أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

عبد المنعم يوسف: السياسة تبقيه في مناصبه الثلاثة

الإثنين 27 شباط , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,388 زائر

عبد المنعم يوسف: السياسة تبقيه في مناصبه الثلاثة

عبد المنعم يوسف مجدداً. آخر الغيث قرار صادر عن هيئة التفتيش المركزي يوصي وزارة الاتصالات بـ«النظر بالوضع الوظيفي ليوسف لجهة جمعه بين وظيفتي مدير عام الاستثمار والصيانة في الوزارة ورئيس مجلس إدارة مدير عام هيئة أوجيرو». فقد أكد القرار رقم 19/2012 الصادر في 24 كانون الثاني 2012، والذي أبلغ في الأسبوع المنصرم للجهات المعنية (وزارة الاتصالات، وزارة المالية، المدعي العام لدى ديوان المحاسبة، مجلس الخدمة المدنية، المفتشية العامة المالية، وديوان التفتيش المركزي) أن «الجمع بين هذين المركزين يؤدي إلى تضارب في الصلاحيات بين سلطة الوصاية الإدارية (الإدارة العامة للاستثمار والصيانة) والهيئة الموصى عليها («أوجيرو»)، لاسيما فيما يعود إلى تنفيذ العقود التي تبرمها الوزارة مع الهيئة». 

الاعتراض على جمع يوسف بين أكثر من وظيفة ليس جديداً، فديوان المحاسبة سبق وأصدر في العام 2008 قراراً مشابهاً، أكد فيه على ضرورة الفصل بين الوظيفة الرقابية التي يمارسها بوصفه المدير العام للاستثمار والصيانة في الوزارة وبين الوظيفة التنفيذية في «أوجيرو» التي تخضع لوصاية الوزارة بحسب قانون إنشاء «أوجيرو». وكذلك فعل مجلس الخدمة المدنية في قرار مماثل صدر في العام الماضي. 

قانونياً يبدو أنه صار من الصعب بقاء يوسف في ثلاثة مناصب متعارضة (رئاسة الاستثمار والصيانة ورئاسة «أوجيرو» وإدارتها العامة)، هكذا يعلق مصدر متابع على القرار الأخير، قبل أن يؤكد أن المشكلة تكمن في السياسة التي تمنع تطبيق القانون حتى الآن. فالرئيس نجيب ميقاتي ما يزال رافضاً المس بيوسف لأسباب انتقامية، مكملا منطق الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري من قبله. 

بالنتيجة، فإن كل حروب وزراء «تكتل التغيير والاصلاح» الذين تعاقبوا على وزارة الاتصالات وجدوا حائطاً منيعاً يحمي يوسف، حتى ولو كان وجوده مخالفاً للقانون... و«فاتحا على حسابه»، كما يقول المصدر، الذي يضيف: طائفة المدير العام حمته من أن يتعرض حتى للمساءلة، وهو الذي كان موضوعاً بالتصرف قبل استلامه مناصبه. 

من يتابع ملف الخلافات بين وزراء الاتصالات وبين يوسف يعرف أن رئيس «أوجيرو» استطاع خلال السنوات الماضية أن يبني مملكته بعيداً عن وصاية الوزارة، التي لم توقف سعيها لاستعادة زمام المبادرة. وعلى الرغم من هذه المواجهة الشرسة بين الطرفين، ما يزال يوسف قادراً على الامساك بمفاتيح عدة، تبقيه على الأقل حاجة لبعض الأكثرية ممن لا يمانع الانتظار طويلاً خارج مكتبه قبل أن يدخل عليه أملاً بتوظيفه لمؤيد من هنا أو قريب من هناك، كان آخرهم رئيس حزب التوحيد وئام وهاب. 

الحرب بين الوزارة ورئيس الهيئة «المتمرد»، لم تحسم بعد. الطرفان يملكان العديد من الوسائل المساعدة في تسجيل نقاط في المعركة الدائرة. لا يترك الوزير مناسبة إلا ويستغلها في محاولة قص أجنحة يوسف، فتارة يحصل على قرار وزاري بتغيير إدارة الكابل البحري «آي مي وي» وتارة يمارس صلاحياته بحذافيرها، فيستطيع على سبيل المثال، كما فعل الوزير نقولا صحناوي مؤخراً، أن يجد ثغرة في القانون لمعاقبة يوسف حتى لو كان ذلك بحسم أربعة أيام من راتبه. الفارق على ما يردد مصدر مطلع أن ما يقوم به الوزير من إجراءات يكون تأثيره محدوداً ويطال يوسف حصراً، فيما الأخير، لا يمكنه أن يصيب الوزير من دون الاضرار بمصالح المواطنين، كما حصل على سبيل المثال عندما أوقف إصدار بطاقات «كلام» و«تليكارت»، أو عندما توقف عن بيع خطوط الDSL وتركيبها أو زيادة سرعاتها. 

الوازن الوحيد للعلاقة حالياً هو ميقاتي، وعلى الرغم من أن علاقته بصحناوي مستقرة ولا تتأثر بالعواصف المستمرة بين السرايا والرابية إلا أن حدودها تتمثل في تعهد ميقاتي بأن لا يسمح ليوسف بعرقلة عمل الوزارة. هذه الآلية لا تبدو سهلة. كل ما تحتاجه أو تطلبه الوزارة من الهيئة التي تخضع لوصايتها لا بد أن يمر عبر وساطة رئاسة الحكومة. 

