فبعد إقفال مدارس بسابا، والزعرورية، والبرجين، وفيما تنازع المدارس الأخرى، تعيش غالبية مدارس المنطقة هاجس وشبح الإقفال، نتيجة تردٍّ أوضاعها وتفاقم معاناتها التي تفتك فيها على مختلف الأصعدة والمجالات منذ سنوات، بفعل غياب سياسة تربوية داعمة وحامية للقطاع، الذي يهمل ويترك منسياً والأخطار تتهدده من كل حدب وصوب. ولم يعد خافياً على أحد، أن المدرسة الرسمية تحصد اليوم نتائج السياسات التربوية المتعاقبة، والتي لم تقدم سوى الوعود والتمنيات، بينما يتلاشى دور المدرسة. وتبقى الوعود «راوح مكانك» فيما ترتفع أسهم المدرسة الخاصة على حساب الرسمية، مع الإشارة إلى أن غالبية المدارس الخاصة تعود ملكيتها إلى السياسيين وأصحاب النفوذ.
وقد نخرت التدخلات السياسية عصب المدرسة الرسمية وأفرغتها من مضمونها، وحوّلتها إلى سلعة تتقاذفها، وذلك يبرز من خلال عمليات نقل المدرسين من مدرسة إلى أخرى عشوائياً، من دون أي تنسيق مع إداراتها وفق حاجاتها، إنما تلبية لرغبة المدرس وإرضاء له، ليكون في مدرسة قريته وبالقرب من منزله، ليخفف عنه عناء التنقل، على الرغم من أنه يتقاضى من الوزارة بدل نقل يومي. وهنا يكون قد سجل عليه السياسي خدمة، وهي تبقى ديناً عليه ليردها له في الاستحقاقات الانتخابية.
وانطلاقاً من ذلك الواقع تشكو بعض المدارس من نقص المدرسين، وعلى وجه الخصوص مدرسي المواد الإساسية، كاللغتين العربية والأجنبية والرياضيات والعلوم. وتقوم من خلال ذلك معظم المدارس بتطبيق مناهجها المطلوبة مما توفر لديها من مدرسين، عبر الاستعانة بهم، وإن كانوا ليسوا من أصحاب الاختصاص والخبرة، فنرى مدرسي الأشغال والفنون مثلاً يدرسون المواد الأساسية! وفي المقابل، مدارس تعاني من تخمة وفائض بالمعلمين، حيث يفوق عدد المدرسين فيها عدد التلاميذ. إضافة الى تلك العوامل هناك وضع الأبنية المدرسية في المنطقة، والتي في معظمها أبنية سكنية، وغير مؤهلة لتكون صروحاً تربوياً، مما تنعكس مجمل تلك الأوضاع سلبياً على المدرسة ودورها ومستواها. ويخيم القلق والخوف على أفراد الهيئات التعليمية في تلك المدارس، وهم يعتبرون أنهم لن يكونوا بمنأى عن الكأس المرة للإقفال. ولكن على الرغم من هذا الوضع المأساوي، تبذل المجالس البلدية والجمعيات في المنطقة جهوداً كبيرة ضمن إمكاناتها في سبيل المحافظة على المدارس في بلداتها، ومعظمها تقدم لها مساعدات وتقديمات مالية مع بدء كل عام دراسي، أو القيام بتسديد نفقات تسجيل التلاميذ كل في بلدته. وبالفعل تؤكد هنا الهيئات التعليمية أنه لولا دعم البلديات وبعض الجمعيات وصناديق الأهل، لما تمكنت المدارس من البقاء في ظل ما يواجهها من تحديات واستحقاقات كبيرة تعجز عن مجابهتها.
ويشير مدير «متوسطة كترمايا الرسمية» علي شفيق علاء الدين إلى أن عدد التلاميذ في مدرسته «وصل منذ سنوات إلى 650 تلميذاً، بينما تضمّ اليوم 180 تلميذاً»، معتبراً «أنها تراجعت كغيرها من المدارس الرسمية مع طفرة المدارس الخاصة، بسبب عدم الرقابة عليها، والضغوط والتدخلات السياسية التي تجري مناقلات غير مدروسة للمعلمين». ورأى أن «كل مدرس يرغب في التدريس في المدرسة القريبة من منزله، والعمل على اعطاء ساعات اقل في التعليم»، مؤكداً أن ذلك انعكس «سلبياً على توزيع المعلمين في المدارس الرسمية». ويضيف: «هناك مدارس يوجد فيها تخمة من المعلمين النوعيين، بينما مدارس أخرى فقيرة جداً، ففي مدرستنا يوجد 31 مدرسة ومدرس، منهم 18 مدرساً للروضة والرياضة والفنون، والعدد الآخر من حملة الإجازات، و3 من دار المعلمين. ولدينا نقص كبير في أساتذة النوعية كاللغة الفرنسية والعربية والرياضيات، حيث تدرّس في المرحلة الابتدائية معلمات الروضة، ومدرّسة الروضات تعطي رياضيات في الحلقة الأولى والثانية، وكذلك معلمة أخرى للروضات تعطي علوم الصف الأول والثاني والثالث والرابع والخامس، ومعلمات الموسيقى يدرسن اللغة العربية للمرحلة الابتدائية». ويشير إلى أن «المجلس البلدي وضمن إمكاناته، قام بتقديم سلسلة من المساعدات من قرطاسية ومفروشات، وساهم في تكاليف نصف مبلغ كلفة التدفئة، بالإضافة إلى مساعدة مالية بقيمة 500 ألف ليرة، ومولد كهرباء، وثمانية أجهزة كومبيوتر من «جمعية الوعي والمواساة» في البلدة، وإن نادي كترمايا لا يقصر أبداً تجاه المدرسة رغم إمكاناته المتواضعة، بالإضافة إلى مساعدة قدمتها مؤسسة الإسكان التعاوني، عبر تركيب شبك حديد على الأبواب والنوافذ، وتجهيز قسماً من المختبر». ويلفت إلى وجود «عجز في صندوق المدرسة، وقد استلفنا من صندوق مجلس الأهل ثمانية ملايين وستمئة الف ليرة حتى استطعنا تسديد الفواتير». ويدعو علاء الدين إلى «عدم تدخل السياسيين في شؤون المدرسة الرسمية ورفع يدهم عنها لتعود إلى سابق عهدها»، مشدداً على «أن النقل يتم ارضاء لرغبة المدرس دون التطلع إلى مصلحة المدرسة وحاجتها».
