أودع المحاميان غوانيل ميترو ودايفد يونغ قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الخاصة بلبنان دانيال فرانسين مذكرة اعتراض على إخفاء أسماء بعض الأشخاص الذين تقدموا بطلبات مشاركة في إجراءات المحاكمة الغيابية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. المحاميان تصرّفا بالوكالة عن حسن صبرا، أحد الرجال الأربعة الذين كان المدعي العام دانيال بلمار قد اتهمهم بالضلوع في الجريمة في تموز 2011 مستنداً إلى معلومات تشكك أوساط قضائية وحقوقية محلية ودولية في صدقيتها.
وبما أن الحجة التي كانت «وحدة مشاركة الضحايا» في إجراءات المحكمة قد تمسكت بها لتبرير السرية هي الحفاظ على أمن بعض هؤلاء الأشخاص وسلامتهم، طلب المحاميان شرحاً مفصّلاً وعلنياً للظروف الأمنية التي تحيط بكل منهم أمام القاضي فرانسين.
«وحدة مشاركة الضحايا» في المحكمة الدولية كانت قد أرسلت إلى القاضي فرانسين في 10 شباط الجاري طلبات تقدم بها بعض «الضحايا» للمشاركة في إجراءات المحاكمة الغيابية. وأصرّت الوحدة على الطابع السرّي لتلك الطلبات وعلى عدم إعلام مضمونها لفريق الدفاع، ما يعدّ تجاوزاً لمعايير العدالة التي تقتضي التزام علنية كافة الإجراءات القضائية باستثناء التحقيقات الجارية والحالات التي يثبت فيها بنحو قاطع وجود خطر حقيقي يتهدد أمن أشخاص محددين وسلامتهم.
اعترض ميترو ويونغ بشدة على حجب هوية بعض الشهود عنهما وأثارا موضوع حرمان موكلهما المشاركة في الإجراءات القضائية التي جرت منذ إصدار القرار الاتهامي، بينما أتيح لجهة الادعاء المشاركة في هذه الإجراءات، ما شكل خللاً في التوازن بين الادعاء والدفاع الذي تدعي المحكمة الدولية التزامه. وقال المحاميان إن موكلهما تعرض لـ«خطر الحكم المسبق بحقه».
المحاميان أعلما القاضي فرانسين في نصّ مذكرتهما بأن فرق الدفاع عن المتهمين الثلاثة الآخرين (عياش وعنيسي وبدر الدين) تدعم موقفهما بشأن الاعتراض على سرية بعض الشهود.
قضاة لعبة الأمم
وافق قضاة المحكمة الدولية أمس على إدخال بعض التعديلات على قواعد الإجراءات والإثبات للمحكمة. وجاء في بيان للمحكمة أمس أن هذه التعديلات «ترمي إلى توضيح بعض القواعد، وبخاصة تلك المتعلقة بالمتضررين». ومن بين هذه التعديلات ما يأتي: «يجوز للادعاء، والدفاع ووحدة المتضررين المشاركين في الإجراءات إبداء ملاحظاتهم بشأن الطلبات التي يتقدّم بها المتضررون الراغبون في المشاركة في الإجراءات. وتقتصر هذه الملاحظات على مسائل قانونية لحماية سرية طلبات المتضررين».
