تتصدر بلدة مجدل عنجر قائمة البلدات اللبنانية في علاقتها مع الفكر السلفي، وتحديدا الجهادي، وقد تعمدت هذه العلاقة بدماء مجدليين من أتباع الفكر السلفي تصدروا مجموعات لبنانية «جاهدت في بلاد الرافدين ضد الغزو الأميركي».
لمجدل عنجر تاريخها الحافل مع الحركة السلفية، خاصة في ظل ازدياد الاحتقان الطائفي والمذهبي في لبنان الذي يصفه احد الخبراء بالفكر السلفي الجهادي بأنه كان بمثابة «هدية لا تقدر بثمن، فمع أحداث السابع من أيار 2008، فتحت الأبواب أمام الحركة السلفية التي استفادت من تحول العشرات من الشبان إليها ليس إيمانا بعقيدة دينية تاريخية، إنما على خلفية الاحتقان الطائفي والمذهبي الذي لامس حدود الانفجار مرات عدة».
مع «الربيع العربي» او «الخير القادم» كما يطلقون عليه، خرجت الشعارات السلفية الى العلن، بعدما تصدر سلفيو مصر وليبيا الواجهة، مع غيرهم من الأحزاب الاسلامية، ولعل المفارقة اللافتة للانتباه تمثلت بنأي سلفيي مجدل عنجر أنفسهم عن الانخراط في التحركات التضامنية مع الشعب السوري وان كانوا لا يخفون حقدهم على النظام السوري، الا ان موقع مجدل عنجر وتداخلها الاقتصادي مع الداخل السوري وما دفعته هذه البلدة مما يسمونه «فواتير امنية»، تلزمهم بأخذ استراحة قسرية مع تأكيدهم انهم يقفون اليوم «في موقع الدفاع عن الطائفة السنية في لبنان».
يمكن القول ان مجدل عنجر دفعت الكثير من جراء تلازم اسمها مع الحركات السلفية التي استفادت كثيرا من تداعيات جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان وما تلاهما من احداث داخلية لبنانية ومن رفع منسوب الاحتقان الطائفي والمذهبي فـ«شكلت كلها الارضية الصالحة لتظهير ما كان مشتعلا تحت الجمر، بفعل تعامل النظام الأمني معهم على قاعدة استيعابهم واستثمارهم وإلا فالعكس بابتزازهم والتضييق عليهم وصولا للزج بهم في الاعتقال» كما يردد أحد كوادر السلفيين في البقاع.
ومع امتداد «الربيع العربي» الى سوريا، انفرجت اسارير السلفيين في لبنان وهم يراهنون على تماه لا بد من أن يحصل بينهم وبين سلفيي سوريا «الذين يعتبرون قوة وازنة وأساسية في مجرى الأحداث السورية»، كما يقول أحد قدامى السلفيين في البقاع.
ويقول أحد المجدليين ان التنامي المتزايد للتيار السلفي ليس مرده انضمام اشخاص يعتنقون الفكر السلفي الجهادي او التكفيري، بقدر ما يؤشر للاحتقان في الشارع الاسلامي (السني)، فالكثير من الشبان ينظرون الى السلفيين وعلاقتهم بـ«القاعدة»، من زاوية ايجاد ذراع عسكرية قادرة على مواجهة «حزب الله»، «فالانضمام ليس عقائديا أو دينيا، انما مؤشر على الاحتقان الطائفي المذهبي الذي استفادت منه الحركة السلفية وطصولا الى نزولها العلني للشارع لاستعراض عضلاتها وقدرتها مستقبلا على احداث توازن في الشارع الاسلامي».
