أكثر من ذلك، صاحب هذه الكلمات هو من وصف هذه السياسة يوماً بـ"الحكيمة"، وذلك في حديثه إلى برنامج "كلام الناس" عبر "المؤسسة اللبنانية للإرسال".
إنه وليد جنبلاط!لا شكّ أنه تحوّل غريب وعجيب أن يصبح ما كان "حكيماً" فجأة "سخيفاً" لا بل "متفلسفاً". لكنه، متى صدر عن وليد جنبلاط، فإنّه يصبح أمراً طبيعياً وعادياً، لأنّ كلام جنبلاط "ما في عليه جمرك"، على حدّ تعبير مصادر محسوبة على الأكثرية الحكومية، التي يفترض أنّ جنبلاط هو "جزء" منها. وتلفت المصادر إلى أنّ لا "عتب" على جنبلاط لأنه من السياسيين "النادرين" الذين لا يتردّدون في أخذ مواقف متناقضة بين يوم وآخر، اعتماداً على "قراءته السياسية الخاصة"، والتي تتأثر على ما يبدو بالمحيط بشكل كبير. وفيما تلاحظ المصادر أنّ مواقف وليد جنبلاط لم يعد لها "الوهج" الذي كانت تتمتّع به سابقاً بدليل أنّ الردود عليه تكون شبه غائبة، تدعو لترقب تصريحاته المقبلة، لأنها قد تتضمن ما يناقض تصريحه الأخير كما أنها قد تحمل معها "اعتذاراً" كما حصل في السابق مرّات ومرّات.
وتذهب المصادر الأكثرية إلى التذكير بـ"تاريخ" جنبلاط لتقلّل من شأن تصريحاته الأخيرة. وتلفت إلى أنّ "البيك" سبق له أن "شتم" الرئيس السوري بشار الأسد ثمّ، وبكلّ بساطة، "اعتذر" منه لتطأ قدماه أرض الشام التي "اشتاق" لها، كما قال. وتذكّر المصادر كيف أنّ "البيك" بات في الآونة الأخيرة من أشرس المدافعين عن النظام السوري، الذي كان يتّهمه بقتل أبيه لكنه لم يتردد في القول أنه "نسي" و"سامح"، لتخلص إلى أنّ "الخطأ" الذي يمكن أن يرتكبه أيّ فريق في لبنان هو "الثقة" بوليد جنبلاط، قائلة أنّ "المصلحة" هي التي تجمعها بجنبلاط، "ومتى انتفت هذه المصلحة، فإنّ العلاقة به ستنتهي أوتوماتيكياً".
من "يتمرّد" على مَن؟في تصريحه الأخير لجريدة "الأنباء" الصادرة عن "الحزب التقدّمي الاشتراكي"، يتحدّث وليد جنبلاط عن أكثر من "بدعة"، فيقول: "يا لها من بدعة جديدة سوف تكتب عنها كتب التاريخ والعلوم السياسيّة وهي بدعة إجراء إستفتاء لما يُسمّى مشروع دستور جديد (...) يا لها من بدعة جديدة لم يشهد لها التاريخ القديم أو التاريخ المعاصر مثيلاً، ولم نقرأ عنها في أي من الكتب أو الدراسات، وهي تذكر ببدعة الرفع النظري لحالة الطوارىء فيما إستمر التطبيق العملي للطوارئ (...) يا لها من بدعة جديدة أن نرى دولاً كبرى تؤيد هذه المسرحيّة المسماة إستفتاءً (...) يا لها من بدعة أيضاً، من جهة أخرى، رؤية هذا الانحدار في المواقف الغربيّة التي، للمناسبة، تلتقي مع الموقف الرسمي اللبناني السخيف والمتفلسف تحت شعار النأي بالنفس".
وبنفس منطق "البدعة"، تردّ مصادر حكومية بالقول أنّ "البدعة التي لم يشهد لها التاريخ القديم أو التاريخ المعاصر مثيلاً هي باختصار وليد جنبلاط نفسه". وترى أنها "فعلا بدعة لم نقرأ عنها في أيّ كتاب أو قاموس أن يكون رجل سياسي واحد بأكثر من وجه، وهي فعلاً بدعة أن يكون سياسي واحد واقفاً في الوقت نفسه مع الأكثرية والمعارضة في بلده كمن يحفظ دوماً خط الرجعة، وهي فعلاً بدعة أن يكون سياسي مع فريق في العلن ومع فريق آخر في العلن أيضاً".
