أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

سلامة الأبنية في لبنان: تداخل صلاحيات بين المهندس والبلدية والقانون

الأربعاء 08 شباط , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 7,127 زائر

سلامة الأبنية في لبنان: تداخل صلاحيات بين المهندس والبلدية والقانون

وفي ظل الطفرة، يتراجع الالتزام بمعايير السلامة العامة، لمصلحة الأرباح المالية. ومثلما أدى انهيار مبنى فسوح القديم إلى التسريع في إعداد المراسيم التطبيقية المعدلة لقانون البناء، فإن تنفيذ تلك المراسيم يحتاج إلى إرادات سياسية وهندسية لمراقبة المباني الحديثة. 

الكشف كل عشر سنوات 

يوضح رئيس المجلس الأعلى للتنظيم المدني إلياس الطويل أن الهزات السياسية التي مر بها لبنان منعت تطبيق المراسيم الأولى الصادرة في العام 2005، ومنذ نحو شهرين تم تأليف لجنة برئاسة نائب رئيس الحكومة سمير مقبل لإعادة صوغ تلك المراسيم، وهي تنتظر صدورها في «الجريدة الرسمية» هذا الأسبوع لتعميمها على الوزارات المعنية ووسائل الإعلام، ومن ثم البدء بتنفيذها. 

تعتبر المراسيم تكملة للثغر الموجودة في قانون البناء، وأبرزها اعتماد مكاتب التدقيق الفني. هنا، يوضح الطويل أن التنظيم المدني فتح الباب في أوائل العام الماضي لمكاتب التدقيق الفني لتقديم طلباتها، وتقسم المكاتب إلى أربع فئات: الأولى تشمل مكاتب ذات مواصفات عالمية ومتخصصة، وفق المرسوم، بسلامة محطات توليد الطاقة وضخ المياه وخزانات المياه وأبنية الإطفاء والدفاع المدني ومراكز الرعاية الصحية والمستشفيات والمدارس والجامعات التي تتعدى سعتها سبعمئة طالب. بالإضافة إلى الأبنية والمنشآت الكبرى، مثل الأبراج والمراكز التجارية. ومن غير الضروري أن تكون المكاتب أجنبية بل لبنانية، ولكن لديها مواصفات عالمية. 

أما الفئات الثانية والثالثة والرابعة فهي متخصصة بمبان ذات مساحات أقل، والمباني السكنية، وسوف يتم التعامل معها في مراحل لاحقة. 

وقد اتخذ التنظيم المدني، في شأن الأبنية السكنية، قراراً بإلزام المالك اعتماد مهندس للكشف على المبنى كل عشر سنوات. والمالك هنا يعني مالك المبنى أو ملاك الشقق، فإذا كان المبنى ملكاً لأصحاب الشقق، يترتب عليهم الكشف من خلال لجنة المبنى، وإذا كان نصف المبنى مستأجراً ونصفه ملكاً، يتم حل المشكلة بين الملاك والمستأجرين. 

ويقول الطويل إن المجلس البلدي في كل مدينة وبلدة، يملك الحق في هدم المبنى، إذا كان يهدد السلامة العامة، بينما يتم التداول حالياً في اختيار جهة معيّنة لم تُحدد بعد من أجل التزام ترميم المباني المتضررة، على أن تكون تكلفة البناء بمثابة دين ممتاز يقع على عاتق المالك. 

أما بالنسبة إلى تسوية مخالفات البناء، فيقول الطويل إنها شملت الأبنية ما قبل عام 1994، وبعد ذلك التاريخ لا تسويات. وكانت شهادة المهندس هي الدليل على وجود مخاطر في المخالفة أو عدمها، وفي حال كانت الشهادة مزورة، فإن «نقابة المهندسين» مسؤولة عن المحاسبة والإحالة إلى القضاء. 

لا شروط لنوعية مواد البناء 

يرى نقيب المهندسين في بيروت إيلي بصيبص أن الثغر الأساسية في قانون البناء الجديد هي عدم تضمينه شروط متانة البناء، وخصوصاً نوعية مواد البناء. ويقول إن «مؤسسة المقاييس والمواصفات»، تُعنى بإصدار مواصفات المواد المنتجة للبناء، ولكن ما ينقص أيضاً هو الزامية التطبيق، إذ يترتب مثلاً أخذ عينات من كل شحنة حديد تدخل لبنان عبر المرفأ، ويُفترض أن تكون الترابة ذات مواصفات معيّنة، بينما هناك كارثة في نوعية الرمل والبحص، إذ إن ثلاثة أرباع كميات الرمل والبحص التي تستخدم في البناء غير صالحة عملياً، وتكمن خطورتها في عدم قدرتها على تشكيل حاجز يمنع الحديد من التفاعل بسرعة مع الرطوبة الخارجية، ومن ثم الصدأ. لذلك، يبدأ الحديد بالصدأ بعد مرور سنتين أو ثلاث من البناء. 

