ففي اللحظة التي اتفق فيها موارنة بكركي بسحر ساحر، في كانون الاول الماضي، على تبنّي مشروع «اللقاء الارثوذكسي» القائم على انتخاب كل طائفة لنوابها، استنفر «البيك الدرزي» وبقّ البحصة قائلاً امام زواره «شو يلّلي جمعهم مع بعض. الم يكتفوا بعد بحفلات المزايدة وتسجيل النقاط».
لم يكن جنبلاط يقرأ يومها في «مسايرة» ميشال عون وسليمان فرنجية لأمين الجميل وسمير جعجع في السير بمشروع «مذهبة الانتخابات»، سوى «مزايدة» على المكشوف في الشارع المسيحي اللاهث خلف استعادة «ملكيته» للمقاعد النيابية المسلوبة بحكم «الوصاية» السنية والشيعية والدرزية عليها طوال عهود الطائف.
قد يكون جنبلاط الاكثر براغماتية في مقاربة ملف الانتخابات. هو يقول في العلن ما يتستّر عليه الباقون. «الزمن ليس زمن قوانين انتخابية وحتى يحين أوان الاستحقاق لن يكون القانون سوى نتاج تسوية سياسية يفرضها صاحب القرار على الطاولة» في آخر لحظة. يدرك «البيك الدرزي» ان «حزب الله» اليوم ليس في موقع المقرّر للبوصلة الانتخابية، بغض النظر عن تداعيات الزلزال السوري، وبأن لحظة الحسم لا تكتمل اصلاً من دون «البصمة» الجنبلاطية على قانون من المفترض الا يقضم من حصة المختارة. وهو، كما الحزب وكما «تيار المستقبل»، يتصرّف على اساس ان الحراك الانتخابي المسيحي «لا يقدّم ولا يؤخر في المكتوب».
في المحصلة، وبرغم اقتناع رئيس «جبهة النضال الوطني» بأن جولات «لجنة بكركي» عبارة عن نقاش «تنظيري» في الوقت الضائع، فان المختارة واضحة في خياراتها الانتخابية. رفض مطلق لمشروع «اللقاء الأرثوذكسي» الذي اختارته «اللجنة المارونية السداسية» منطلقا لنقاشاتها مع المراجع السياسية. أيضاً التقاء مصالح مع «تيار المستقبل» على رفض «شبح النسبية» وما يعنيه من تحجيم للنفوذ الجنبلاطي.
ومن دون قفازات، يدعو جنبلاط محدّثيه دائماً الى استيعاب مخاوفه التي تضاهي، برأيه، مخاوف المسيحي شريكه في طائفة «الهنود الحمر». «انظروا اليّ. حصار من جميع الجهات. «البحر» السني في اقليم الخروب والبقاع الغربي. اليتم الدرزي في العاصمة. التطرّف المسيحي في الجبل. و«الوليّ» الشيعي في بعبدا!».
بالامس وصل اعضاء «لجنة المتابعة» النواب ألان عون، جورج عدوان، بطرس حرب، سامي الجميل والوزير السابق يوسف سعاده (تغيّب الوزير السابق زياد بارود بسبب وجوده في الولايات المتحدة) الى دارة النائب جنبلاط يحملون ورقة نعوة «مشروع اللقاء الارثوذكسي». «تيار المستقبل» و«حزب الله» و«امل» ضده صراحة. لم يأخذ المشروع مساحة في النقاش الا من باب استعراض الصيغ المتاحة انتخابياً.
في المقابل، لم يحمل الأعضاء الخمسة صيغة «معلّبة» لقانون الانتخابات. تكلمّ الزوار مجددا في الهواجس المسيحية وكيفية استيعابها من ضمن قانون «ضامن للحقوق الضائعة». تحفظّ «البيك» هذه المرة في اعلان رفضه «المعلوم» لمشروع «ايلي الفرزلي» ولمشروع النسبية وتبنّيه الصريح في المقابل لقانون الستين. واجه ضيوفه الباحثين عن «المفتاح» الانتخابي «السحري» لنصف برلمان منتخب بأصوات مسيحية «صافية» بالقول «احذورا من بيع الاراضي. عليكم ان تعالجوا هذه المسألة بالحماسة نفسها التي تبدونها لقانون الانتخاب»..
في المحصلة، «ابو تيمور» يحادث ضيوفه بشقّ النفس. وكأنهم «من كوكب آخر»، طالما ان عين «البيك» لا ترصد هذه الايام سوى الحدث السوري. إجابات جنبلاطية خاطفة، عامة، مبهمة ومختصرة.. «هناك اليوم قانون الستين جاهز وحاضر. وانا منفتح على اي صيغة انتخابية للنقاش (باستثناء مشروع «اللقاء الارثوذكسي) وإن شاء الله منبقى على تواصل». كرّر امام ضيوفه الموارنة تأييده للدوائر الصغرى ورفضه للدوائر الكبرى.
وحين سئل عن رأيه بمشروع «فؤاد بطرس» اكد انه «غير مطلع عليه حتى الآن»، مع العلم ان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يسوّق لهذا المشروع معدّلاً بحيت يتم الانتخاب على مرحلتين: النسبية ثم النظام الأكثري. وثمة من يروّج بان جنبلاط لن يخرج خاسراً اذا ما اعتمد مشروع «بطرس» وفق هذه الصيغة. هكذا بدا استقبال زعيم المختارة للضيوف الموارنة مجرد واجب لا أكثر. أبقى الابواب مفتوحة على النقاش من دون ان يلزم نفسه بأي موقف او يبدي حماسة لتسريع «طبخة القانون».
غدا، سوف يستمزج النائب ألان عون رأي رئيس مجلس النواب نبيه بري حول إمكان لقاء اللجنة به مرة ثانية، بصفته كرئيس كتلة نيابية، وبالتالي وضعه في «أجواء» الجولات على المراجع السياسية. على أن تعقد بعدها «لجنة المتابعة» اجتماعات لإعداد تقرير شامل يرفع الى البطريرك بشارة الراعي. هنا ستعود الكرة مجدداً الى ملعب بكركي. «مشروع الفرزلي» والنسبية هما «مشروع مشكل» مع «الشريك الآخر». وثمة من يطرح علامات استفهام قبل ان تنطق البطريركية حكمها «هل سيخبط الراعي يده على الطاولة متمسكاً بالنسبية كحل وسط يرضي المسيحيين، ام سيمدّد للجنة طالباً منها مرة أخرى التفتيش عن «ابرة» القانون في كومة «قش» مصالح زعماء الطوائف الأخرى».