بعد ظهر أمس، غادر النائب ألان عون منزل الوزير شربل نحاس، متوجهاً نحو الرابية. قبل دخوله منزل الجنرال، اتصل عون بنحاس سائلاً: ما غيرت رأيك؟ هل امزقها ام أسلمها له؟ رد نحاس مؤكداً أن استقالته نهائية، ولن يتراجع. دخل ألان عون وسلّم الجنرال الورقة التي تحمل توقيع نحاس، والموجهة إلى مجلس الوزراء، والتي تحمل نص استقالته. أبلغ النائب البعبداوي رئيس تكتله بمضمون المفاوضات الساعات الاخيرة بينه وبين نحاس، وبعدم تمكنه من إقناع الوزير «العنيد» بالتوقيع على المرسوم بالطريقة التي يريدها الجنرال.
في الليلة السابقة، كان ألان عون ونحاس قد اجتمعا. آخر تنازل وافق وزير العمل على تقديمه هو التوقيع على ورقة واحدة، كناية عن رسالة موجهة منه إلى مجلس شورى الدولة. في المقدمة، اكد موقفه المتحفظ على قرار مجلس الوزراء تحديد بدل النقل بسبب مخالفته للقانون. ثم ادرج نحاس نص المرسوم، وذيّل الورقة بتوقيعه. حمل ألان عون ما حصل عيه. كان يعلم علم اليقين بأن الجنرال لن يقبل بهذا النص الذي سيردّه مجلس الشورى بالشكل، لكونه ليس مرسوماً موقعاً وفق الأصول. وبالفعل، عبر الجنرال عن رأيه. لكن نحاس تمسك بالخط الاحمر الذي رسمه لنفسه.
في اجتماع تكتل التغيير والإصلاح أمس، كان الوجوم يعلو وجوه الحاضرين. معظمهم لم يكن مطلعاً على تفاصيل ما جرى خلال الأيام الماضية. لكنهم سمعوا باستقالة نحاس عبر الإعلام. بدت عليهم آثار الصدمة. حتى «خصوم» نحاس في التكتل لم ينبسوا ببنت شفة. لم يشمتوا. كل ما فعله بعض الحاضرين هو توجيه أسئلة للجنرال: ماذا جرى؟ لماذا وصلنا إلى هذا الحد؟ ما الذي جرى مع الرئيس نبيه بري في غداء عين التينة؟
أفاض رئيس التكتل بالشرح. قال إن اللقاء مع بري فتح الباب على علاقة شراكة جدية في المرحلة المقبلة، في الحكومة وفي العمل التشريعي. نقل عن بري استعداده للعب دور جدي على صعيد الشراكة الحكومية مع رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء. تحدّث عن حساسية المرحلة، وعن كون الفشل الحكومي هو فشل للتكتل بالدرجة الاولى. ثم انتقل إلى ازمة المرسوم. اعطى الكلام للنائب ابراهيم كنعان الذي كان مكلفاً بالتواصل مع نحاس، وللنائب ألان عون، وللوزير جبران باسيل. ادلى كل منهم ببعض ما في جعبته. رووا مفاوضات الأيام الأخيرة مع نحاس وخاتمتها. ثم عاد الجنرال ليتسلم دفة الكلام. كال المديح لشربل نحاس، ولعقله، ولمدى التزامه بالقانون، وحسن إدارته للملفات التي يتولاها في وزارته. ثم انتقل للحديث عن كون القرار السياسي للتكتل يؤخذ في التكتل، وهناك أولويات يجب الالتزام بها. ومن غير المسموح «استمرار السجالات بين أعضاء التكتل في الإعلام: «في التزام أو ما في، بس حقك تفلّ».
عبّر أكثر من عضو في التكتل عن امتعاضه من سير الأمور ونتيجتها، سائلين عما يمكن فعله ليعود زميلهم عن قراره، فردّ الجنرال قائلاً: «صرلن 4 أيام ليل نهار معو، وما مشي الحال». بعض الحاضرين تحدثوا عن خصال زميلهم، فيما البعض الآخر استغل الظرف للهمس على قاعدة «كتروا السلّاخين».
