أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

ألف دولار تكلفة زرع عبوة في قصر العدل ببيروت

الإثنين 06 شباط , 2012 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,853 زائر

ألف دولار تكلفة زرع عبوة في قصر العدل ببيروت

مع توالي التسريبات الرسمية عن مخططات لاغتيال شخصيات أمنية وسياسية، ومع دخول السياسيين في دوامة المبارزة الأمنية الخاضعة للمحاصصة الطائفية، يُطرح سؤال: معروف أن أي اغتيال أمني لشخصية سياسية، ستكون نتائجه وخيمة على البلاد، لكن ماذا عن أمن الناس؟

قصر العدل في بيروت، واحد من الأماكن الرسميّة والتي يقصدها المواطنون والقضاة والمحامون والأمنيّون، وغالباً ما يتعرّض لتهديدات ملتبسة تبدأ باتصال هاتفي يدّعي وجود قنابل أو عبوات ناسفة، يُكتَشف أنها «بلاغات كاذبة». وفي الآتي جولة ميدانية لـ«السفير»، داخل «العدليّة» وحولها لتحرّي «الوقاية» الأمنيّة. 


تسلل


لا تحتاج عملية زرع عبوة ناسفة في قصر العدل، إلى أي مجازفة، أو تكبّد عناء التخطيط، مقارنة باختطاف طائرة («السفير»، في3 حزيران 2011).

يخضع الزائر لتفتيش أمني مشدّد، عند مكتب مثبت بعد المدخل الرئيس، حيث يُسجل اسمه ويُصار إلى تفتيشه يدوياً، ثم من خلال جهاز مسح الكتروني. وثمة سيدة مهمّتها تفتيش الإناث، قبل مرورهن عبر الجهاز ذاته.

يقف ثلاثة عناصر أمنيّة قبالة البوابة الرئيسة للقصر. وعلى مقربة منهم ثمة حاجز، قوامه عنصر أمني واحد (أو إثنان)، مهمته تفتيش سيارات القضاة والمحامين، الوافدة إلى الموقف المخصص لهم.

ومن الموقف، إلى قصر العدل، عبر باب متصل، لا يخضع الزائر إلى أي مراقبة أمنية. 

وبما أن قاصد الموقف يُطلب منه إبراز بطاقته، للتأكد إذا كان محامياً، وبما أن السيارة تخضع للتفتيش (من خلال مرآة يمررها العنصر أسفل السيارة)، فإن دخول الموقف، عبر السيارة، قد يُعتبر مجازفة إلى حد ما.

ولتفادي مجازفة مماثلة، يستطيع حامل العبوة الناسفة تجنّب الدخول عبر السيارة، وذلك من خلال دخوله الموقف سيراً على القدمين، فيُخال للعنصر الأمني أن الشخص في صدد أن يستقل سيارته التي ركنها، إذ لن يتذكر وجوهَ المحامين أو القضاة كافة، تماماً كما حصل مع «السفير» في أثناء تجربة هذا السيناريو.


لا مراقبة


يمكن لمنفّذ المخطط أن يضع العبوة (2 كلغم، أو أكثر، من مادة الديناميت) داخل سترته وليس في حقيبة يد، تفادياً للفت نظر العنصر الأمني، بعدما يكون قد ارتدى ثياباً أنيقة، ثم يجتاز، بهدوء، الحاجز وصولاً إلى الموقف.

من موقف السيارات، يعبر الباب المتصل بالقصر، فيكون قد وصل إلى القاعة الفسيحة في الطابق الثاني، حيث تتوزع على جانبيها قاعات المحاكمة والأقلام العدلية. وبما أن القصر لا يخضع لأي مراقبة، سواء أكان من خلال دوريات أمنية كدوريات أمن المطار، أم من خلال كاميرات مراقبة، فيستطيع المرء أن يبحث عن الوجهة التي يريدها. 

بعد ذلك، يزرع العبوة، التي تكون موصولة إلى ساعة مخصصة وبطارية (إصبع)، ويوجهها وفق الاتجاه المناسب، ربطاً بالهدف: شخصية معينة في الوقت الفلاني، أو بهدف زعزعة الأمن، أو بغرض التخلّص من ملفات الأرشيف التي تُعتبر عرضة للسرقة دوماً، أو غيرها من الأهداف المتعددة.

