أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

جميل السيّد: لبنان كطائرة خطفها طاقمها

الخميس 09 شباط , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,816 زائر

جميل السيّد: لبنان كطائرة خطفها طاقمها

 بهذه العبارة، يلخص الضابط المتقاعد المثير للجدل تجربته في عالم الأمن. في ندوة عقدت أول من أمس في مركز عصام فارس بعنوان «إصلاح القطاع الأمني وتطويره»، رأى السيد أن صلاحيات الأمن في لبنان مثل «خرم الإبرة، الحمار بفوّت فيها خيط، والشاطر بطلّع منها جمل». يقسم الرجل الفترات التي مرت بها المؤسسات الأمنية إلى ثلاث: الأولى منذ الاستقلال، وصولاً إلى الحرب الأهلية، حيث احتكر رئيس الجمهورية الأجهزة الأمنية والقضائية. الثانية فترة الحرب الأهلية، وصولاً إلى الطائف، وشهدت سيطرة الميليشيات على القطاع الأمني. أما المرحلة الثالثة، فمنذ اتفاق الطائف، حتى الخروج السوري من لبنان، وهي التي شهدت سيطرة كل من الجيش ورئاسة الجمهورية على الأمن والقضاء، بالإضافة إلى منع سوريا السياسيين في تلك الفترة من التدخل في المواضيع الأمنية، وخصوصاً في التعيينات. لكن الخروج السوري عام 2005 غيّر هذه المعادلة، وعاش اللبنانيون فترة انقضاض السياسيين على الأجهزة الأمنية والقضائية ليأخذوا حصصهم منها.
السيد عايش المراحل الثلاث. في أواخر الأولى كان ضابطاً في استخبارات الجيش، وفي الثانية وجزء من الثالثة مديراً عاماً للأمن العام، ما جعله عارفاً بأسرار الدولة وبتفاصيل عمل أجهزتها الأمنية. المشكلة الرئيسية التي تعانيها الأجهزة حالياً، بحسب السيد، هي التدخل السياسي في عملها، «وأكبر دليل على ذلك هو التباينات التي جرت في موضوع تنظيم القاعدة في لبنان». هذه التباينات لم يكن من المفترض حصولها بوجود مجلس الأمن المركزي «الذي يجتمع فقط عند حصول تطورات أمنية كبيرة»، برئاسة وزير الداخلية وحضور رؤساء الأجهزة. لكن بعد أن تهدأ الأوضاع الأمنية، يمكن أن تمر «ثلاثة أشهر بدون أي تنسيق أو اجتماع يذكر» يقول السيد منتقداً؛ إذ إن غياب التنسيق الأمني يسعّر «حرب الأجهزة».
السيّد فصّل عمل الأجهزة ودور كل واحدة منها: مخابرات الجيش عملها أمن عسكري ومكافحة التجسس. الأمن العام جمع معلومات سياسية، اقتصادية، واجتماعية لمصلحة الحكومة، و«العرف جعل مدير الأمن العام مستشاراً وسيطاً ورسولاً لرئيس الجمهورية». أما قوى الأمن الداخلي، فمهمتها المحافظة على أمن اللبنانيين. لكن هذه المديرية أصبحت لديها «مديرية مخابرات أكثر تعقيداً وموازنة من جميع أذرع المخابرات مجتمعة»، وهو فرع المعلومات. المهمة الأساسية لهذا الفرع كانت تلقي المعلومات من المواطنين في حال مخالفة أي عنصر من قوى الأمن الداخلي للقانون، أي جهاز يتلقى المعلومات لا يجمعها، وهو بوليس لمراقبة البوليس. يستفيض في شرح مهمات الفرع وتطوره من تاريخ إنشائه عام 1993. فهذا الفرع كان عديده 3 ضباط و10 عناصر، أما اليوم، فأصبح عديده 3 آلاف عنصر. كذلك، لم تكن لهذا الفرع مخصصات سرية. أما حالياً، فإن «نفقاته السرية هي مليار و62 مليون ليرة، فيما الجيش مليار ليرة، والأمن العام 90 مليوناً، وأمن الدولة 30 مليوناً». الأرقام صدمت الحضور، وخصوصاً عندما تعلم بأن الجهاز الذي من المفترض أن يكون الأهم ومهمته «جمع معلومات عن أمن الدولة الخارجي»، هو أكثر المؤسسات الأمنية يتماً، أي جهاز أمن الدولة. يعلّق السيد ساخراً «إذا رأيتم عسكرياً في سوبر ماركت حاملاً أكياساً لسيدة، فاعلموا أنه من أمن الدولة». يقول اللواء إن «الفرع فتح على السفارات وأصبحت تجهيزاته العينية منها، مثل أجهزة تحليل داتا الاتصالات التي يملك 20 منها، بينما تملك استخبارات الجيش جهازاً واحداً». بالطبع هاجم السيد فرع المعلومات «المتورط في مؤامرة شهود الزور»، وحتى لو كشف هذا الفرع خلايا العملاء، «فإنه لا يزال متورطاً في تلك المؤامرة». ويضيف: «بما أنه كان يعرف بوجود هذه الخلايا من قبل، فلماذا تركها في الدرج طوال الفترة التي سبقت خروجنا» من السجن.
أما في ما يتعلق بملف التعيينات الإدارية الأكثر سخونة حالياً، الذي بسببه توقف عمل الحكومة، فرأى السيد أن الطبقة السياسية تتعاطى مع الملف على أن من «يتحكم بالتعيينات القضائية والعسكرية والأمنية والإدارية والمالية وغيرها يصبح ملكاً». وبرأيه، إن أكثر الحروب «ضراوة بين زعماء الطوائف والمذاهب هي حرب التعيينات الأمنية والقضائية». أما الحل، فهو جعل «مركز المدعي العام التمييزي ومنصب رئيس المجلس الأعلى للقضاء مداورة بين كل الطوائف، لا من الطوائف الرئيسية فقط، شرط أن يُختار المرشحون لهذه المناصب من بين القضاة الثلاثة الأقدم رتبة في السلك لكل منصب». واقترح أيضاً جعل «رئاسة مؤسسات القطاع الأمني باستثناء قيادة الجيش، مداورة بين الطوائف كلها، لا بين الطوائف الرئيسية فقط، حتى لا تعود مؤسسة حكراً على طائفة. وينبغي تعيين مساعد لمدير الجهاز من غير طائفته». في ختام اللقاء، شبّه السيد لبنان بطائرة مختطفة، «لكن الخاطفين في هذه الحالة هم القبطان ومساعدوه والمضيفون».


Script executed in 0.1882381439209