أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

هل يملك بري و«حزب الله» حبل حماية التوازنات الداخلية؟

الثلاثاء 07 شباط , 2012 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,359 زائر

هل يملك بري و«حزب الله» حبل حماية التوازنات الداخلية؟

هناك من يبسط الأزمة الحكومية الراهنة، فيحصرها بأسباب ومناكفات وتراكمات سياسية وشخصية، وهناك في المقابل من يضخمها فيدرجها في سياق محاولة هروب من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من استحقاقات كبرى ولا سيما منها الاستحقاق الاقرب المتعلق ببروتوكول المحكمة نهاية الشهر الجاري، فأيهما الأصح، التبسيط ام التضخيم، وتبعا لذلك هل هذه الازمة مؤقتة وقابلة للحل ام إنها معقدة ومستعصية؟

في الظاهر، تبدو الازمة وليدة مزاحمة على تعيينات، و«ناجمة عن قلوب مليانة» كما قال الرئيس نبيه بري، لكن عنصر المفاجأة في ما حصل من توتير سياسي وبلوغه هذا الحد، وعدم تدخل «الوسطاء» بصورة عاجلة، زاد الإبهام والغموض. 

قد يفسر البعض حذر «الإطفائيين السياسيين»، بأنه ناجم عن إرباك خلفته المفاجأة التي احدثها ميقاتي بمسارعته الى تعليق جلسات مجلس الوزراء مقابل ما اعتبره التعطيل الذي يمارس من قبل ميشال عون ووزرائه، وقد يفسر البعض الآخر، هذا الحذر، بأنه مرتبط بنتائج بحث جدي يجريه هؤلاء الاطفائيون حول ابعاد الازمة وأسبابها الحقيقية، أو بأنه تعبير عن القرف من حالة التناكف السياسي المستمر على صغير الامور وكبيرها، فقرروا التريث لبعض الوقت وتأجيل التدخل ريثما يتعب «المتناكفون»، ولعل البعض من هؤلاء «الاطفائيين» باتوا يعتبرون انه قبل نضوج المشهد بالكامل لا يمكن القيام بأية حركة لتشخيص المرض ووصف العلاج المناسب له.

بصرف النظر عن تلك التفسيرات، لن يستطيع بري و«حزب الله» البقاء طويلا على رصيف الانتظار، وها هو رئيس المجلس قد خطا الخطوة الأولى، في لقاء أمس بينه وبين رئيس الحكومة، ذلك أنه والحزب «ملزمان» أكثر من غيرهما، بإيجاد مخرج للازمة الراهنة من دون الحاجة الى تحفيز، فلا رئيس الجمهورية قادر على لعب دور الوسيط على اعتباره طرفا مباشرا في الاشتباك مع عون، والأمر نفسه بالنسبة الى وليد جنبلاط الذي يشكل الضلع الثالث في مثلث الوسطية الذي يضمه مع سليمان وميقاتي. ولعل التحرّك المنتظر من بري و«حزب الله» ينطلق من سلسلة اعتبارات ليس أقلها:

اولا: انهما يعتبران بشكل او بآخر «ام الصبي» بالنسبة الى الصيغة الحكومية الراهنة.

ثانيا: غياب الراعي الاقليمي الصالح لضبط إيقاع الاشتباك الحكومي.

ثالثا: ان الازمة الحكومية إن استمرت بلا علاج - لا تسقط بمرور الزمن، بل على العكس، كلما طال امدها زادت صعوبة وتعقدت أكثر، وقد تضع البلد امام احتمالات سياسية صعبة: إما الفراغ الحكومي مع كل تداعياته السياسية والأمنية، وإما تصريف الاعمال ومعنى ذلك الشلل التام للدولة، وإما العودة الى الحكومة الحريرية.

رابعا: ان بري الذي يقول ان الازمة مفتعلة وجرى تضخيمها، يدرك ان هذا الافتعال يلقي عليه مسؤولية مضاعفة، اذ قد يخفي في طياته كمينا كبيرا للواقع السياسي بشكل عام، ولأنه عند تشكيل الحكومة قبل نحو سبعة اشهر ادرك آنذاك ان اللحظة الحكومية ميقاتية بامتياز، وابتدع ذاك المخرج لأزمة التأليف التي كانت متفاقمة آنذاك، وسرّع في توليدها على حساب حصته الوزارية، ومع إقلاعها، لطالما عمل على شد أزر الحكومة بما يبقيها حكومة متماسكة سياسيا خاصة في ظل المشهد الاقليمي المتداعي، كما سعى الى تزييت عجلاتها لكي تكون حكومة منتجة عمليا، وها هو بري يجد نفسه في الأزمة الحالية، امام موقف مماثل انما بفارق ان اللحظة الحكومية الحالية مصيرية بامتياز، وتفرض عليه ان يلعب مجددا دور كاسحة الألغام لأن قراءة المشهد مع استمرار الازمة تخلص الى تداعيات كبرى على الاكثرية الحالية. 

خامسا: مما لا شك فيه ان «حزب الله» هو اكثر المعنيين بهذه الحكومة، على اعتبار أنها قامت على ركام حكومة حريرية كانت للحزب اليد الطولى في إسقاطها، وفي قلب الصورة السياسية جذريا من خلال تشكيل الأكثرية الحالية التي انتجت الحكومة الميقاتية. وبالتالي الإثبات ان الحريرية ليست انبوب الحياة للبلد كما تم تصويرها، بل يمكن ان تتشكل في لبنان اكثريات جديدة وحكومات جديدة وتحقق انجازات من دون ان تكون الحريرية شريكة في السلطة ومن دون ان يكون لها اثر في السلطة. وهذا ما رتب على «حزب الله» ان يلعب دورا متقاطعا ومتكافلا مع بري للحفاظ على التوازنات السياسية ضمن التركيبة الحكومية وإطفاء الخلافات التي تنشأ سريعا. وبالتالي فإن «حزب الله» لم يستقل من هذا الدور، وإن كان مع الازمة الحالية قد شكل ما يشبه خلية ازمة لتحليل أبعاد «الازمة المفتعلة»، حتى اذا ما تبيّن له ان هذا الافتعال بريء، تراه شمر عن ساعديه وسعى لالقاء حبل نجاة لحكومة يشكل فشلها وسقوطها نكسة له ولكل قوى الاكثرية بلا استثناء، ولذلك فإن مصلحة الحزب تكمن في بقاء الحكومة الميقاتية وأن يجنبها سقوطا يمكن أن يستفيد منه المتربصون بها.

سادسا: يدرك بري و«حزب الله» أن الحكومة ضرورة للبلد في هذه المرحلة لأن الكل في حاجة الى هذه الحكومة تبعا لمصلحته الخاصة بدءًا من ميشال سليمان وما تشكله له كمساحة حضور، ونجيب ميقاتي وما تشكله من فرصة لتقدم الميقاتية على الحريرية، ووليد جنبلاط وحصة الأسد فيها وهي فرصة تحصل للمرة الاولى وقد لا تتكرر لاحقا ناهيك عن كل الآخرين.

يبقى السؤال أخيرا: بما انه لا وجود لبديل جاهز لوراثة الحكومة في المرحلة الراهنة، فعلى أية شاكلة سيأتي المخرج، وهل ثمة أثمان سياسية ستترتب على اطرافها، وهل ما زال ممكنا أن تكون حكومة منتجة وفعالة، ام ان اقصى ما يمكن انتاجه هو عملية ترقيع وتسكين للواقع الحكومي الحالي الذي سيبقى معرضا للاهتزاز عند اصغر امتحان تواجهه هذه الحكومة؟


Script executed in 0.19217801094055