وطبعاً، تتباين قوّة العبوة والأضرار التي تسببها، وفقاً لمعايير عدة، أبرزها مكان زرعها، والتوقيت، وزنتها (تكلفة عبوة ناسفة قابلة لسفك الدماء، في مكان مكتظ، تبدأ من ألف دولار)، علماً أن مبنى قصر العدل مهدد بالانهيار منذ 15 عاماً، وثمة دراسات تؤكد أن هزة أرضية بقوّة ثلاث درجات كفيلة تدميره. فكيف الحال إذا كان بعبوة ناسفة؟

وفيما يكون زارع العبوة قد غادر القصر، ثم انفجرت العبوة، تكون بيانات الاستنكار الرسمية في صدد الكتابة، للإعلان عن مضمونها بأسرع وقت: استنكر الرئيس الفلاني الانفجار وطالب بالكشف عن الفاعلين، وأعرب الوزير الفلاني عن حزنه وتضامنه مع عائلات الضحايا.. الخ.


بلاغات كاذبة


وفي الأيام الماضية، أثبتت أن الاتصالات الهاتفية، المجهولة المصدر، التي كانت ترد إلى قصر العدل، لم تكن جدّية، وكانت تهدف إلى تأجيل جلسات المحاكمة، لتهرّب سجيناً ما من المثول أمام القضاء، علماً أن عمليات تمرّد السجناء في سجن «رومية»، كان مردّها الأول تسريع المحاكمات.

مع ذلك، كانت القوى الأمنية، ما إن يرد الاتصال المجهول، تطالب بإخلاء فوري للقصر. وبعد عملية الإخلاء، يُصار إلى تفتيش الطبقات الخمس في القصر، بحثاً عن القنبلة. فينتهي المطاف إلى التأكيد أن البلاغ كان كاذباً. وبعد مرور بضعة أسابيع، يعاود المجهول الاتصال.

لكن، وعلى رغم اعتبار التهديدات كاذبة، يُعتبر قصر العدل في بيروت مهدّداً أمنياً، حتى لو كانت تلك التهديدات غير سياسية. وقد أكّد أكثر من مصدر أمني لـ«السفير» أن قصر العدل يندرج في خانة المراكز الأولى المهددة، في حال نشطت العمليات الإرهابية يوماً ما، نظراً إلى وجود قضاة يعملون على ملفات أمنية لمتهمين أصوليين.


أمن السياسيين فقط؟


الذهنية الأمنية في لبنان واضحة: الأمن السياسي قبل أي أمن، حتى لو كانت نتائج وقوع أي كارثة أمنية، غير سياسية، جسيمة ومهولة، وحتى لو كان في استطاعة الأجهزة المعنية تفادي وقوعها، بتكلفة مالية لا تساوي ربع التكلفة التي تتكبدها الدولة لحماية الشخصيات السياسية والأمنية، والقضائية، والدينية، كما لو أنها في حالة حرب دائمة.

يُصنّف لبنان في خانة الدول التي تكاد تحطّم الأرقام القياسية، في ما يتعلّق بما يُسمّى بـ«الواسطة السياسية» لإنقاذ متهمين. وفيما لا يكفي عديد القوى الأمنية لتوزيع دركي واحد فقط على كل مخفر، فإن الجرائم بمختلف أشكالها آخذة بالارتفاع، في ظل أوضاع اقتصاديّة واجتماعيّة قاهرة.

لكن، بين الأمن السياسي والأمن الاجتماعي، ثمة خيطاً رفيعاً يصعب تبرير انقطاعه عندما تقع الواقعة، كما حدث يوم انهيار مبنى الأشرفية أخيراً، إذ كان من الممكن تفادي وقوع الكارثة، في ما لو اهتمت الدولة بتوفير الأمان الاجتماعي، استباقياً.

يكمن هذا الخيط في المراكز التي يتعيّن على الدولة، وفق القانون، أن تقوم بحمايتها، وبالتحديد الأماكن الرسمية التي يقصدها المواطنون يومياً، وتشكّل نقطة أمنية مُستهدفة، سبق وتم تهديدها أو استهدافها، ومهما كانت دوافع الجهة المُهددة وخلفيّاتها، سواء أكانت سياسية أم غير سياسية. 

قصر العدل في بيروت نموذج من بين مراكز حكومية عدة مهددة، لتسليط الضوء على جانب أمني تهمله الدولة، علماً أن الكلفة المالية لتفادي كوارث أمنية مماثلة لا تساوي التكلفة المالية.. لحماية أمن الشخصيات، على سبيل المثال.


Script executed in 0.18555903434753