هذا وكانت «وحدة مشاركة المتضررين» التي يترأسها ألان غريليه، قد سعت إلى تبرير وجوب حجب هوية بعض المتضررين عن الدفاع باستنادها إلى نصوص المواد 133 و50 و115 و116 من قواعد الإجراءات والإثبات قبل التعديل. ويبدو أنه عندما تبين أن بعض هذه المواد لا تنطبق على هذه الحالة وهي غير كافية لتبرير هذا الحجب تقرّر اللجوء إلى ندوة القضاة لتعديل القواعد بحيث يتاح للادعاء الاستفادة من هامش السرية بعد انطلاق المحاكمات الغيابية. وبالتالي إن المحكمة تسعى على ما يبدو إلى إخفاء معلومات أساسية عن الدفاع بهدف دعم الاتهام عبر تزويد مكتب بلمار بعناصر سرية يمكن أن يلجأ إليها خلال المحاكمات إذا انكشف ضعف الأدلة التي استند إليها. وفي ذلك شقّ سياسي يدفع إلى التشكيك في النيات الحقيقية لـ«وحدة مشاركة الضحايا»؛ إذ إن دعمها قرار الاتهام لا يستهدف أربعة رجال بقدر ما يستهدف حزب الله والمقاومة، وإلا فلماذا أشار بلمار إلى أن الحزب «إرهابي» في نصّ قرار الاتهام؟ وما الذي يمكن أن يقنع القاضي بقبول حجج الحفاظ على أمن الشهود وسلامتهم أكثر من كون المتهمين «إرهابيين»؟
المادة 116 من قواعد الإجراءات والإثبات قبل التعديل تشير إلى احتمال تعرّض «حقوق الأطراف الثالثة» لإجراءات مخالفة لمصالحها. يذكر أولاً أن ندوة القضاة في المحكمة الدولية قرّرت تعديل المادة 116 في 10 تشرين الثاني 2010 عبر إدخال وجوب حماية «الأطراف الثالثة»، بينما لا ذكر لها في القواعد قبل هذا التاريخ. والمقصود بـ«الأطراف الثالثة» هو أطراف «لا شأن لها في النزاع» أو «الخارجون عن موضوع البحث»، ما يبعد نظرية احتمال التعرّض لأمنهم وسلامتهم. وبالتالي إن فريق الادعاء بالاتفاق مع «وحدة مشاركة المتضررين» يسعى (من خلال طلب السرية الذي تقدمت به الوحدة في 10 شباط الجاري) إلى حجب هوية «الأطراف الثالثة» ليستخدمهم لاحقاً كشهود لدعم تجريم المتهمين الأربعة من دون أن يكون فريق الدفاع متنبهاً لذلك.
لكن المادة 116 تجيز للمدعي العام «الطلب من غرفة الدرجة الأولى في غرفة المذاكرة، وبصورة غير وجاهية، إعفاءه كلياً أو جزئياً من موجب إبلاغ المعلومات المنصوص عليه في القواعد» وتضيف أن «على المدعي العام، عند تقديمه هذا الطلب، أن يطلع غرفة الدرجة الأولى على المعلومات التي يطلب بقاءها سرية وترفق ببيان يقترح فيه تدابير موازية تشمل خصوصاً تحديد معلومات جديدة وذات طبيعة مماثلة، وتقديم هذه المعلومات بشكل مختصر أو مموه، أو عرض الشق الأهم من الوقائع». غير أن الطلب لم يصدر عن المدعي العام، بل عن «وحدة مشاركة المتضررين» ولم يكن موجّهاً إلى غرفة الدرجة الأولى، بل إلى قاضي الإجراءات التمهيدية، ما يجعل هذه المادة غير صالحة لتبرير السرية في هذا الإطار. أما المادة 133 التي استند إليها كذلك طلب السرية، فتعني كذلك غرفة الدرجة الأولى لا قاضي الإجراءات التمهيدية؛ إذ جاء فيها أنه «يجوز لغرفة الدرجة الأولى، تلقائياً أو بطلب من أحد الفريقين أو المتضرّر أو الشاهد المعني أو وحدة المتضررين والشهود، أن تأمر باتخاذ التدابير الملائمة لحماية الحياة الخاصة للمتضررين والشهود وسلامتهم» (الفقرة ألف).