يعود ارتباط مجدل عنجر بالفكر السلفي الى العام 1986 مع عودة عدد من متخرجي الجامعة الاسلامية من المدينة المنورة، وقد تولى المتخرجان عدنان امامة وحسن عبد الرحمن، وهما مؤسسا الحركة السلفية في مجدل عنجر، نشر الفكر السلفي الدعوي الذي كان يهدف في تلك الفترة الى انكار بعض العادات الدينية في هذه البلدة، وفي مقدمتها متبعو مذهب عبد الله الحبشي مؤسس جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية («الأحباش»)، واستطاعت الدعوة السلفية ان تفرغ مجدل عنجر من أنصار المذهب الحبشي، حتى بات لها مسجد ومدرسة ومؤسسات وأتباع في مجدل عنجر.
وما بين مجدل عنجر والحركة السلفية، تواريخ زمنية مفصلية في بلدة دفعت الكثير من الفواتير الامنية والسياسية لترادف اسمها مع هذه التنظيمات السلفية التي اقتصر عملها حتى العام 2003 على نشر الدعوة السلفية بين الشباب المجدلي وشباب القرى المجاورة.
تكرست مسيرة الفكر السلفي الجهادي في العام 2003 مع الانشقاق في الحركة السلفية الذي حصل على خلفية جواز تكفير افراد المؤسسة العسكرية والقوى الامنية، فاحتفظ الشيخان امامة وعبد الرحمن بالفكر السلفي الدعوي، فيما برز الفكر السلفي الجهادي الذي تزعمه محمد ياسين الملقب بـ«ابي حذيفة» وارتبط بالقتال داخل العراق، مع علاقة وثيقة بتنظيم «القاعدة» وهذا ما جاهر به في كل محطات التوقيف التي تعرضوا لها وكانوا واضحين بالحديث عن علاقتهم بـ«القاعدة» وكيف توطدت العلاقة بين سلفيي مجدل عنجر وتنظيم «القاعدة» عبر «امير بلاد الرافدين» ابي مصعب الزرقاوي ونائبه ابي محمد اللبناني او «صهر مجدل عنجر».
بعد الانشقاق، انطلق «سلفيو الجهاد» الى إعداد العدة للقتال في العراق في ظل تسهيلات من البلدان المجاورة للعراق، وهنا برز اسم الشهيد اسماعيل الخطيب، الذي تولى تدريب وتأمين بعض الشبان واعدادهم لخوض معارك ضد الاحتلال الاميركي في العراق، بالتنسيق مع ابي مصعب الزرقاوي. وكان لشبان مجدل عنجر دور كبير في الجهاد في العراق حتى ان احد ابنائهم المعروف باسم ابي محمد اللبناني تولى مهام مساعد امير تنظيم القاعدة في العراق.
الاضاءة الرسمية الاولى على الحركة السلفية المجدلية كانت في ايلول 2004 مع توقيف «مجموعة اسماعيل الخطيب» واتهام الأخير بانه «امير تنظيم القاعدة» في لبنان وبالتخطيط لتفجير السفارة الايطالية في بيروت. فقد شكل هذا الاعلان منعطفا مفصليا في مجدل عنجر التي رفضت آنذاك اتهامها بالارهاب ومحاولة التفجير في بيروت، انما اصرت على المجاهرة بحقها في الجهاد في العراق ضد الغزو الاميركي.
يؤكد السلفيون ان توقيف اسماعيل الخطيب ورفاقه من نبيل جلول الى محمد عبد الخالق وجمال عبد الواحد وابراهيم عدي، كان بتهم ملفقة وعندما لم يستطيعوا الوصول الى شيء قتلوا اسماعيل الخطيب الذي يشكل رمزا للمظلومية المجدلية التي انتصرت آنذاك لابن مجدل عنجر المظلوم وليس لاسماعيل الخطيب صاحب الفكر السلفي الجهادي، وكان لافتا للانتباه ان الذين اوقفوا في قضية السفارة الايطالية كان لهم تاريخ في القتال داخل العراق.
ولمجدل عنجر شهداء كثر قضوا في العراق ابرزهم حسن صوان، ابو محمد نوح، على الخطيب ابو محمد اللبناني ونجله محمد، يحيى العجمي وعبد الله عبد الخالق.