14 شباط 2012: «لولا شباط ما في آذار، لولا آذار ما في ربيع». وبعد الربيع صيف ومن بعده خريف فشتاء. إنها دورة الطبيعة التي يتعلّمها أطفال الروضات. تريد قوى 14 آذار، وتيار المستقبل تحديداً، التمايز في ذكرى 14 شباط هذا العام، فوقع الخيار على هذا الشعار. في الشكل، ليس ما يميّز التيار، فاللعب لا يزال مستمراً كالأعوام السابقة على شباط وآذار. وفي المضمون، يريد المعارضون القول إنّ كل ربيع عربي بدأ هنا، في السان جورج ثم في ساحة الشهداء وانطلق غرباً إلى بلاد الـ«بوعزيزي»، وعاد شرقاً باتجاه أطفال درعا ودوّار اللؤلؤة وساحة الحرية في صنعاء. أم أنّ الربيع موجود فقط في لبنان، وتحديداً في ساحة الشهداء؟
ادّعاء يسارع شباب في 14 آذار إلى الوقوف عنده. يستنكرون الشعار ومدى وقاحته. يقولون: «عام 2005 لم تمتدّ يد عنصر أمن علينا، أما الشباب العرب فيواجهون أجهزة أمنية وجيوشاً بحالها». يمكن البعض التشكيك بموقف هؤلاء الشباب باعتبارهم «متشائمين» أو على الأقل «غير متفائلين». إلا أنّ الوقائع تفضح عاجلاً أو آجلاً قيادات 14 آذار، العليا منها.
فمن يتابع التحضيرات القائمة لإحياء ذكرى الشهيد رفيق الحريري، يدرك أنّ قيادة المعارضة غير صادقة في مواقفها، وتحديداً في ما يخص الوضع في سوريا. فمنذ أسابيع يجهد عدد من مسؤولي «ثورة الأرز» أنفسهم لإقناع من حولهم بضرورة إعطاء «حيّز مناسب للثورة السورية» في مهرجان البيال. اقتنع القيّمون بهذا الأمر، وبدأ التواصل مع أعضاء في «المجلس الوطني السوري». محصّلة الرسائل كانت إيجابية، إذ وافق المجلس على حضور ذكرى الحريري، وخصوصاً أنّ التنسيق بلغ حدّ التأكيد لـ«ثوار» سوريا أنه سيتم حجز كلمة لهم في المهرجان. لوهلة، بدت العلاقة آذارية بين «ثورة الأرز» والمجلس الوطني السوري، وتبشّر بربيع واعد.
بعد ساعات على هذه الأجواء الإيجابية، تبدّل الوضع. عاد مسؤولو 14 آذار وطلبوا من زملاء لهم في «المجلس الوطني السوري» عدم إرسال أي شخصية لتمثيله والاكتفاء بصياغة رسالة يتلوها باسمه أحد قياديي «انتفاضة الاستقلال». بدا كأنّ أصحاب البيال تخلّوا عن المجلس، فعادت العلاقة أسابيع إلى الوراء، باتت شباطية «مغمّة على القلب».
قدّم المفاوضون في 14 آذار الكثير من الأسباب لما قاموا به. الأكثر جدية فيها «عدم قدرتنا على حماية أي ممثل لكم لدى حضوره إلى بيروت». لكن هذه الحجة لم تقنع أعضاء المجلس، وخصوصاً أنّ كثيرين منهم يتجوّلون في كل المدن، العربية والغربية، وإطلالاتهم الإعلامية مكثّفة. هويتهم معروفة وكذلك مقار إقامتهم. ماذا إذاً؟
ما يدور في مجالس 14 آذار يشير إلى أنه ليس من قدرة لدى فريق المعارضة على تأمين الغطاء السياسي اللازم للمشاركة المباشرة للمجلس الوطني السوري في مهرجان 14 شباط. بما معناه أنّ هذا الفريق يعجز عن تأمين الدعم اللازم لإعطاء المجلس الشرعية اللازمة، وهو ما بادر إلى السؤال عنه أعضاء في المجلس. فتوجّه هؤلاء إلى مسؤولين في 14 آذار سائلين عن مدى دعمهم لهم وللانتفاضة في سوريا، وسألوا حرفياً: «هل انتم خائفون من الاعتراف بنا علناً؟ وقلقون من تأمين غطاء شرعي للمجلس»؟
باتت العلاقة أبعد من شباط، أصبحت كانونية.
استمرّ التواصل بين الطرفين، وأصرّ المجلس الوطني السوري على أن تكون مشاركته واضحة، بلا صلات وصل. فاقترح على المعنيين في قوى 14 آذار بأن يتم تسجيل كلمة وتبث على الحاضرين في البيال، بالصوت والصورة، أي تماماً كما سيحصل مع الرئيس سعد الحريري، ولو أنه لا يزال غير محسوم ما إذا كانت كلمة الأخير ستنقل على الهواء مباشرة، أو أنها ستكون مسجلة. وأكد مطلعون على أجواء العلاقة أنه طُلب من الرئيس سعد الحريري التواصل بصورة مباشرة مع رئيس «المجلس الوطني السوري»، برهان غليون لإقناعه بوجهة نظر 14 آذار، القاضية بتلاوة كلمة نيابة عن المجلس، وهو ما حصل.
حصل هذا الاتصال مساء أمس، ووافق غليون على اقتراح 14 آذار: ستكون هناك كلمة للمجلس الوطني يتلوها أحد «مناضلي» ثورة الأرز، في ظل رفض المعنيين تأكيد هذا الأمر وإبقائهم الأبواب مفتوحة على الاحتمالات الثلاثة. إذا صحّت أجواء اتصال الحريري بغليون، يكون قد فُرض ربيع زائف على العلاقة بين الطرفين، وجرى «قمع» رأي المجلس لتطبيق قرارات «منزلة» من قيادة 14 آذار. وسياسياً: هو نصف اعتراف بالمجلس.
الخلاصة: منذ 2005، تحافظ 14 آذار على نمطها الاعتيادي في تلقّف الأحداث والتعاطي مع المجريات: الخوف من القيام بالفعل والقلق من تداعياته (إخراج الرئيس إميل لحود من قصر بعبدا عام 2005، انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً عام 2007)، إطلاق الشعارات الطنانة والتراجع عن تنفيذها («لأ للسلاح» وإسقاط الحكومة 2011)، وهم الجمهور بمصارحته (العودة إلى الجذور).
غير ذلك، لا جديد. يتحفّظ منظمو مهرجان البيال على الأسماء التي ستلقي الكلمات، ولو أن كلاً من رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، ورئيس حزب الكتائب، أمين الجميّل، ورئيس كتلة المستقبل، فؤاد السنيورة، سيلقي كلمة في المناسبة. وبحسب المطلعين، «لا يزال البحث جارياً على اسم من الطائفة الشيعية» خلفاً للوزير السابق محمد عبد الحميد بيضون. إلا أنّ هذا الأمر لا يزال غير محسوم بحسب أحد المسؤولين عن تنظيم الاحتفال في تيار المستقبل. فالمنظمون يريدون مهرجاناً سريعاً لساعتين من الوقت، بين الرابعة والسادسة من مساء غد. مهرجان يحضره 4000 شخص يضعون ربطات عنق، يصفّقون عند الحاجة إليهم ولا يطلقون شعارات لا ترغب القيادة في سماعها أو التذكير بها.