على الجبهة المقابلة، كانت إيران قد قرّرت أن «تتغدى أوروبا قبل أن تتعشاها» بإعلانها وقف مبيعات النفط إلى دول أوروبية، ضاربة على وتر أوروبي حساس يطال الدول التي تعاني من أزمات مالية خانقة، في وقت كانت تقارير تكشف عن «متنفس» جديد للاقتصاد الإيراني سيساعده على الصمود.. «بطله» هذه المرة: تركيا والصين.
«إسرائيل لن تنجح.. فلتقتنع بذلك»!!
اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن إسرائيل ستواجه تحديا كبيرا في حال اتخذت خيار الهجوم العسكري على طهران. واستناداً إلى مقابلات أجرتها مع مجموعة من المسؤولين العسكريين الأميركيين والمحللين المقربين من دوائر صنع القرار، أكدت الصحيفة أنه «في حال قررت إسرائيل ضرب إيران، فسيتعيّن على طياريها التحليق لمسافة ألف ميل في مجال جوي غير آمن، والتزود بالوقود خلال التحليق، فضلاً عن مواجهة سلاح الدفاع الجوي الإيراني ومهاجمة مواقع متعددة تحت الأرض في الوقت عينه كما استخدام أكثر من 100 طائرة حربيّة». ونقلت الصحيفة عن الجنرال المتقاعد في الاستخبارات التابعة للقوات الجوية الأميركية ديفيد ديبتولا، الذي شارك في الحرب على أفغانستان وفي حرب الخليج الثانية، قوله إن «الضربة العسكرية لن تكون بهذه السهولة».
من جهته، أكد المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية مايكل هايدن أن «الضربات الجوية الكفيلة بالقضاء على البرنامج النووي الإيراني تفوق قدرات إسرائيل»، وردّ ذلك جزئياً إلى «المسافات البعيدة التي ينبغي أن تجتازها الطائرات الإسرائيلية».
من جهة ثانية، لفت مسؤول عسكري إلى أن واشنطن لا تملك اطلاعاً كاملاً على حسابات إسرائيل العسكرية، وهو ما عكسه أنتوني كوردسمان، الباحث العسكري المؤثر من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، في ما كتبه عن أن «هناك الكثير من الأمور المجهولة والمخاطر المحتملة».
في المقابل، أوضحت الصحيفة أنه في حال قررت إسرائيل توجيه ضربة عسكرية سيتعيّن عليها أن تضرب أربع منشآت نووية، والطرق التي يمكن أن تسلكها هي إما عبر الأردن أو العراق أو السعودية أو تركيا. وفي السياق، رأت «نيويورك تايمز» أن أفضل الطرق لضربة جوية إسرائيلية للمنشأت الإيرانية سيكون عبر العراق لأن طريق الأخير هو الأكثر سهولة حيث «لا يوجد دفاعات جوية عراقية، كما أن الولايات المتحدة لم يعد لديها التزام للدفاع عن المجال الجوي العراقي». أما إذا افترضت إسرائيل جدلا، والكلام للصحيفة، بأن الأردن قد يسمح بتنفيذ العملية العسكرية عبر أراضيه، فستقف مشكلة المسافة عائقا كبيرا، إذ على الرغم من حيازتها طائرات أميركية الصنع من طراز «أف -15 أي»، و«أف -16 أي»، القادرة على قصف الأهداف الإيرانية، غير أن المدى الذي تستطيع تلك الطائرات أن تبلغه لا يمكنه أن يصل إلى مستوى 2000 ميل ذهابا وإيابا.
وفي ختام تعليقها، حذرت الصحيفة من أن الصواريخ التي تمتلكها إيران قد تجبر الطائرات الحربية الإسرائيلية على المناورة وتفريغ ذخائرها حتى قبل بلوغ أهدافها، كما تستطيع إيران الرد باستخدام صورايخها لضرب إسرائيل، لافتة إلى أن مسؤولين أميركيين يعتقدون انه من الصعب اختراق التحصينات الإيرانية الأمر الذي من شأنه أن يشعل فتيل حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط.
أميركا تضغط دبلوماسياً
في ظلّ اتهام إيران بمحاولة استهداف الدبلوماسيين الإسرائيليين في الهند وتايلاند وبعد سلسلة من الأحداث والتصريحات التي تشير إلى التصعيد على خط طهران – تل أبيب، تتعرض إسرائيل لضغوط متزايدة من الولايات المتحدة لثنيها عن مهاجمة إيران.
وفيما يتهرب الإسرائيليون من تقديم ضمانات لأميركا بعدم اللجوء إلى الخيار العسكري، تحاول واشنطن ممارسة الضغوط الدبلوماسية على تل أبيب من خلال حملة شاملة أدت في الأيام الأخيرة إلى إرسال مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي توم دونيلون إلى إسرائيل.
والتقى دونيلون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك، فيما رأت وسائل الإعلام الإسرائيلية انه في ظل هذا الزخم سترسل الولايات المتحدة رئيس الاستخبارات جيمس كلابر.
