ولا تزال. باسمها تسلّلت إلى اليمن وباكستان والصومال والقائمة تطول. باسمها، نصّبت واشنطن نفسها «الشرطي» الأوحد في العالم، تطلق طائراتها تصطاد «أينما كان»، من تشاء من «القاعدة» وأتباعها»، كما أنذرنا بالحرف، الرئيس الأميركي باراك أوباما، في نهاية كانون الثاني الماضي.
باسم محاربة «القاعدة»، تعلو أسهم مرشح رئاسي، وتسقط أسهم آخر. هي الشماعة التي تحتمل كل الاتهامات وتلصق فيها كل الاعتداءات أو أغلبها.. هي، بهذا المعنى، «راجح» الذي أراده «المختار» في مسرحية «بيّاع الخواتم» لفيروز.
ليس وظيفة ما سبق الدفاع عن سجلّ «القاعدة»، ولا إدانتها، فهذا التنظيم وباسم «الدفاع عن الإسلام» وفق منظوره، سمح للقوة العظمى في العالم، بأن تجعل «إسلاموفوبيا»، تبريراً لارتكاب جرائم وتغيير انظمة، حتى أن أسماء كـ«جهاد» أو «إسلام» باتت ممنوعة في دول تطبّق قانون «حماية الأبناء من غباء الآباء»!
ليس خفياً على أحد أن «القاعدة» موجودة في لبنان بشكل أو بآخر. يكفي أن نستعيد أرشيف الأمن والقضاء، كي نجد رزمة ملفات لا تحتمل التأويل. لكن في السياسة، يتقدم الحديث عن «القاعدة» أو يتراجع تبعاً للتوظيف السياسي والاعلامي ظرفاً وزماناً.
في الزمن الأول لـ«القاعدة»، تطوع مجاهدون لبنانيون وفلسطينيون من أبناء المخيمات للقتال الى جانب «المجاهدين» على أرض أفغانستان في مواجهة «الغزو السوفياتي». بعد تلك الرحلة، عاد من عاد، وأكمل من أكمل رحلته الى ساحات جهادية أخرى. في يوغوسلافيا السابقة. العراق. الشيشان. بلوشستان. أوروبا. الولايات المتحدة. بينهم قبل عقد من الزمن زياد الجراح (أحد المشاركين في هجوم 11 ايلول 2001)، بينهم قبل أقل من شهر بلال بلال البرجاوي (يقظان) الذي عرف تنظيمياً باسم «أبو حفص»، وقد لاحقته طائرة أميركية من دون طيار في الصومال، وتبين أنه أحد أبناء منطقة الطريق الجديدة.
هل هناك قاعدة لـ«القاعدة» في لبنان، هل تتعامل «القاعدة» مع لبنان بوصفه ساحة نصرة أم ساحة جهاد؟ ما هو مصير من قاتلوا في ساحات جهادية أبرزها العراق، وماذا يفعل هؤلاء العائدون اليوم؟ هل استجاب لبنانيون جهاديون لنداء أيمن الظواهري زعيم تنظيم «القاعدة» بالجهاد على أرض الشام ضد النظام السوري؟
يطرح ذلك كله أسئلة حول البيئة الحاضنة، سياسياً واجتماعياً ودينياً وثقافياً.
تنشر «السفير» اعتباراً من اليوم سلسلة تحقيقات حول تنظيم «القاعدة» وما أثير مؤخراً بشأنها لبنانياً، وتشمل تلك التحقيقات، فتح أرشيف هذا التنظيم في القضاء والأمن بالإضافة الى بعض التجارب مثل تجربة «مجموعة الـ13» و«فتح الاسلام» وبعض الاسلاميين في عدد من المناطق والمخيمات.
يشمل هذا الملف أيضاً تسليط الضوء على بعض الظواهر السلفية التي قد يتغذى منها الفكر القاعدي. وثمة سؤال يطرح نفسه في الوقت نفسه، هل هناك سلفية شيعية في لبنان، هل هناك سلفية درزية في لبنان؟ البداية طبعاً من عند «القاعدة» عالمياً، في محاولة للاجابة على الأسئلة الآتية: من هي «القاعدة»؟ كيف نشأت؟ من أين اتّخذت تسميتها؟ من أسّسها؟ ما هي عقيدتها؟ ما هي المنظمات المنضوية تحت علمها الأسود؟ وما مصيرها بعد مقتل زعيمها أسامة بن لادن؟
النشأة الأولى
يروي اللواء الباكستاني المتقاعد شوكت قدير، الذي ترأس «معهد إسلام أباد للبحوث السياسية»، لـ«السفير» كيف نشأت «القاعدة»، في أواخر 1982، في الكويت، مسقط رأس والد أسامة بن لادن، كـ«مؤسسة خيرية لمساعدة المسلمين حول العالم»، قبل أن «يدرك» أسامة بن لادن، «سريعاً» أن الطريقة الأفضل لـ«مساعدة (وفق منظور بن لادن) المسلمين تكمن في تسليحهم للتمرّد ضد القمع».
