أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

فؤاد السنيورة «شريك مضارب برتبة رئيس»

الإثنين 20 شباط , 2012 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,962 زائر

فؤاد السنيورة «شريك مضارب برتبة رئيس»

في حكومة سعد الحريري، ظلّ طيف فؤاد السنيورة، مهيمناً على وادي ابو جميل. 

في حكومة نجيب ميقاتي اتقن السنيورة إمساك العصا من الوسط. تنسيق من تحت الطاولة بين ابن طرابلس وابن صيدا ظهر في اكثر من ملف وأزمة. يكفي ان شوكة أزلامه في الادارات والمؤسسات الرسمية لم تنكسر، اما على جبهة الخصم، فقد طارد حاملي شعار «الاصلاح والتغيير» حتى في احلامهم. في قداس «مار مارون» حيث تجاور كتف «الجنرال» مع كتف «دولته»، مارس الرجلان اقصى درجات ضبط النفس، وقد نجحا الى حين خروجهما من الكنيسة. لم يكن الموقف سهلا. الاول يريد ان يضع «رفيق درب» الحريري الأب في السجن، والثاني بحكم المقتنع ان «الحالة العونية» موجة وتنتهي... وبضعة «هواة» بين ساحة النجمة والسرايا (المقصد بعض وزراء ونواب التيار) لا يستطيعون ان «يصفّروا» رصيد من يتصرّف على اساس انه «المسؤول» عن مالية الدولة، بمعزل عن موقعه في السلطة أو المعارضة. 

في كل عرس للسنيورة قرص. مشكلة «البرتقاليين» مع حامل لقبي رئيس الحكومة الاسبق ووزير المالية الاسبق، لا تختصر بحساب قطع سنوات مالية انطوت، ولا بالتفتيش عن الـ11 ملياراً ضائعة ولا بالتحقيق المفتوح في «مغارة» الموازنات وفي مصير الهبات وسلفات الخزينة. محاكمة الرابية للعهود الحريرية ليست سوى محاكمة للأداء «السنيوري» على صعيد حسابات الدولة وماليتها. وعند فلش اوراق الصلاحيات ودخول دائرة الطائفة، يمكن البحث عن نجل عبد الباسط. من اجتماع المجلس الاسلامي الشرعي الاعلى الى محاصرة نجيب ميقاتي ومطالبته بالاعتذار عن تشكيل الحكومة، الى «حبكة» الثوابت الاسلامية برعاية مفتي الجمهورية، وصولاً الى تصفية الحساب مع الشيخ محمد رشيد قباني وانتخابات «المجلس الشرعي».. الى الخطوة الاحادية «المنظّمة» بالانفتاح على المرجعيات الشيعية الروحية. 

حامل أسرار مالية الدولة وشيفرة خزينتها السياسية يحضر في كل الأزمات. لكنه لا يحلّ واحدة من هذه الازمات، فهو مولع بجمع الملفّات على طاولته. لا يترك ملفاً لغيره بصرف النظر عن قدرته على المعالجة. يهوى تشكيل اللجان وجمعها من دون الخروج من أي من اجتماعاتها برد على أي سؤال باعتبار ان التداول جزء من اسلوب المحاضر الجامعي الباحث عن مستمعين. 

أصاب «دولته» مرات وأخفق مرات كثيرة. من حضر «مهرجان طرابلس» الاذاري امكن له فهم الشعرة الفاصلة بين «زعامة الواقع» و«الزعامة بالوكالة».

عبئت الحشود بشائعة طلّة «الشيخ سعد» في اللحظة الاخيرة. لم تصدق التوقعات. السنيورة غير «الكاريزماتي» في مخاطبة الجماهير الشمالية وتجييشها يصعد الى منصة الخطباء.. وعندها فقط.. بدأت بعض افواج الحاضرين تنسحب تدريجاً. أدرك «التيار الأزرق» أن صعود السنيورة الى منصة الذكرى السابعة في «البيال» لن يفي بالغرض، فكان القرار بأن يطل سعد عبر الشاشة العملاقة.. ولو اقتضت المقدمات، أن يحاصر فؤاد في القاعة بتصفيق استثنائي، بدا أن مصدر معظمه الجمهور القواتي. 

