أصحاب الخبرات والكفاءات، الذين سيتولّون مهامّ عدة، أبرزها مفاوضة الشركات التي ستتقدّم لطلب تراخيص التنقيب. 

وعلى رغم التباطؤ القائم حالياً، والذي يجد المواكبون أنه لم يعد مبرراً، يتعيّن على المسؤولين في الدولة أن يعيدوا ضخ «المياه» في «أنابيب» ملف البترول، وتبدأ الخطوة الأولى بإرسال وزير الطاقة والمياه كتاباً إلى وزارة التنمية الإدارية، ومجلس الخدمة المدنية، يطلب فيه إطلاق تعيينات الهيئة، وفقاً لمعايير الفئة الأولى، بما أن أعضاء الهيئة هم من الفئة ذاتها. 

يلي ذلك، وفق المصادر، الإعلان رسمياً في وسائل الإعلام، وعلى الموقع الالكتروني لوزارة التنمية الإدارية، عن الشروط المطلوبة، فيتقدّم المرشحون اللبنانيون بطلباتهم. وبعد دراستها من لجنة متخصصة، يُصار إلى تشكيل لائحة مصغّرة واستبعاد الطلبات التي لا تستوفي الشروط الأساسية. 

وتُرفع لائحة الأسماء المصغّرة إلى وزير الطاقة والمياه، ثم يحدد الأخير مواعيد للاجتماع إلى المرشحين، بحضور ممثل عن وزارة التنمية الإدارية، وممثل عن مجلس الخدمة المدنية. وبعد الاجتماعات يتم انتقاء المرشحين الثلاثة الأوائل من كل طائفة من بين الطوائف الست، ويرفع الوزير الأسماء إلى مجلس الوزراء لانتقاء اسم واحد من بين المرشحين الثلاثة عن كل طائفة. 

ويؤكد أكثر من مصدر معني، أن انتقاء الأسماء وفقاً لمعايير الفئة الأولى، لن يكون - بطبيعة الحال - بعيداً من الأهواء السياسية، إلا أن هذه الآلية تحدّ من تدخل السياسيين إلى حد كبير، مقارنة بآلية المحاصصة السياسية العلنية، وهي تضمن توافر حد لائق من الخبرة والاطلاع لدى المرشحين.

وتكمن السخرية في أن الرهان الحالي على احتمال لجم أهل السياسة عن تعيينات الهيئة، لا يعتمد على اقتناعهم بضرورة رمي مصالحهم الشخصية خلف ظهورهم، لمرة واحدة في تاريخهم، وإنما مردّه عنصر أساسي: «يبدو أنهم قاب قوسين أو أدنى من الاقتناع بأن ممثليهم في الهيئة، لن يعودوا عليهم بأي نفع مالي»، وفق مصدر واسع الاطلاع. 

يُذكر أن الهيئة، التي يترأسها عضو منها كل عام مداورةً (وفق تسلسل الأسماء الأبجدية)، تشكل العمود الفقري لكل شاردة وواردة تتعلّق بالبترول: التفاوض مع الشركات لتحديد حصة لبنان من الأرباح البترولية، وغالباً ما تكون المفاوضات صعبة ودقيقة، انطلاقاً من أن الشركات متمرسة في هذا الشأن وستسعى إلى توسيع حصتها ما أمكن. 

وتتولى الهيئة وضع دراسات للترويج للموارد البترولية المحتملة في لبنان، وتقويم مؤهلات مقدّمي طلبات الترخيص للحقوق البترولية ومقدّراتهم، من خلال تقرير يُرفع إلى وزير الطاقة والمياه، والذي بدوره يعرضه على مجلس الوزراء، وإعداد مشاريع دعوات المشاركة ودفاتر الشروط والتراخيص والاتفاقات، والتفاوض، إلى جانب وزير الطاقة والمياه، مع مقدّمي الطلبات لاتخاذ القرار النهائي. 

وتشمل مهمات الهيئة إدارة الأنشطة البترولية ومتابعتها ومراقبتها، وحسن تنفيذ التراخيص والاتفاقات، ووضع تقارير دورية فصلية لرفعها إلى الوزير كي يوقع عليها، وتقويم خطط تطوير الحقول ونقل البترول، ووقف الأنشطة البترولية وإزالة المنشآت، وإدارة بيانات الأنشطة البترولية، وإدارة السجل البترولي.


Script executed in 0.19999504089355