أما نصّ المادة 115 قبل التعديل، التي استند إليها كذلك غريليه لتبرير حجب هوية بعض الشهود عن الدفاع، فيذكر أن الطلب يفترض أن يصدر عن المدعي العام لا عن «وحدة مشاركة المتضررين». فالمادة تجيز «للمدعي العام في ظروف استثنائية، الطلب من قاضي الإجراءات التمهيدية أو من غرفة الدرجة الأولى إصدار أمر بعدم الكشف مؤقتاً عن هوية المتضرر أو الشاهد الذي قد يكون مهدداً أو معرضاً للخطر إلى حين تنفيذ تدابير الحماية المناسبة». وبالتالي إن مدة السرية تنتهي لدى تنفيذ تدابير الحماية، وهو ما يفترض أن يكون قد تمّ بعد مرور أشهر على صدور قرار الاتهام.
وبشأن وظيفة «وحدة مشاركة المتضررين»، يدلّ نصّ المادة 115 على أنها استشارية؛ إذ يرد في الفقرة باء: «لغرض إقرار عدم الكشف عن الهوية مؤقتاً، يجوز لقاضي الإجراءات التمهيدية أو لغرفة الدرجة الأولى استشارة وحدة المتضررين والشهود».
ولعلّ الفقرة جيم من المادة 115 تفسّر سبب اعتراض الدفاع على حجب هوية بعض الشهود وسبب التعديلات التي أدخلها القضاة أمس؛ إذ جاء فيها أنه «يتم الكشف عن هوية المتضرر أو الشاهد في مهلة معقولة قبل بدء المحاكمة لإتاحة تحضير الدفاع». فكيف يمكن أن يقوم فريق الدفاع بواجباته بشكل دقيق بينما يتواصل تلاعب بلمار ورئيس المحققين في مكتبه، ضابط الاستخبارات البريطاني مايكل تايلور، بإجراءات المحكمة العادلة، تارة عبر رفض تنفيذ أوامر قاضي الإجراءات التمهيدية، وأطواراً أخرى عبر حجب المعلومات وحماية شهود الزور من الملاحقة القضائية، وإعداد حيَل في الظلام تنكشف فصولها تباعاً.
بلمار يودّع اللبنانيين
وجه أمس المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري دانيال بلمار، رسالة وداعية «إلى الشعب اللبناني» لمناسبة تنحيه عن وظيفته «لأسباب صحية». لم تخل الرسالة من المعلومات غير الصحيحة والدعاية غير الصادقة لمعايير تفتقر إلى المهنية والاحتراف في التحقيقات الجنائية.
«لقد كان لي الشرف والامتياز أن شغلتُ منصب آخر رئيس للجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة»، قال بلمار أمس للبنانيين. هذه اللجنة، التي يتفاخر بلمار برئاستها، كانت قد تبنّت شهادات زور وأوصت بتوقيف أشخاص لنحو أربع سنوات بناءً على شهادات تبين في ما بعد أنها غير صحيحة.
«أودّ أن أتقدم إليكم بالشكر (...) للمسيرة الحافلة بالإنجازات التي قطعناها معاً». إن الإشارة إلى «الإنجازات» مستغربة؛ إذ إن المحكمة ومكتب بلمار خصوصاً، تقاضىا ملايين الدولارات خلال أكثر من أربع سنوات من التحقيقات، ولم تتوصل إلا إلى قرار اتهامي وحيد استند إلى تحليل اتصالات هاتفية كان فرع المعلومات قد أجراها بكلفة لا توازي ربع قيمة الأموال التي تقاضاها بلمار وفريق عمله.
«وفي أثناء ولايتي، غالباً ما شعرتُ بأن مكافحة الإفلات من العقاب ستكون مسيرة طويلة وشاقة. ومع ذلك، حافظتُ على شغفي من أجل المهمة ومن أجل لبنان. فشعب لبنان لا يستحق أقل من ذلك. بل هو جدير بأن ينعم بمجتمع لا إفلات فيه من العقاب، مجتمع تسوده ثقافة المحاسبة. فهل من مهمة أسمى من مهمة تقوم على رغبة الشعب في الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة؟».