وقد تبين أنه لا إمكان لتطبيق البند الخاص ببوليصة التأمين على البناء خلال عشر سنين، لأن شركات التأمين لم توافق على ذلك، لا سيما تجاه مخاطر الزلازل، بل وافقت على تجديد التأمين سنة بعد سنة. لذلك، جرى إلغاء هذه المادة، وقرر مجلس الوزراء من خلال المراسيم المعدلة الفصل بين التأمين وإلزامية تطبيق الشروط الفنية. 

ويعتبر بصيبص أن الشروط الفنية، تشكل تطوراً في مجال مراقبة سلامة البناء، ولكنها غير كافية لحل المشكلة، فهناك ضرورة الحفاظ على الطاقة في قلب المباني والعزل الحراري والصوتي، ومواصفات التمديدات الكهربائية، كي لا يجرّب كل شخص يعرف قليلاً في التمديدات الكهربائية، نصيبه. 

يضيف أن عدم وجود سلطات متخصصة في مراقبة قانون البناء، أدى إلى قرار اعتماد المكاتب الفنية، مشيراً إلى أنه في الولايات المتحدة وبريطانيا، تقوم البلديات بذاك الدور، وفي الدول اللاتينية مثل فرنسا تُعتمد مكاتب التدقيق الفني. 

ومن الثغر أيضاً في قانون البناء، حصول المالك على رخصة الإسكان بصورة أبدية. وتنظر النقابة حالياً في إمكان تحديد مدة الرخصة، وشروط تجديدها. وهناك اتجاه لاعتماد قانون نقابي يمنع المهندس أن يكون مصمماً ومتعهداً في الوقت نفسه. 

ويدعو، في ما يخص الأبنية القديمة، إلى إعداد خطة وطنية من أجل إيجاد حل لها، إما عبر قروض الإسكان وإما عبر إيجاد طرف ثالث ممول، لم يتضح الحل بعد. 

استنثاء المهجرين 

ومناطق السكن العشوائي 

يعتبر المهجرون وسكان مناطق السكن العشوائي استنثاء في قانون البناء، فقد صدر قانون خاص بالمهجرين، بعد انتهاء الحرب الأهلية، سمح بموجبه لكل مهجر بإعادة بناء مسكنه، وفقاً لما كان عليه قبل التهديم، من دون أي إضافات أو تعديلات، ما لم تكن تلك التعديلات متوافقة وأحكام القوانين والأنظمة التي ترعى شؤون البناء، على أن يقترن طلب البناء بإفادة رئيس البلدية أو المحافظ أو القائمقام في المناطق التي ليس فيها بلديات، تتناول واقع البناء قبل الهدم بأحد المستندات الثبوتية، مثل صورة جوية أو إفادة مالية أو رخصة بناء أو إسكان. وقد سرى ذلك الاستثناء على جميع المباني التي هدمت أيضاً خلال الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وآخرها عدوان تموز 2006. ويستفيد منه المعابد والمحال التجارية في الأبنية السكنية، مع مراعاة الشروط الخاصة في المنطقة، في حال اشتمال المحال التجارية على مؤسسات مصنفة. 

وتمارس الحكومات المتعاقبة تجاه السكن العشوائي، حالة إنكار لا نظير لها، فلا إحصاء، لها، ولا شمول بأي قانون، ولا قرارات بتنفيذ المشاريع الخاصة بها، كأنها متروكة للقدر، مع العلم أنها مناطق تزداد اتساعا، وتشكل أكبر خطر عمراني، لا يضاهيه أي خطر آخر حتى في الأبنية القديمة، إذ يقول احد المهندسين في هذا المجال إن خطرا يكفي لتهديمها: لا يمكن سقف منزل من دون ترك قالب الخشب خمسة عشر يوماً، لكي يجف، وفي تلك المنازل، يفك القالب بعد أيام معدودة وأحيانا بعد يومين، لكي يتم بناء سقف آخر فيه. 