ومع الغزو السوفياتي لأفغانستان في 1979، بدأ بن لادن، الذي جُرّد من جنسيته السعودية في نيسان 1994، بتسليح المقاتلين الأفغان، قبل أن تنهال الأموال «الضخمة» على «القاعدة» «من سائر أنحاء العالم العربي».
حينها لم يكن «المجاهدون»، كما أسماهم الغرب قبل أن «يجاهدوا» ضده، «إرهابيين». ووفقاً لوزير الخارجية البريطاني السابق روبن كوك فإن زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن «هو نتيجة أخطاء متراكمة في الحسابات اقترفتها وكالات الأمن الغربية»، مضيفاً في تقريره في «الغارديان» في 8 تموز 2005، إن «المجاهدين» الذين باتوا «القاعدة» «جُنِّدوا ودرِّبوا على أيدي وكالة الاستخبارات المركزية».
ثمة من يذهب أبعد. إذ يذكّر المحامي والناشط الحقوقي الأميركي دانيال كوفاليك، الذي ساهم في إعداد كتاب «الفاقد للأمل: باراك أوباما وسياسة الأوهام» (يصدر في نيسان 2012) بما قاله المستشار السابق للأمن القومي زيبينغيو بريجنسكي في مقابلة مع صحيفة «لونوفيل أوبسرفاتور» (1998) بأن الولايات المتحدة هي من «بدأت» بتطبيق هذه «الفكرة الرائعة» بشن «عمليات سرية» تتمحور حول «تقديم الدعم لمعارضي النظام الموالي للسوفيات في كابول»، وقد «وقّع الرئيس (جيمي كارتر) أولى تعليماته بهذا الشأن في 3 تموز 1979»، أي «قبل» الغزو السوفياتي لأفغانستان في 24 كانون الأول 1979، وذلك بهدف جرّهم إلى «الشرك الأفغاني»، ثم يجيب بريجنسكي محاوره باستغراب «تسألني عما إذا كنت نادماً؟ في اليوم الذي عبر فيه السوفيات الحدود كتبت للرئيس كارتر: بات لدينا اليوم الفرصة لمنح السوفيات حربهم الفيتنامية. في الواقع، طوال 10 سنوات، اضطرت موسـكو لخوض حرب أدّت في نهاية المطاف إلى تفتت الإمبراطورية السوفياتية».
ويقول خبير إسلامي لبناني متخصص بالحركات الجهادية لـ«السفير» إن هناك ثلاثة عناصر تضافرت في التكوين والبدايات وهي الآتية: الفكر الوهابي، المال الخليجي وتحديداً السعودي، والعناصر الفلسطينية (أبرزها عبدالله عزام وهو سابق حتى لبن لادن) بالاضافة الى العناصر المصرية التي قرر النظام المصري «تصريفها» للجهاد في أفغانستان!
«قاعدة» الجهاد
في مقابلة مسجلة، بثّتها قناة «الجزيرة» في تشرين الأول 2001، قال بن لادن إن «اسم «القاعدة» ظهر منذ فترة طويلة بالصدفة، فالراحل أبو عبيدة البنشيري أسس معسكرات تدريب المجاهدين لمكافحة إرهاب روسيا. كنا نسمي معسكرات التدريب بـ«القاعدة»، وبقي الاسم هكذا».
إلا أن الصحافي الأميركي بيتر بيرغن، قال في كتابه «عن أسامة بن لادن الذي أعرف: تاريخ محكي لزعيم «القاعدة»» (صدر في 2006) أنه «حصل على وثيقتين من سراييفو في مكتب المؤسسة الخيرية الدولية، تشيران إلى أن المنظمة التي تأسست في آب 1988، لم يسمها المجاهدون هكذا»، وان تضمنت هاتان الوثيقتان كلمة «القاعدة».