ومن ناحيته تم «استدعاء» باراك إلى واشنطن بينما من المفترض أن يقوم نتنياهو بزيارة مهمة إلى الولايات المتحدة في أوائل آذار.
من جهة أخرى، أعلن رئيس الأركان المشتركة للجيش الأميركي مارتن ديمبسي في مقابلة أجراها مع قناة «سي أن أن» الإخبارية ان شن عملية عسكرية على إيران سيكون «سابقا لأوانه».
«أورانيا» تزيد الطين الاوروبي بلّة
فيما وصفته بالأزمة «الأورانية»، أشارت مجلة «نيوزويك» الأميركية إلى وجود أزمة أوروبية حقيقية على خلفية ما أعلنه رئيس شركة النفط الوطنية الإيرانية احمد قالباني أن إيران ستوقف مبيعات النفط الى دول أوروبية أخرى غير فرنسا وبريطانيا إذا واصلت أوروبا «أعمالها العدائية» ضد طهران، حسب وكالة «مهر» الإيرانية. ولفت قالباني في اشارته خصوصا الى المانيا وإسبانيا وإيطاليا واليونان والبرتغال وهولندا على انها الدول التي قد يشملها هذا الإجراء.
ويظهر حجم الضرر في هذا الإجراء عند معرفة أن أربعا من أصل ست من هذه الدول تعاني من عجز مالي مزمن، علماً أن ايطاليا واسبانيا واليونان تتسلم القسم الأكبر من صادرات النفط الإيرانية إلى أوروبا، حيث يمثل النفط الإيراني 30 في المئة من الواردات اليونانية و13 في المئة من الواردات الايطالية، بحسب الوكالة الدولية للطاقة. وكما هو ظاهر، بحسب «نيوزويك»، فإن مشــاكل أوروبا تتخطى العجز المالــي المزمن والســياسات التقشــفية التي تمليها ألمانيا، فهناك اعتــماد مزمــن على النفــط. وفي حين ان أميركا، بفضل الوقــود الاحفــوري المكتشف، استطاعت أن تتخلص من هذه التبعية بشكل أو بآخر، فإن أوروبا لم تنجح في ذلك بعد، وهو ما يعطي لإيران فرصة حالية للضغط على القارة الغارقة في مشاكل مالية وسياسية متعددة.
إنعاش تركي ـ صيني لإيران
ذكر كون كوفلين في صحيفة «دايلي تلغراف» البريطانية، نقلاً عن جهات أمنية غربية، أن كــلاً من تركيا والصين تعملان على مساعدة طهــران على التــهرب من العقوبات الدولية المفروضة بسبب برنامجها النووي، عبر السماح للبنك المركزي الإيراني باستخدام عدد من المؤسسات المالية في الصين وتركيا لتمويل شراء السلع الحيوية في سبيل مساعدة الاقتصاد الإيراني على الصمود من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي.
ويشير المسؤولون الغربيون إلى أن الصين، التي تعد أكبر شريك لإيران في تجارة النفط، تلعب دورا كبيرا في مساعدة الأخيرة على تجنب تأثير العقوبات، وبدلا من تحويل المبالغ النقدية إلى طهران مقابل النفط الذي تستورده، تستخدم البنوك الصينية الأموال لشراء البضائع التي تحتاجها إيران ومن ثم تشحنها لها. وأضاف المسؤولون معلقين أن «هذا الأسلوب يشبه نظام المقايضة القديم، فالنقود التي تكسبها إيران من مبيعات النفط تذهب مباشرة إلى البنوك الصينية لتستخدم في شراء السلع التي يحتاجها الإيرانيون»، واصفين ذلك بالطريقة «الذكية» للالتفاف على العقوبات والحدّ من آثارها.
وذكر كوفلين أن تركيا، التي تجمعها علاقات دبلوماسية جيدة مع طهران، تعدّ ذات أهمية بالنسبة لإيران بسبب العلاقات التجارية الوطيدة التي تجمع أنقرة والاتحاد الأوروبي. كما لفت المحققون إلى أنهم عثروا على دليل يؤكد أن مجتمع الأعمال التركي يحاول شراء مؤسسات مالية في أوروبا نيابة عن إيران التي يمكن أن تستخدمها طهران بعد ذلك لشراء السلع والمواد التي تحتاجها لإنقاذ اقتصادها المتعثر.
وتتطلع إيران حاليا، وفقاً لكوفلين، إلى التعامل مع البنوك الألمانية، في وقت أشار إلى أن مسؤولي وزارة الخزانة الأميركية اكتشفوا معاملات مررت عبر مصارف ألمانية تبدو ظاهريا أنها لشركات تركية فيما كانت في الواقع لشركات إيرانية. إضافة إلى ذلك، فإن إيران تسعى أيضا لتحويل الأموال عبر أوكرانيا وبيلاروسيا.
إعداد: هيفاء زعيتر