وأبعد من كلّ ذلك، ترى المصادر أنّ "البدعة، كلّ البدعة، هي أن يُتّهم وزير بالتمرّد على مجلس الوزراء لأنه يرفض توقيع مرسوم يعتبره غير قانوني ويتسبّب تمرّده هذا بأزمة حكومية طويلة عريضة، فيما لا يُسأل جنبلاط عن انقلابه هذا الذي يتناقض مع كلّ أسس العمل الحكومي". وتلاحظ المصادر أنّ تصعيد جنبلاط هذا ليس بجديد، لكنها تلفت إلى أنه كان يحصر انتقاداته في السابق بوزير الخارجية عدنان منصور لكنّه اليوم يوسّع "هجمته" لتشمل الخطوط العريضة التي يُفترض أنّ الحكومة "متّفقة" عليها، وتقرأ فيها "صفعة" موجّهة لرئيسي الجمهورية والحكومة قبل غيرهما. وتشدّد المصادر على أنّ مسألة "التمرّد" تحتاج هنا لقراءة واضحة ومسؤولة، "فإذا كان وزير العمل قد رفض التوقيع على مرسوم واحد صادر عن مجلس الوزراء، فإنّ النائب جنبلاط قد تمرّد على الحكومة من أصلها من خلال انقلابه على شعار كان قد ساهم بنفسه في صياغته، ولم يعد ناقصاً سوى أن يطرح الثقة بها".
"الاشتراكي" يدافع: التمايز حق "البيك"!باختصار، ترى المصادر الأكثرية، التي صنّفت نفسها قبل عام ونيّف على أنها "حليفة" للنائب وليد جنبلاط، أنّ الأخير "انقلب" على نفسه لا بل عاد إلى "حضن" حلفائه في قوى الرابع عشر من آذار، الذين يلتقون معه في الرؤية والموقف، لدرجة أنه بات "ممثلهم" في الحكومة. كلامٌ تستهجنه وتستنكره مصادر "الحزب التقدّمي الاشتراكي" التي تستغرب "الطنّة والرنّة" التي أحدثها موقف جنبلاط الأخير، مع أن "البيك" مهّد له على امتداد المرحلة الماضية، على حدّ تعبيرها. وتوضح المصادر "الاشتراكية" أنّ التصعيد "الجنبلاطي" لم يأت بين ليلة وضحاها، بل إنه كان "تدريجياً"، مذكّرة في هذا الإطار بـ"المبادرة" التي أطلقها النائب جنبلاط، عشية لقائه الأخير بالأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله وعبر قناة "المنار"، معتبرة ذلك "دليلاً" على أنّ "لا نوايا مبيّتة" لدى النائب جنبلاط كما يحاول البعض تصوير الأمر، فهو وقف مع النظام كما يجب أن يقف وقدّم له النصائح للتجاوب مع "ثورة" شعبه، ولكنّ النظام لم يستجب بكلّ أسف لتطلّعات جنبلاط.
وتستغرب المصادر الحديث عن "انقلاب جنبلاطي" من خلال مواقفه الأخيرة من سياسة "النأي بالنفس"، مشدّدة على أنّ جنبلاط "ينقلب" على نفسه وتاريخه وتراثه إذا لم يتّخذ مثل هذه المواقف لا العكس "فهو لا يتردّد بالمجاهرة برأيه الصريح والواضح انسجاماً مع مبادئ وثوابت الحزب التقدّمي الاشتراكي". ولا تنكر المصادر في هذا الإطار أنّ النائب جنبلاط كان من أشرس المدافعين عن سياسة النأي بالنفس سابقاً، ولكنها تحرص على لفت الانتباه إلى أنّ الظروف تغيّرت اليوم، "وما كان حكيماً في مستهلّ الأزمة لم يعد كذلك اليوم نظراً لوحشية وفظاعة الجرائم التي يرتكبها النظام السوري، والتي لا يمكن لأحد أن ينأى بنفسه عنها". في المحصّلة، تقول المصادر: "ليس وليد جنبلاط من انقلب وليس وليد جنبلاط من غيّر رأيه، بل إنها الظروف التي تغيّرت ووحشية النظام التي زادت ففرضت على وليد جنبلاط مواقف جريئة من هذا النوع".
ألم يحن وقت "الطلاق" بعد؟!
تقول مصادر "الحزب التقدّمي الاشتراكي" أنّ وليد جنبلاط باقٍ في الحكومة الميقاتية، رغم تحفّظاته الكثيرة على سياستها ونهج عملها. وتقول مصادر حكومية محسوبة على الأكثرية أنّ وليد جنبلاط تخطى كلّ الحدود، ولكنه يبقى جزءاً مؤسساً لهذه الحكومة لا يمكن الاستغناء عنه في المرحلة الراهنة، خصوصاً أن لا بديل عنه. هكذا إذاً، تصرّ الحكومة الميقاتية على الاستمرار، رغم أنّ كلّ "مقوّمات الاستمرار" غير متوفرة فيها، ورغم أنّ أحزابها باتت تعيش "صراعاً" في ما بينها يتخطّى كلّ الحدود، لكنّ "وقت الطلاق لم يحن بعد" على ما يبدو...