على الغلاف | عندما أحب دانيال خطيبته، أيام الدراسة الجامعية، كانت أحلامهما بسيطة: «بيت صغير يحضن قلبيهما». بعد التخرج، تغيّرت بوصلة الأحلام، باتت هي تنتظر اللحظة التي يدخل فيها بيت أهلها ليطلب يدها، وهو ينتظر اللحظة التي يعثر فيها على عمل. مرّت سنوات غير قليلة قبل أن يكون للشاب ما يريد. يقول: «عانيت من البطالة سنوات وسنوات ولم أكن أتخيّل كم ستكون هذه الفترة بشعة لو لم يكن هناك حب في حياتي». هنا، لا يغفل دانيال الحديث عن لحظات يأس كثيرة كانت تدفعه ليصارحها بالانفصال «قلت لها مراراً فليختر كل منا طريقه». يعترف الحبيب بأنّ «إيمان حبيبتي بقدراتي وثقتها بأنني سأنال فرصتي يوماً هو ما كان يعيد إليّ الأمل».
يدرك دانيال بأنّ نضوج العلاقة لا يعني أنّها لا تحتاج إلى نفض ما سماه غبار الروتين «كنت أعلم بأنّها تفرح حين أفاجئها بكادو، ما يكون غالي كتير، بعيد ميلادها أو على الفالنتاين، لكن هيدا الشي ما كنت إقدر أعملو دايماً». يصفن حين يتذكر أياماً قاسية «مرّت أيام لم نكن نتواصل فيها إلاّ على التلفون وأيام أخرى كنا نقنع أنفسنا بأننا مجرد أصدقاء وفي أيام قليلة لم أكن معها بكل أحاسيسي».
يروي الشاب كيف أنّ فتاته لم تكن تصدق بأنّ «الضغوط اليومية يمكن أن تؤثر على مشاعري وما بكون إلي جلد احكيها». يتذكر كيف كانت «تزعل وتذكرني بحاجاتها العاطفية قبل أن أستدرك وأعوض عليها قدر الإمكان. كانت تشعر بأنني بعيد. لم تكن تجرحني أو تزيد الأعباء عليّ وأنا بغبائي لم أكن أنتبه للموضوع بسرعة».
لا يعرف دانيال لماذا لم يكن يجرؤ على القول «في حدا بحياتي» قبل أن يعثر على عمل. يستدرك: «قد يكون السبب أنني لم أكن أشعر بأنني قد الحملة». وعلى الرغم من الراتب المتواضع جداً، دخل الشاب منزل الصبية وطلب يدها ولم يكن لديه سوى أمل بأن يكمل معها المشوار «وبقدر ما كانت تحفزني قدرنا نعمل بيت ملك لنا وحاسين إنو أحلى بيت بالدنيا».
لا يخفي الشاب، الذي يعيش مرحلة تأسيس عائلة، شعوره بالإحباط كلما فكّر بحجم راتبه مقارنة مع التزاماته.
وإذا كان دانيال يريد أن تبقى حبيبته الضمانة الوحيدة عندما لا يعود هناك شيء مضمون في الحياة، يفضل أن يبقى واقعياً ويعترف بأنّ الراتب الكبير يمنح شعوراً بالأمان «لأنّ الحياة بعد الارتباط لا تصبح ملكاً لك وحدك بل عليك أن تتشاركها مع شخص ومن ثم مع عدة أشخاص ومطلوب أن توفر لهم حياة عزيزة».
هو نفسه الارتباط، القنبلة الموقوتة التي نبهت ليلى وزوجها إلى مسؤولية الحب. لم تكن المرأة تشعر بكل هذه المترتبات في فترة المصاحبة. كان الحبيبان يدركان أنّه ليس بمقدورهما شراء منزل، لكن مجرد استئجاره وإعداده ليكون عشاً زوجياً لم يكن أمراً بهذه السهولة.