العارفون يردّدون ان الاميركيين لطالما عبّروا سراً وعلناً عن تفضيلهم فؤاد السنيورة على سعد الحريري. لكن موازين القوى الاقليمية والدولية لم تسمح بتمديد تجربة الولايتين (2005 ـ 2009). باعتقاد عواصم غربية، ان فؤاد السنيورة يملك من المؤهلات، ما يجعله يحتل موقعاً مميزاً سواء اكان في ضفة السلطة ام المعارضة، طالما هو يعرف متى يساير دمشق ومتى لا يسايرها، وكذلك الامر مع ايران و«حزب الله « وكل من يندرج في خانة الخصومة مع «المشروع». 

عندما حلّ السنيورة ضيفاً على الاميركيين في أيار الماضي، منتقلاً بين نيويورك وواشنطن، كانت ملامح بازل «الربيع العربي» قد بدأت ترتسم في افق المنطقة وصولاً الى سوريا. تجاهل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق أنه أحد قلة قليلة في العالم العربي ممن دافعوا عن حسني مبارك مشيدا بدوره في تاريخ مصر طوال سني حياته. في الولايات المتحدة، قدّم السنيورة رؤيته الحماسية الشاملة لما أسماها «آفاق الثورات وانعكاساتها على الداخل اللبناني»، واستفهم من «مفاتيح» القرار عن سيناريوهات التغيير المطروحة. ردّ على اسئلة، من خارج السياق، وجهت اليه حول تداعيات مقتل زعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن الذي صودف اعلان نبأ مقتله خلال وجوده في نيويورك. 

حاضر السنيورة في مجلس العلاقات الخارجية والتقى شخصيات في الكونغرس ووزارة الدفاع ورجال اعمال لبنانيين ثم انتقل الى باريس واجتمع مع وزير الخارجية الان جوبيه في الـ«كي دورسيه»، مستكملاً سلسلة لقاءاته في المانيا وبريطانيا. 

قبل ذلك، قام السنيورة بجولة الافق نفسها لكن على طول الخط الممتد من مصر الى السعودية والكويت والامارات وقطر وصولاً الى تركيا. من نيويورك الى انقرة. الخلاصة واحدة. لم يكن احد يملك اجابة حاسمة ونهائية عن اتجاه البوصلة السورية. وعلى هذا الايقاع، ضبط السنيورة «رنّة» بيانات كتلة نواب المستقبل. دعم مطلق لكل حركات التغيير في المنطقة. اختلاف في اللهجة بين اهل البيت الواحد، خصوصاً للصقور الاربعة نهاد المشنوق معين المرعبي خالد الضاهر محمد كبارة على المنابر، لكن الموقف الرسمي للكتلة مضبوط على ساعة «دولته». 

كان بالامكان ان ينطبق هذا الشعار حتى على البحرين لو بقيت «جمعية الوفاق» الشيعية المعارضة وحدها في الميدان، يقول «اهل المستقبل». الا ان تبني السنيورة وفريقه لرواية فضائية «العربية» بدخول حركة حسن المشيمع على الخط، وزيارته للسيد حسن نصر الله، ومن ثم مسارعته الى المطالبة بإسقاط النظام، دفعتهم الى اخراج البحرين من حضن «الربيع العربي». 

جدول اعمال فؤاد السنيورة المكثّف من التاسعة صباحاُ حتى ساعات المساء يشغله عن التفكير بمرارة الغربة الحكومية. والاستثمار المنظم في «شبكة» علاقاته الدولية التي راكمها بين تموز 2005 وتشرين الثاني 2009، وخبرته الى جانب رفيق الحريري جعلت منه عملياً رئيس حكومة... المعارضة. 

يقنع نواب «تيار المستقبل» انفسهم بأنهم ربحوا «حرب الكهرباء». بغض النظر عن التفاصيل يرفعون شارة الانتصار. يتحدثون عن الانجاز، لكنهم يخفون هوية «قائد الحرب» على «المفرطين بالمال العام». للتوضيح اكثر هو فؤاد السنيورة. قلة فقط من النواب الزرق تملك خبرة النقاش العلمي في الملفات المفتوحة من الموازنة الى دهاليز «الميغاوات»، مروراً بقوانين الانتخاب والاصلاح الاداري والنفط والغاز... فأوجد «دولة الرئيس» الحل، واضعاً كل خبراته المكتسبة في «دوزنة» سياسات الدولة المالية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية بتصرف زملائه بصرف النظر عن صحتها. 

