أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

عائلــة حســن نايــف شــمص تهــدّد باســترجاع مسدّســها مــن الدولــة:

الخميس 01 آذار , 2012 02:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,180 زائر

عائلــة حســن نايــف شــمص تهــدّد باســترجاع مسدّســها مــن الدولــة:

بأعصاب مشدودة، تنتظر العائلة جلسة اليوم في بعبدا، التي خُصّصت لنطق الحكم بحق المدير السابق لـ«الدفاع المدني» العميد المتقاعد درويش حبيقة، واستجواب المسؤول السابق عن مركز «الدفاع المدني»، في المريجة، ع. ش.. 

اليوم، بالنسبة إلى العائلة المفجوعة منذ سبع سنوات، هو الفيصل. يقولون: «لقد غرزنا، في تلك السنوات، سيف الثأر بين جدران القانون، وقضبان القضاء. قُتل ابننا ظلماً، وبقي ينزف ساعات على قارعة الطريق. قتله سائق بلا دفتر قيادة، ولم يُحاسب أحد. جلسة اليوم هي ورقتنا القانونية الأخيرة».

البداية

عند الحادية عشرة ليلاً، في السادس والعشرين من آب عام 2005، كان حسين شمص عائداً إلى منزل العائلة في الشياح. وفيما كان يبدّل ملابسه، ورده اتصال هاتفي يقول: «توفي شقيقك حسن في حادث سير. أنا من مخابرات الجيش».

من الشياح، وبثياب النوم، هرع حسين مذهولاً يسير على قدميه بحثاً عن شقيقه. المتصل لم يخبره عن مكان الحادث، وحسين صرخ في المنزل معلناً الخبر. أفراد العائلة يسيرون كأنهم نيام، كل منهم في شارع، سيراً على القدمين.

يتذكرون تفاصيل الليلة، وما تلتها من ليالٍ وأيام، كأنها حلّت قبل ساعات: «بعد بحث مضنٍ، أعمى، عرفنا أن حسين ملقى على طريق المريجة، بعد ساعة من الجري. كان مكسواً ببلوزة وبنطلون أبيضين. جلسنا القرفصاء إلى جانبه، نحدّق في جسده بذهول. شهود العيان أخبرونا أن السائق صدمه قبل ساعتين أو أكثر من وصولنا».

دم حسن تخثر على الطريق. أصبح جثة هامدة، بينما أمه، وحتى الساعة الرابعة فجراً، كانت تتجوّل في سيارة أجرة متفقدة كل مخافر الضاحية، إلى أن عرفت أن ابنها راقد في مستشفى «الرسول الأعظم». ماذا حدث؟ «حسن راح» أخبروها.

قبل مقتله، كان حسن، ابن التاسعة والعشرين، مغترباً في السعودية. يقول في رسائله إلى العائلة: «العيش في وطني غربة». وذات يوم، أرسل لهم رسالة مباغتة: «أنفقوا كل الأموال التي أرسلها. أنا لا أريد شيئاً لي. وبالمناسبة، صحتي بألف خير». آنذاك، كتب حسن رسالته من سرير المستشفى في السعودية، محاولاً دفن حدس الأم بوجع ابنها. نجح في كتمان ألمه، قبل أن يُكشف أمره، بعد عودته إلى وطنه.

عندما قُتل حسن، قبل يومين من عقد قرانه، أقام أهالي عين الرمانة قدّاساً عن روحه في الكنيسة. كان حسن يعمل في أحد أفران المنطقة، واشتهر بين أهالي عين الرمانة بحسن خلقه، وكرمه، وحبّه أبناء وطنه بلا أي تمييز طائفي. 

بعد مقتله، انقلبت حياة العائلة، متوغلة في نفق طويل: المأساة حاضرة في المنزل لا تبارحه. مراسم العزاء قائمة منذ سبع سنوات. اللون الأسود يطبع الثياب والوجوه الحزينة. لحية الأب طويلة، حزينة. والدة حسن لا تصدّق خبر موته. تنسى، فتتوجه إلى مكان الحادث. تبكيه هناك. يتسلل إليها، في مناماتها، كل يوم.