وفي موضوع المبنى الذي أنشئ ليكون مهنية، ونقلت إليه المدرسة منذ سنتين والثانوية العام الماضي، يقول علاء الدين: «المشكلة في موضوع التجهيزات، فالمبنى هو للمهنية والمتوسطة ولا يستوعب ثلاث مدارس، فالمشكلة في إمدادات الكهرباء وضرورة فصل كهرباء المتوسطة عن الثانوية، بالإضافة إلى مشكلة المياه التي نشكو منها، ما يدفعنا الى شراء المياه بالصهاريج يومياً».
وفي مدرسة برجا الرسمية المختلطة التي تقع في أحد أحياء البلدة القديمة المكتظة بالسكان، التي ما زالت لا تصلها طريق السيارة، وهي تقع في مبنى سكني مستأجر لمصلحة وزارة التربية بقيمة 16 مليون ليرة سنوياً، فمعاناتها كبيرة ومتشعبة ومتشابهة مع معاناة المدارس الرسمية الأخرى في المنطقة. ويشير مدير المدرسة الدكتور كمال دمج إلى وجود 20 مدرساً في المدرسة، بينهم متعاقدان، مؤكداً أنها «بحاجة إلى تعاقد مع مدرسين على أساس النوعية لمواد اللغة الفرنسية والعلوم». ويلفت إلى أن «التعاقد يتم على نفقة وزارة التربية»، ويقول: «نحن لا نملك الإمكانات في دفع تكاليف التعاقد لأن صندوق المدرسة فارغ، وعدد التلاميذ ينخفض سنوياً وقد وصل في العام الحالي إلى 84 تلميذاً، وأن الرسوم التي تعطيها الوزارة على التلميذ بقيمة 60 ألف ليرة لا تكفي جزءاً من حاجات المدرسة». وعن مشكلة أساتذة النوعية وعدم توزيعهم على أساس الاختصاص يرى أن «السبب في ذلك يعود لعوامل سياسية». ويقول: «لدينا مستحقات من العام الماضي من وزارة التربية بقيمة مليون وسبعمئة وثمانية وعشرين ألف ليرة، بنسبة 30 في المئة من الرسوم المتوجبة على التلاميذ. وقد استكملت مطلع العام الدراسي الحالي وارسل الينا مبلغ مليونين وسبعمئة وستة عشرة الف ليرة. في العام الماضي استطعنا من خلال تفاعلنا مع مجلس الأهل والبلدية على تأمين مبلغ من المال لنتمكن من سد أدنى حاجاتنا».
ويرى أن «أبرز المشاكل التي تعاني منها المدرسة الرسمية حرمانها من قسم كبير من التلاميذ الذين يجب أن يكونوا فيها، فالدولة تدفع منح التعليم لموظفي القطاع العام بمليارات الليرات ليسجلوا أولادهم في المدرسة الخاصة، ما يسهم بشكل كبير في القضاء على المدرسة الرسمية إلى جانب عدم توزيع الهيئات التعليمية وفق حاجات المدارس». وأشار إلى أن «موقع المبنى في الأحياء السكنية لا يساعد على تأمين الجو الهادئ والمطلوب للتلاميذ نتيجة الصراخ والضجيج وروائح طبخ المنازل التي تفوح دائماً في صفوف المدرسة، فضلاً عن مناشير الغسيل التي تستقبلك على مدخل المدرسة». ويرى أن «حل مشكلة المدارس الرسمية في برجا يكمن في الإسراع بتنفيذ مشروع بناء تجمع المدارس في منطقة «الديماس»، مقابل ثانوية كمال جنبلاط، لكون المدارس الثلاث في برجا غير مجهزة كبناء أو صرح تربوي وهي في أبنية سكنية، وأنه ليس من مهمة مدير المدرسة أن يدور على فلان وفلان ليؤمن الأموال لمدرسته».