فؤاد السنيورة «شريك مضارب يقبض ولا يدفع»، بحضور سعد الحريري وفي غيابه، ينقل الى منزله في رأس بيروت (شارع بلس) كل مساء «بريد رئيس حكومة الظل». حامل «ذاكرة فيل»، لا يتردد في إبقاء راداراته ناشطة كي لا تفوته التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة. ينهمر يومياً على فريق عمله «شلال» من الملاحظات وطلبات للتنفيذ او للتذكير يكتبها على وريقة صغيرة. مستشاره الاعلامي الزميل الدكتور عارف العبد، محمد دندشلي مدير مكتبه، مراد الجمال مستشاره للشؤون الدبلوماسية، مازن سويد المستشار الاقتصادي... الجميع متأهب لمواكبة حركة «دولته» التي لا تهدأ، باعتراف المقربين منه. 

يجزم هؤلاء ان «وتيرة العمل هي نفسها داخل السرايا وخارجها». رجل الارقام مدمن من السادسة صباحاُ على سماع الاذاعات المحلية اضافة الى «بي بي سي» و«دوتشيه فلليه» الالمانية. يقرأ عناوين الصحف الاساسية ويطلب ملخصاً عن اهم التقارير السياسية والمالية. تنسيق وتواصل شبه يومي مع سعد الحريري عبر مدير مكتبه نادر الحريري وفق ما تقتضيه سخونة الملفات. يسافر للقاء سعد عند الحاجة في الرياض أو باريس، وفي عزّ ازمة الكهرباء، بقيت خطوط السنيورة مفتوحة مع نبيه بري ونجيب ميقاتي، وبخروج النواب من قاعة الهيئة العامة استراحت جبهة «السادات تاور».. «فما انجز حقق الجزء الكبير من مطالبنا» على حد تعبير السنيورة. 

علاقته «جيدة» مع رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع، وممتازة مع الرئيس امين الجميل وقيادات 14 آذار. اوفد ممثلاً عنه الى قداس «شهداء القوات»، لكنه صفق سراً لـ«خطاب الحكيم» هو يجد مؤخراً في تصرفات جعجع قدراً كبيراً من «الواقعية والحكمة». 

كيمياء اذارية يحتضنها اسبوعياً بيت سعد الحريري حيث تعقد حلقات النقاش والتنسيق لترتيب جدول العمل والاولويات. هي الخطة التي ولدت فكرتها في باريس برعاية الحريري، لكنها لم تجد بعد طريقها الى النور... وفق التصور السنيوري، من الصعوبة بمكان تحديد خطة واضحة البنود فيما التطورات في المنطقة وسوريا تحتسب بالدقائق. مع ذلك هناك ثوابت في قاموس «دولته»: دعم الثورة في سوريا من دون التدخل في مجرياتها بأي شكل من الأشكال. التغيير موجة لن تتوقف ودمشق تسير نحوه خطوة خطوة... لكن المسار الطويل، (نظرة مختلفة عن سعد وتلقى رواجاً عند النخب المستقبلية). 

هو السنيورة ايضاً يقارب ملف التفجيرات في دمشق بلغة مختلفة عن لغة سعد الحريري قبل أن يلسعه السفير جوني عبدو من باريس بالقول انه يلعب بنار «امن الرئيس الحريري». تماماً كما تصرف في أكثر من جلسة تشريعية بمنطق الحرص على مالية الدولة حتى ولو أصبح خارج دائرة السلطة.

يختصر المشهد احدهم بالقول انه باستثناء السنيورة تصرف كل فريق 14 آذار بين العامين 2005 ومطلع العام 2011 على قاعدة انه في المعارضة وفريق 8 آذار في السلطة، اما اليوم، فان فريق 8 آذار وحلفاءه الوسطيين، يتصرفون كأنه في المعارضة، فيما فؤاد السنيورة ما يزال عقله موزعاً بين السرايا الكبيرة ووزارة المالية.


Script executed in 0.19605922698975