لم يستعمل صحناوي كل الأوراق التي يملكها حتى الآن. هو يعتقد أن آلية العمل التي يتبعها اليوم لا بد أن توصل في النهاية إلى عزل يوسف حتى لو بقي في منصبه شكلاً. يعرف وزير الاتصالات أن هذه الآلية تحتاج إلى وقت طويل لتؤدي إلى النتائج المرجوة. ومع ذلك فهو يعمل على خطين، لا يضطرانه لكسر الجرة مع ميقاتي. خط الآلية الاقصائية وخط إقناع رئيس الحكومة بما يشكله يوسف من ضرر على القطاع. 

اللافت للانتباه، بحسب متابع دقيق للملف أنه لو اتخذ الأطراف المعنيون من القانون حكماً في المسألة، لكان يوسف قد غادر منصبه منذ زمن. 

باختصار، فإن عبد المنعم يوسف وعضوي هيئة «أوجيرو» غسان ضاهر وألان باسيل، الذين عينوا في الهيئة في العام 2005، انتهت ولايتهم في 16 كانون الثاني 2008. وطالما أن قانون «أوجيرو» ينص على أن يستمر رئيس وعضوا الهيئة بالعمل إلى حين تعيين هيئة جديدة، فإنه كان من الطبيعي أن يستمر الثلاثة في منصبهم، عملاً بمبدأ استمرارية المرفق العام. إلا أن الإشكالية تبرز في منصب رئيس الهيئة تحديداً، بسبب تعيينه بالوكالة. إذا أن مبدأ «استمرارية المرفق العام» يطبق على الأعضاء الأصيلين وليس على من عين بالوكالة. وعليه، فقد كان من المفترض أن يتوقف يوسف عن ممارسة عمله بمجرد انتهاء مدة وكالته في منصبي رئيس ومدير عام «أوجيرو» (16 كانون الثاني 2008) طالما لم يصدر قرار تجديد تعيينه بالوكالة.

من هنا، يؤكد المصدر أن تطبيق القانون يعني أن منصب رئيس هيئة «أوجيرو» هو شاغر حكماً، وبالتالي فإن أكبر العضوين سناً يتولى مسؤولية رئاسة الهيئة، كما ينص قانونها. وعندها ستكون كل القرارات الصادرة عنه هي بحكم اللاغية، عملاً بمبدأ ما بني على باطل هو باطل.

وفي حال عدم التقيد بما سبق، فإن معضلة ثانية تطل برأسها وتتمثل بمخالفة عبد المنعم يوسف لقانون الموظفين الذي ينص صراحة على عدم جواز تولي موظف لمهام وظيفتين بالوكالة. كذلك فإن مشكلة يوسف تبدو مضاعفة إذ أنه يجمع بين منصبين لا يجتمعان لاسيما ان المدير العام لهيئة «اوجيرو» يفترض ان يكون بحسب القانون معاوناً للهيئة مجتمعة، أي أن رئيس الهيئة يعتبر «الرئيس المباشر للمدير العام وله أن يمارس بالنسبة له جميع الصلاحيات التي يمارسها الرئيس المباشر بالنسبة لمرؤوسيه، كما يمكنه أن يفوض له بعض صلاحياته»، وبالتالي فإن المرسوم الذي صدر في العام 94 وجاء فيه أنه «يمكن ان يتولى رئيس الهيئة وظيفة مدير عام» هو مخالف حكماً للقانون ويمكن للوزير أن يرفض تطبيقه بسبب تعارضه مع القانون، لاسيما انه لا يتضمن صفة إلزام. 

يجزم المصدر المطلع أن ما سبق يظهر بوضوح أن على وزير الاتصالات أن يتخذ قراراً سريعاًَ بضرورة التوقف عن التعامل مع رئيس هيئة «أوجيرو» وأن لا يستلم منه أي معاملة إلا إذا كانت موقعة من أعضاء الهيئة مجتمعين. ومع إقرار المصدر بأن أمام هذا «الخيار الجراحي» محاذير عدة لا يتعلق أي منها باحترام القانون، فإن تطبيق أوسط الحلول يفرض على وزير الاتصالات إقالة يوسف من منصب مدير عام الهيئة على الأقل، منعاً لبقائه في منصبين بالوكالة، خلافاً للقانون. 

يختم المصدر بالقول «لا يمكن إغفال المسؤولية المباشرة التي يتحملها رئيس الحكومة، الذي صار عليه، أن يقوم بحث الوزير المختص لإجراء المقتضى، وتنفيذ التوصيات الثلاث التي صدرت بحق يوسف». وإذا صح ما تردد عن أن ميقاتي يؤيد إقالة يوسف من منصبه في وزارة الاتصالات مقابل الإبقاء عليه في «أوجيرو»، «فإن ذلك يعني أن رئيس الحكومة يرفض تنفيذ القانون، لا سيما أن المخالفة المشكو منها تتمثل في استمرار يوسف في منصبيه في «أوجيرو»، ولا ترتبط بوظيفته في الملاك».


Script executed in 0.18979501724243