أما الصحافي في مجلة «نيويوركر» لورانس رايت، فقال في كتابه «البروج المشيدة.. «القاعدة» والطريق إلى 11 أيلول» (آب 2006) إن اسم «تنظيم «القاعدة»» لم يستخدم في التصريحات العلنية مثل «فتوى 1998 لقتل الأميركيين وحلفائهم» لأن «وجودها كان لا يزال سرياً»، موضحاً أنه في «اجتماع مع عدد من كبار قادة الجهاد الإسلامي المصري مثل سيد إمام الشريف وأيمن الظواهري وعبد الله عزام مع أسامة بن لادن، اتفق على توظيف أموال بن لادن مع خبرة منظمة الجهاد الإسلامي، ومواصلة الجهاد في مكان آخر بعد أن انسحب السوفيات من أفغانستان».
وفي نيسان 2002، أصبح اسم المجموعة «قاعدة الجهاد»، كما قال الصحافي في صحيفة «الأهرام» ضياء رشوان (كانون الثاني 2003)، موضحاً أن هذا «كان نتيجة الدمج بين فرع الجهاد في مصر بقيادة الظواهري مع بن لادن والجماعات المنضوية تحت سيطرته، بعد عودته إلى أفغانستان في منتصف التسعينيات».
العقيدة
يروي الكاتب بيتر بيرغن في كتابه «عن أسامة بن لادن الذي أعرف» أن بن لادن «اتفق مع المشاركين (في اجتماعات التأسيس في آب 1988) على أن «القاعدة» ستكون الجماعة الرسمية التي تجمع الفصائل الإسلامية التي تهدف إلى رفع كلمة الله والانتصار لدينه».
لن نخوض هنا في المناظرات الفقهية، من قبيل «هل استوحى بن لادن عقيدته من مؤسس جماعة الأخوان المسلمين سيد قطب» كما يقول لورانس رايت في كتابه «البروج المشيدة»، إذ يبدو واضحاً من اسمها الأساسي «قاعدة الجهاد» أن هذه المنظمة حركة تتبنى فكرة الجهاد ضد «الحكومات الكافرة» بهدف «تحرير بلاد المسلمين من الوجود الأجنبي أيا كان»، و«العودة» إلى نظام «الخلافة الإسلامية»، كما قال المسؤول العسكري الباكستاني السابق شوكت قدير.
لتوضيح الفكر الجهادي، قال الباحث في معهد «بروكينغز» (أيلول 2011) عمر عاشور إن هذا الفكر «يشكل إيديولوجية ثورية حديثة ترى أن العمل المسلح ضد المخالف سياسيا أو دينيا أو فكريا، وسيلة مشروعة فقهياً وفعالة تكتيكياً لإحداث تغيير اجتماعي ـ سياسي مطلوب». ولقد هيمنت تكتيكات «الإرهاب» و«حرب المدن» و«حرب الأنصار» على «الأنشطة المسلحة التي مارستها العديد من الجماعات التي تؤيد هذه النظرة إلى العالم، بما في ذلك تنظيم «القاعدة»».
أما أستاذ العلاقات الدولية في جامعة «لندن للاقتصاد» فواز جرجس، صاحب كتاب «صعود «القاعدة» وسقوطها» (إصدار 2011) فيقول، في مقال نشرته مدونة «هافنغتون بوست» في أوائل كانون الثاني 2012، في إطار تفنيده «للأسطورة القائلة بأن للقاعدة الفلسفة ذاتها التي تتبناها المنظمات الإسلامية المقاتلة الأخرى»، إنه في «تسعينيات القرن الماضي، حرّف بن لادن ومساعده أيمن الظواهري إيديولوجيات الجهاد لكي تلائم غاياتهم من أجل محاربة العدو الأبعد (واشنطن وأقرب حلفائها الغربيين)، لاعتقادهما بأن ذلك سيستقطب ما يكفي من الأتباع لتأسيس الجيش والزخم الكافي لخوض المعارك الأقرب».
القرار فقط «مركزي»
القرار «مركزي»، لكن التطبيق «ليس كذلك»، هكذا باختصار تعمل «القاعدة»، على ما يقول شوكت قدير. والمحور الأهم في عملها هو «تجنيد المصادر الخارجية» أي استقطاب من يقوم بمهمات المنظمة ضد الأهداف «الكافرة».