وعلى الرغم من إصدار وزير الداخلية تعميما إلى البلديات بضرورة إحصاء المباني القديمة، فإن دور البلديات في قانون البلديات يبدو غامضا، واستنادا إلى القانون، فإن رئيس البلدية هو الذي يعطي رخص البناء والسكن وإفادات إنجاز البناء لادخال الماء والكهرباء والهاتف، بعد موافقة الدوائر الفنية المختصة. كما يصدر قرارات تتعلق بتطبيق أحكام القوانين المتعلقة بتسوية مخالفات البناء، ويستطيع المجلس البلدي إصدار قرارا بهدم مبنى يشكل خطرا على السلامة العامة. هنا، يسأل بصيبص كيف يمكن التوفيق بين عدم مسؤولية المجلس البلدي عن سلامة البناء، وبين صلاحياته بإعطاء رخص البناء والسكن وإدخال المياه والكهرباء والهاتف؟ وكيف يمكن الفصل بين هذه المهمة وبين مهمة مكاتب التدقيق الفني تجاه المباني السكنية؟ 

المالك مسؤول عن بنائه 

استنادا إلى قانون البناء، يترتب على صاحب الملك الحصول على رخصة بناء موقعة من المهندس المسؤول، والتقيد بالتخطيط والأنظمة النافذة، ولا سيما في ما يتعلق بالتنظيم المدني والصحة والسلامة العامة. وفي حال إجراء تعديل على البناء المرخص يتوجب تقديم خرائط تبين وضع البناء بعد التنفيذ موقعة من المهندس المسؤول، وفي حال وجود زيادة في المساحة المرخص بها أو تعديل أساسي في تصميم البناء تسجل الخرائط التعديلية، لدى إحدى نقابتي المهندسين في بيروت وطرابلس، فهل يحصل ذلك فعلا؟. 

على المالك السهر دائما على صيانة أملاكه المبنية، وتأمين الاتزان والمتانة اللازمين لها، حفاظا على سلامة الشاغلين والجوار، وإذا ظهر للمهندس أن البناء أو أقسامه بدت فيه إشارات الوهن، عليه أن يبين سبب الوهن ونتائجه المحتملة وأن يقترح الأشغال الواجب القيام بها مع بيان درجة العجلة فيها. 

أما مهمة مكاتب التدقيق الفني، وفق مرسوم السلامة العامة، فهي معاينة ومراجعة وفحص تصميم وتنفيذ المنشآت والمواد وعناصر التجهيزات المنفذة في إطار عملية البناء، بهدف المساهمة في الوقاية من المخاطر. 

والمقاييس المعتمدة في البناء هي المقاييس والمواصفات الوطنية الإلزامية، وفي حال عدم وجودها تكون المقاييس والمواصفات المعتمدة في دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، فيما تشمل متطلبات السلامة العامة التدابير والإجراءات الواجب توافرها لضمان متانة البناء وسلامة شاغليه ومستخدميه. بالإضافة إلى اعتماد مقاييس خاصة بمقاومة الزلازل في مناطق الخطر الزلزالي المعتدل، وسبر غور التربة لدى إعداد الدراسات الانشائية، وتطبيق أحكام السلامة العامة على تجهيزات المصاعد. 

ويؤكد المرسوم أن المالك هو المسؤول عن تطبيق معايير السلامة العامة، لا سيما لجهة متانة البناء والصيانة الدورية له. وفي حال إضافة بناء على بناء قائم، أو إجراء تعديل في وجهة استعمال البناء يعتبر كل من المالك أو جمعية المالكين والمهندس المسؤول والمقاول والمصنع مسؤولين كل في ما يخصه عن تطبيق متطلبات السلامة العامة، خصوصاً لجهة تحمّله التعديل أو الإضافة المطلوبة، ومراعاته شروط وجهة الاستعمال الجديدة. 

ويكون التدقيق الفني الزامياً مع موافقة المكتب على المستندات الآتية: خرائط التصميم المرفقة بطلب الترخيص للبناء، الخرائط التنفيذية والتعديلات عليها، طلب الترخيص بالإشغال مرفقاً بالتقرير النهائي للمدقق الفني ومحضر الاستلام بين المهندس المسؤول وبين المقاول مع موافقة مالك العقار.


Script executed in 0.21898198127747