بعد الاجتماع، خرج النائب ميشال عون ليكشف عن وجود اتفاق بينه وبين الرئيس بري على المسار الذي كان ينبغي ان يسلكه مرسوم تصحيح الاجور. ذكّر بالدعم الذي حصل عليه نحاس، شاكراً إياه «على خدمته معنا وعلى تعاونه، وهو من الوزراء الذين يتمتعون بكفاءة عالية جدا، لكن ظروفه لم تسمح له بالتعاون معنا الآن». لفت إلى الاختلاف حول توقيع نحاس ورقة واحدة او ورقتين، مشيراً إلى أن «المشكلة هي داخلية (أي داخل التكتل). لقد وصلتني الاستقالة وموضوع معالجتها يكون طبعاً مع الوزارة وليس معي أنا، لأن الاستقالة سترسل في نهاية المطاف إلى مجلس الوزراء». لم يصرّح عون بما إذا كان «سيقبل» استقالة نحاس ام لا، إلا ان مضمون كلامه واضح، وخاصة عندما رد على سؤال في نهاية مؤتمره الصحافي، بالقول إنه، وفي حال قبول الاستقالة، سختار بديلاً لنحاس «وزيراً من التيار الوطني الحر لكي لا تتكرر الأزمة الحكومية».
وأكد عون أن اقتراح قانون بدل النقل المطروح على جدول اعمال مجلس الوزراء سيتم التعامل معه وفقاً للاتفاق بينه وبين الرئيس بري.
ارتياح برّي وميقاتي
وظهر الارتياح في أوساط الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي. ورغم نفي مصادر الطرفين أن يكون هذا الارتياح مرتبطاً بخروج الوزير «المشاكس» من الحكومة، فإنها توقفت بـ«إيجابية» أمام «التزام النائب ميشال عون بالموقف الذي أدى إلى حل الأزمة الحكومية» واعدة بوتيرة جديدة من العمل الحكومي في المرحلة المقبلة. وإذ أكدت مصادر عون وبري أن مجلس النواب سيبحث اليوم قانون مجلس بدل النقل «بناءً على روح الشراكة الجديدة»، لفت مقربون من عون إلى ان اقتراح النائب ابراهيم كنعان سيخضع لبعض التعديل، وخاصة في فقرته الأخيرة التي تنص على احتساب بدل النقل في تعويض نهاية الخدمة، لكون هذا البند هو من اقتراح الوزير شربل نحاس، ولا يحظى بموافقة الآخرين، حتى داخل التكتل.
وفيما تحفظت مصادر ميقاتي عن التعليق على استقالة نحاس «قبل تسلم نصها رسمياً»، سارع رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى الترحيب بخطوة نحاس، «إذا لم تكن في إطار المناورة السياسية».
ومن المنتظر أن يشهد مجلس النواب اليوم معركة حادة على خلفية بحث مشروع قانون يجيز للحكومة إنفاق مبلغ 8900 مليار ليرة. وستخوض كتلة المستقبل هذه المعركة، بحسب مصادرها، على خلفية عدم جواز السماح لهذه الحكومة بإنفاق هذا المبلغ من دون تشريع مبلغ الـ11 مليار دولار الذي أنفقته حكومات الرئيس فؤاد السنيورة من دون قانون للموازنة.
من جهة اخرى، نقل أحد وزراء تكتل التغيير والإصلاح عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي توقعه الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء مطلع الأسبوع المقبل، بعدما انتهت الأزمة عملياً. وقد التقى عون وميقاتي مساء أمس إلى مائدة وزير الاتصالات نقولا صحناوي، وكانت «الأجواء بينهما إيجابية، من دون أن تتطرق إلى جوهر الامور السياسية» على حد وصف مصادر عون.