وفق الترتيب الهيكلي للقاعدة، كان بن لادن يحتفظ بلقب «أمير»، ويشور عليه «مجلس شورى»، بينما السلطة «الحقيقية» معقودة «للثلث الثاني» في قيادة المنظمة، أي الكوادر المسؤولة عن التخطيط والتكليف بالمهمات. هذا الثلث يضم «تقليدياً، العرب، وغالبيتهم من المصريين، مع استثناء واحد معروف هو الباكستاني خالد شيخ محمد الذي نسبت اليه هجمات 11 أيلول»، وهو ما طرح لدى قدير تساؤلاً «هل كان بإمكانه أن ينفذ هذه الهجمات وحده؟».
بعد تلك الهجمات، «تغيّر الهيكل التنظيمي للقاعدة»، وباتت المنظمة تعمل وفق مستويات ثلاثة، حسبما جاء في تقرير لمركز «ستراتفور» الاستخباراتي الأميركي في 12 كانون الثاني 2012، هي: «»القاعدة» الأم»، و«المجموعات ذات الامتياز»، و«الجهاديون الشعبويون».
يمنح الباحث في «بروكينغز» عمر عاشور هذه المستويات أسماء اخرى، ويقول إن «القاعدة» «تحوّلت «من منظمة مركزية هرمية (الأم وفق تسمية «ستراتفور») إلى بنية غير مركزية» وهكذا باتت «الفروع الإقليمية (المجموعات ذات الامتياز) كيانات فاعلة مستقلة تقريباً عن التنظيم الأم».
ففي السعودية، نشأ في أواخر 2002 «تنظيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية»، الذي دبر هجوماً عنيفاً في الرياض في 2003 ثم تلته عمليات أخرى. ثم ظهرت «القاعدة» في العراق» في 2004. وفي 2007، ظهر «تنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي». وبهذا فرض «نموذج الفروع» سيطرته الكاملة.
وتابع عاشور انه بموازاة نموذج الفروع، تبنّت «القاعدة» نهج «الشبكة العنكبوتية» الذي «يتحاشى التنظيمات الكبيرة لمصلحة أعضاء مدربين يشكلون خلايا صغيرة تشنّ هجمات محددة ثم تتفكك سريعاً». وتمثل المجموعات التي نفذت الهجمات في مدريد (2003) ولندن (2005) هذا النموذج.
وهناك أيضاً نهج «الجبهة الإيديولوجية» (الجهاديون الشعبويون وفق تسمية «ستراتفور»)، الذي «ناصره، في البداية، الاستراتيجي الجهادي أبو مصعب السوري»، لكونه نهجاً قادراً على «إلحاق الهزيمة بأي ترتيبات أمنية».
ويعمل هذا النهج، حسبما شرح أبو مصعب في دليله شبه العسكري الذي يقع في 1600 صفحة تحت عنوان «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، عبر «نشر رواية تصف ما يعانيه المسلمون من الظلم والإذلال، ويقدم إيديولوجية تحدد الوسائل الكفيلة بإزالة المظالم، ثم السماح للمتعاطفين بتجنيد أنفسهم في «القاعدة» (التجنيد الذاتي) أو تأسيس خلايا صغيرة مستقلة (التأسيس الذاتي) أو البدء في عمليات فردية تتفق مع الفكر والرؤية ولا تتصل بالتنظيم (يشار إلى ذلك أحياناً بنموذج «الذئب الوحيد»).
وكان ذلك هو النموذج المتبع في حالة الرائد في الجيش الأميركي نضال حسن، الذي قتل 13 من زملائه في قاعدة فورت هود في تكساس في 2009، وروشونارا شودري التي طعنت النائب البريطاني ستيفن تيمز في 2010.
القيادات و«ذئابهم»
قبل مقتله في مداهمة نفّذتها فرقة كوماندوس أميركية على منزله في ابوت اباد في باكستان في 2 أيار 2011، كانت قيادة «القاعدة» بيد أسامة بن لادن، وكان يساعده عدد من القادة البارزين على غرار المصري أيمن الظواهري الرجل الثاني في التنظيم، الذي تسلّم الزعامة لاحقاً، وأبو مصعب الزرقاوي الذي قتل في العراق في 2006 بغارة أميركية، واليمني رمزي بن الشيبة والباكستاني خالد شيخ محمد المعتقلين بغوانتانامو.
ووفق شهادة جمال أحمد الفضل، الذي زعم أنه عضو مؤسس في المنظمة، ووصفته مجلة «التايم» في شباط 2001 بـ«الخائن»، تبيّن أن للقاعدة لجان: «العسكرية» معنية بعمليات التدريب وتوفير الأسلحة والتخطيط للهجمات، بينما تمول «لجنة المال» العمليات عبر التحويلات، وتؤمن تذاكر السفر ولوازمه، كما تشرف على الأرباح (وقدّر تقرير لجنة أحداث 11 أيلول أن «القاعدة» تحتاج إلى 30 مليون دولار سنوياً لتنفيذ عملياتها).