بحثاً عن المتورطين

ثمة سخط كبير، لدى العائلة، على «حزب الله». «شقيقنا حسن كان يحب المقاومة، وأوصانا بأن نقترع للحزب في الانتخابات»، يقول الأشقاء بحسرة. 

لحسن أربعة أشقاء، أصغرهم يبلغ من العمر 28 عاماً، وشقيقتان: آمال، وهي البكر، ومنى العشرينية. تقول منى إن الحزب ضغط على مدير المدرسة التي كانت تعلّم تلامذتها، وتسبب بطردها من المدرسة، بسبب مواقف العائلة من الحزب.

في منزل العائلة أكثر من أربعة ملفات كبيرة الحجم، في كل منها العشرات من المستندات والوثائق التي تحاكي حيثيات وقوع الجريمة. «لم تعد المسألة قضية شخصية فحسب، بل إنها وطنية: إهمال الدولة، وحماية الحزب للسائق، والتعاطي بإهمال مع القضية، ليس أمراً شخصياً».

يفنّد أفراد العائلة خلافهم مع الدولة والحزب، بالقول: «بعد أسبوع من وقوع الجريمة، تعرّضنا لتهديدات من جانب الحزب، بغية منعنا من إقامة اعتصام مناهض لإهمال الدفاع المدني. آنذاك، انتابنا الشك، فما علاقة الحزب بالموضوع؟».

يجيب الأشقاء عن سؤالهم: «تبيّن لنا أن سائق الشاحنة، واسمه ط.ع.، محسوب على الحزب، والأمر ذاته بالنسبة إلى مسؤول المركز، ع.ش.. السائق سجن نحو خمسة أشهر فقط، علماً أن الوثائق تثبت عدم حيازته دفتر قيادة، وليس لديه أمر مهمة، ومر في الشاحنة بطريق ممنوع أن تمر به الشاحنات بسبب ضيقه».

آنذاك، انقشع الضباب عند العائلة، وبدأت رحلتهم الطويلة التي طغت على حياتهم اليومية. «لم يبق مسؤول في الحزب إلا زار منزلنا. مطالبنا كانت واضحة: لا نريد أي تعويض مالي، لأنه رشوة ودم شقيقنا ليس للمزايدة. نريد محاسبة المتورطين، وهم حبيقة وش. وإعادة محاكمة ع.، وإغلاق مركز المريجة».

تحقيق فردي

لم تكتف العائلة بعرض مطالبها. تولّت آمال، وشقيقتها منى، مهمة شاقة: التحقيق الاستقصائي. استطاعت آمال، في بحثها كمحققة محترفة ولو مبتدئة، أن تحصل على كل «وثيقة تثبت الفساد الذي يعتري قضية شقيقي». أما منى، فقد قدّمت رسالتها للماجستير عن «الدفاع المدني». هي الآن خبيرة في جوانب الملف، و«فضائح الجهاز».

موازاة للمتابعة القضائية، كان أشقاء حسن يستنزفون صبرهم، فهم «نريد الثأر لأننا نعرف أن الدولة لن تجلب لنا حقنا. هل هو مطلب خطير أن تتم محاسبة المسؤولين عن مقتل شقيقنا؟ لقد أغلقنا المركز بقوة السلاح. ويبدو أن محاسبة المسؤولين ستكون بالقوة أيضاً. سبع سنوات من المحاكم لم تقدّم لنا شيئاً».

والد حسن يتحدث برصانة. أولاده يقولون إن الطبيب منعه عن التدخين، لكنه رفض. ولما عرف أن سيجارة واحدة كافية لموته، قال للطبيب: «هذا يعني أنني سأموت قبل تحقيق هدفي الأخير في الحياة؟ سأموت قبل أن أسترد حق ابني حسن؟».