لا تخفي الحبيبة حجم «التعصيب» الذي يمكن أن يواجه العلاقة في هذه اللحظات، «وقد يراودك إحساس أنك لو ارتبطت بشخص مرتاح مادياً ربما ستشعر بأمان أكثر». تقول ليلى:«إيه المصاري بتريّح وما بتخلي الشخص يحمل هم، بس يمكن ما نقدر نعيش مع حدا بس لأنو معو مصاري، وخصوصاً أنّه شخص يشاركك السرير وعليك أن تتحمله في كل تفاصيل حياتكما المشتركة». تتمسك بما تقول لها الاختصاصية النفسية «العلاقات الأكثر نجاحاً هي تلك التي تجمع بين حبيبين من مستويات متواضعة والتفكير بإيجابية يجلب الأمور الإيجابية والعكس صحيح». ما يزعج ليلى أن ينقلب توترها في لاوعيها على الشريك، فتحمّله مسؤولية أمور هو ليس مسؤولاً عنها في الواقع، لكن ما يطمئنها هو أنّه نادراً ما يصيب التوتر الحبيبين معاً «ودائماً في شخص بيقوّي الثاني».
لا تنفك ليلى البحث عن بدائل غير مكلفة وتبعد في الوقت نفسه الملل عن العلاقة منها مشاركة زوجها مناقشة الكتب التي يقرآنها ومشاهدة الأفلام في البيت وزيارة الأصحاب في منازلهم. تضحك: «ما فيك تجنّ بالمصروف كل يوم بركي مرة بالسنة»، في إشارة إلى أنّ «مثل هذا الجنون ضروري لتجديد الحب».
لا تنتظر المرأة فانوساً سحرياً يقلب حياتها «بس بدي اشتري بيت مكنكن، وما ضلني حاملي هم وعم بحسب المصاريف».
في السياق، يؤكد أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية د. طلال عتريسي أنّ «الفقر مذموم في كل الشرائع ولا يمكن، بالمنظور الاجتماعي التحليلي، أن تتجاهله العلاقة العاطفية الانفعالية بين الزوجين، أو العلاقة الحقيقية، كما يسميها، باعتبار أن ما قبل الزواج يكون افتراضياً ولا يختبر التحديات الحياتية الأساسية». لكن عتريسي يراهن على رؤية الشريكين للحياة نفسها وكيف يقرران العيش. ويرى أنّ العواطف عامل متحرك ومتقلب ويمكن الشخص في أي لحظة أن يختزن مشاعر سلبية تجاه الآخر حتى لو كان حبيبه، لذا هناك استحالة لضبط الأمور إلى حدود قصوى «فالتوتر الناتج من ضيق ذات اليد سينسحب حتماً إلى العلاقة بين الرجل والمرأة».
يبدو عتريسي مقتنعاً بأنّ امتلاك القدرة على التحكم بمستوى الإنفاق ومعرفة مقاربة قيم الاستهلاك يجنّبان العلاقة العاطفية التصدع. يستدرك: «العيش ببساطة وهدوء ومحاولة الابتعاد عن اللهث وراء متطلبات الحياة أمور لا تلغي الفقر لكنها تخفف بالتأكيد من آثاره السلبية».
هو الحوار بين الحبيبين
ترى الاختصاصية في علم النفس التربوي د. ناي سويدي أن الحوار بين الثنائي وانفتاحهما واحدهما على الآخر والتشارك في الأفكار والأحاسيس هي أساس العلاقة الناجحة، «فالمال الذي يؤثر في مسار الحياة سينعكس بطبيعة الحال على الحب، والأمر في علم النفس مفتوح ما دام لكل شخص تركيبته المعقدة وصراعاته فكيف إذا تشاركها مع شخص ثانٍ، ثم من قال إنّ الشغف بعد 3 أشهر من الزواج يجب أن يكون هو نفسه بعد 10 سنوات؟».
في سياق آخر، تقول سويدي إن الرجل الشرقي يعيش الصعوبات المادية التي يجتازها بطريقة سلبية، لا سيما حين تمارس المرأة تهديداً معيناً فيشعر بالدونية، لكونه غير قادر على توفير المستلزمات.