هناك أيضاً «لجنة الشريعة» التي تراجع النصوص الدينية، قبل أن تصدر «لجنة الدراسات الإسلامية» فتاويها. وفي أواخر التسعينيات، تشكلت «لجنة الإعلام»، التي تولت إصدار نشرة إخبارية، والعلاقات العامة. وفي 2005، أسّس تنظيم «القاعدة» دار «السحاب» لتأمين المواد المرئية والمسموعة.
ولكن وفق هيكلية «القاعدة» التي يمكن وصفها بـ«المفتوحة»، وحيث تقتصر مهمة التنظيم الأم على إمداد الفروع بـ«الإلهام»، بحسب تعبير مدير مكتب «العلاقات الأميركية بالعالم الإسلامي» في «بروكينغز» ستيفن غراند، قد يخيّل للمرء أن «القاعدة» تنظيم ضخم للغاية.
ذلك مجرّد «أسطورة» دحضها الأستاذ في جامعة «لندن للاقتصاد» فواز جرجس قائلاً إنه «في عزّ تفوقها في التسعينيات، كان لدى «القاعدة» ما بين ألف وثلاثة آلاف عضو»، وقال إن «مسؤولي الاستخبارات الغربيين يعتقدون أن من بقي حياً من أعضاء «القاعدة» لا يتجاوز عددهم الـ200، غالبيتهم في باكستان وأفغانستان، وعلى الأغلب هم يفتقرون للمهارات ويتألفون من طباخين وسائقين وحراس».
ربما من بقي من «القاعدة» هم «زمرة صغيرة من الأصوليين»، كما كتب في دراسة نشرتها جامعة «يال» في أيلول 2011، أستاذ الشؤون الدولية المتقدمة في جامعة «جون هوبكنز» بروس ريدل، الذي سيصدر في آذار المقبل، كتابه «العناق القاتل: باكستان أميركا ومستقبل الجهاد العالمي».
«القاعدة» تخسر اللقب
لا عجب إذاً، أن تخسر المنظمة التي ظلت طوال أكثر من عقد متربعة على «عرش الإرهاب»، اللقب. مقتل زعيمها في أيار الماضي أصابها بمقتل. عملية مداهمة منزله في أبوت أباد، في أيار 2011، أظهرت، بحسب أستاذ العلوم السياسية في جامعة أوهايو جون مويللر (مجلة «ناشيونال انترست ـ 31 كانون الثاني 2012) كيف أن «القاعدة» باتت مجرد عصابة صغيرة.
هكذا، يبدو منطقياً أن يعلن مدير الاستخبارات الأميركية جيمس كلابر، في جلسة استماع أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ في 31 كانون الثاني، أن استمرار ضغوط الولايات المتحدة وحلفائها سيضعف القيادة المركزية للقاعدة في باكستان.
عملية «الاضمحلال» هذه ستتطلّب عامين أو ثلاثة، بحسب تقدير كلابر. خلالهما، ستصول طائرات أوباما، فوق باكستان، بمعدل واحدة كل تسعة أيام (بحسب دراسة لمؤسسة «هيريتيدج» في نهاية كانون الثاني)، لتصيب «بدقة»، كما كررّ الرئيس الأميركي في حديثه الإلكتروني وأعاد، «القاعدة» وأتباعها».
إن سقط أحدهم فإنه «حتماً من «القاعدة»، كما كتب ساخراً جون غلايزر في مدونة «انتي وور»، لا هم أن يكون «مكتب الصحافة الاستقصائية»، البريطاني، قد أكّد في تقرير في 10 آب 2011، أن تلك الطائرات قتلت منذ 2004 نحو 781 مدنياً باكستانياً، بينهم 175 طفلاً، وهو رقم يضعه الصحافي نور بهرام («الغارديان» 17 تموز 2011) على هذا الشكل: «من بين كل 10 إلى 15 شخصاً يسقطون بنيران طائرة بلا طيار ثمة مقاتل واحد».. غالباً ما يكون «مجهولاً» أي «ذا رتبة (عسكرية) متدنية يقدّم الدعم العملاني لطالبان في جنوبي أفغانستان»، كما قال الباحث في «مجلس العلاقات» ميكا زنكو (31 كانون الثاني 2012).