حدث هذا قبل خمس سنوات. كان الأب يدخن يومياً أكثر من أربع علب سجائر. لكن بعد زيارة الطبيب، وتيقنه أن السيجارة ستحول دون تحقيق هدفه، توقف عن التدخين. يقول الأب، بنبرة هادئة: «مسدسنا مع الدولة. وقد آن الأوان لاسترداده. نحن نعرف كيف نستخدمه أكثر».

الإنذار الأخير

في صالون منزل العائلة صندوق أسود، يعبق برائحة عطر عربيّ. الصندوق مؤتمنٌ على الأغراض الشخصية لحسن: ساعة يده التي كانت تلف معصمه أثناء الحادث، جواز سفره، دفتر القيادة، سجادة الصلاة الخاصة به، حقيبة أمواله الصغيرة. حسن كان متكفلاً بتعليم آمال ومنى، وواظب على سداد أقساط المنزل.

يسلّم أفراد العائلة بالقضاء والقدر، يقولون إن الله أخذه إليه. لكنهم، في المقابل، يقولون إن الإهمال كان السبب في مقتل شقيقهم. و«مطالبنا كانت محاسبة المسؤولين عن هذا الإهمال. لكن الحزب («حزب الله») نحّى السائق جانباً، وتولّى هو متابعة الملف. وبذلك، أصبح طرفاً في القضية».

آمال المتشحة بالسواد منذ سبع سنوات، تصرّ على عبارة ترددها بين الحين والآخر: «لو أننا تقاعسنا عن محاسبة المسؤولين، أما كان قد تحوّل قتل الأبرياء، بسبب الإهمال، إلى عادة لا يُحاسب عليها المسؤول؟ نحن لا ندافع عن حسن فحسب، بل عن كل مظلوم يُطلب منه السكوت عن حقه. نحن عائلة غير حزبية، وخلافنا مع الدولة ليس عشائرياً. لو أننا نريد الثأر للثأر، لكان أشقاء حسن قد تصرّفوا بعد مقتله بأيام. نحن طلاب حق».

يهزّ الأشقاء رؤوسهم متفقين مع حديث آمال. يقاطعها أحدهم: «المعنيون في الموضوع ظنّوا أن تهديداتنا فارغة. هم لا يعرفون أن تحركات المسؤولين الثلاثة عن مقتل شقيقي، تحت مراقبتنا. نعرف حتى لائحة طعامهم اليومية».

اليوم، بالنسبة إلى العائلة، الفيصل: «ماذا مطلوب منّا؟ سلّمنا دماء حسن للقضاء، لكن الدولة تبدو كمن تعتــذر عن ضعفها، في أبسط الأمور: محاســبة الفاعــلين، لردع البقية. اليوم، إما تُنــزل أشد العقوبات بحق حبيــقة وش.، وتُعاد محاكمة ع. محاكمة غير مسيّسة، وإما نستلّ سيف العشيرة».

«حزب الله» يستغرب: ما مصلحتنا؟

تستغرب أوساط «حزب الله»، المطّلعة على قضيّة الشاب حسن شمص، «الهجوم الذي تشنّه عائلة الفقيد على الحزب، علماً أننا حاولنا، بشتى السبل، الوصول إلى حلول»، نافية وجود «أي تدخل من جانبنا في القضاء». 

وتشير الأوساط المعنية إلى أن «الحزب سجّل، بخط يد المعني في العائلة، كل مطالبهم، ووافقنا عليها كي نردعهم عن اللجوء إلى الثأر»، متسائلة: «ما هي مصلحتنا في التعتيم على الموضوع؟ فالسائق سجن، وع.ش. يُستجوب اليوم». 

ويؤكد المعنيون أن «الحزب يتفهم ألم العائلة ووجعها، فحسن واحد من أبنائنا، وخسارته هي خسارة للحزب»، مشيرين إلى أن الحزب «ما زال عند موقفه المتمثل بعدم الثأر والوثوق بمجريات القضاء». 

وتنفي الأوساط أن يكون «الحزب قد تعرّض لأي فرد من أفراد العائلة، بأي شكل من الأشكال».


Script executed in 0.18756198883057