أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

العاصمـة تهتـف: «الله لبـنان وبـس»

الخميس 01 آذار , 2012 03:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,483 زائر

العاصمـة تهتـف: «الله لبـنان وبـس»

هذا ليس يوماً للعمل، ولا الدراسة، ولا الطبخ، ولا تنظيم حركة السير، ولا حتى اللهو. هذا يوم تعامل معه اللبنانيون كيوم للواجب الوطني، دعماً لمنتخبهم الوطني في كرة القدم الذي لم يسبق له في تاريخه أن وصل إلى هذه المرحلة من التصفيات لكأس العالم. 

يوم، ما كان يظن كثيرون أنهم سيشهدونه، أو سيتسمرون أمام الشاشات لأجله، أو سيعودون باكرا من المدارس لمتابعة مجريات مباراة مصيرية لمنتخبهم الوطني، لكن هذا اليوم وقع بالفعل، ورتبت يوميات اللبنانيين على وزنه يوم أمس. بينهم من أنهى عمله باكرا، أو نظم أعماله المنزلية، أو ألغى أي مواعيد مقررة ما بين الثانية والرابعة من بعد ظهر أمس. بهذا المعنى قُلب نهار اللبنانيين إلى ليل، بحيث تجاهلت الغالبية برامج العمل الاعتيادية واتخذت استراحة في مقهى أو في المنزل في جلسة أمام التلفزيون لا تكتمل إلا والنراجيل والمشروبات نجومها. 

الغالبية الساحقة التي تابعت مباراة الأمس كانت بطبيعة الحال تنتظر النتيجة التي سيحققها لبنان ضد المنتخب الإماراتي، لكن الغالبية عينها كانت تعلن فرحتها سلفاً بغض النظر عن النتيجة، فرحة مصدرها الأساس وصول لبنان إلى هذه المرحلة. الاحتفالية الوطنية التي عاشها كل مواطن لبناني أمس، حكت مجددا رغبة هذا المواطن بالهرب من يوميات لبنانية اجتماعية وسياسية واقتصادية ثقيلة، وحاجته الملحة إلى ما يلهيه عن ظروف معيشية قاسية وحساسيات طائفية عادة ما تغرز تحت الأظافر. حساسيات لم تجد لها مكاناً في مباراة الأمس، التي وحدت الصف اللبناني بكل معنى الكلمة، في السر وخلف الجدران وفي الإعلام والشارع وفي الأحاديث الجماعية. كان الجميع يريد أن ينسى التفاصيل ويركز على حدث جلل وهدف واضح: الفوز والتأهل.

الفرحة العارمة التي غطت لبنان، عاشها الجميع إلا غضب السماء التي لم تتوقف عن المطر الغزير مع انخفاض شديد في درجات الحرارة مما جعل الجماهير المشجعة تختار مقاهي وأماكن مغلقة لمشاهدة المباراة. أما الفرحة الأكبر فكانت لطلاب المدارس الذين انتهى دوامهم قبل الموعد المعتاد، وبدأت احتفالاتهم قبل أن تنطلق المباراة فتجدهم يصفقون ويغنون ويلوحون بالعلم اللبناني في حافلات المدرسة العائدة بهم إلى المنازل.

هكذا كانت النصف ساعة الأخيرة قبل انطلاق المباراة عند الثانية هي الذروة في ازدحام السير، إذ اختنقت الشوارع بالسيارات، لا سيما في قلب المدينة وأحياء مثل مار الياس والطريق الجديدة والحمرا وفردان والمزرعة وساحة ساسين. لم يدم الازدحام الجنوني أكثر من نصف ساعة، لتخلى الشوارع عند الثانية بسحر ساحر وكأن المدينة فرغت من ناسها أو أنهم سارعوا إلى بيوتهم لأداء واجب وطني علا شأنه على السياسة أو التظاهرات أو حتى الانتخابات. 

عند الثانية والنصف، كان الشرطي في شارع فردان يتلفت حوله من دون أن يجد عددا يذكر من السيارات في الشارع ليطبق عليها نظامه، وبدا كمن يعلن ملله من هدوء الشارع غير الاعتيادي في هذا الوقت من النهار. خلفه تماما، كان المقهى ذو الواجهة الزجاجية يحتضن هتاف المشجعين من الرواد الذين راحت رؤوسهم تميل كيفما تحركت تلك الكرة ما بين أقدام اللاعبين. 

ما كان وسام أحد رواد المقهى يتوقع أن يتسمر يوما ما ليتابع مباراة بهذه الأهمية لفريق كرة قدم، ولا يكون هذا الفريق فريقا عالميا كالبرازيل أو الأرجنتين مثلا، «لم أهتف يوما بهذه الحماسة لفريق عربي، ولم أهتف يوما للفريق الوطني إلا في المباراة السابقة ضد كوريا واليوم». يقول وسام إنه «بعد فوز لبنان على الفريق الكوري تغيرت المعادلة، وتغيرت نظرة اللبنانيين إلى منتخبهم الوطني وحتى إلى لعبة كرة القدم التي كانوا على وشك أن ينسوها أو يتعمدوا تجاهلها». 

أمس، بعض من أجبر على العمل، كان تركيزه مشتتا، وألزم بالدراسة أو التدريس كانت أفكاره تسافر إلى الإمارات، ومن لم تتوفر له وسيلة لمتابعة تطورات اللعبة، ما كان منه إلا أن يستعين بصديق، هذه حال الشرطي عند أحد التقاطعات الرئيسية في شوارع بيروت الذي لم يملك خياراً إلا توقيف سيارة لسؤال سائقها عن النتيجة، وعندما علم بتعادل 2-2 في نهاية الشوط الأول، لم يصدق الخبر وانفرجت أساريره.. ونسي لثوان متابعة عملية تنظيم السير. 

هدوء الشارع لا يشبه بأي شكل الهتافات والأجواء الحماسية التي طغت على ملاعب ومقاهي بعض الجامعات في بيروت والتي رفعت شاشات ضخمة تسمح للطلاب بمتابعة المباراة. على مدى دقائق المباراة التسعين لم يتوقف غناء وإطلاق الأبواق هنا في حرم الجامعة اللبنانية الدولية، حتى عند انقطاع البث بسبب الأحوال الجوية والتشويش. وزع الطلاب الأدوار، منهم من رتب «الجلسة» والمقاعد التي حضنت عشرات من الجماهير ومنهم من رفع الأعلام والرايات، وتولى عدد من طلاب قسم الفنون والتصميم رسم العلم اللبناني على الأيدي والوجوه كجزء مكمل للاحتفالية التي تكسب في هذه الجامعة أهمية خاصة لوجود أحد طلابها اللاعب هيثم فاعور ضمن المنتخب الوطني. 

أما من وجد الأجواء داخل الحرم الطلابي هادئة نسبيا، ففضل أن يرتاد حانات الحمراء كما فعل عدد من طلاب «الجامعة الأميركية في بيروت» و«الجامعة اللبنانية الأميركية». كذلك توزع قسم من طلاب جامعة القديس يوسف في هوفلان في الأشرفية وفي أحرام المتحف على المقاهي الصغيرة المنتشرة في الأزقة الصغيرة. 

كل العاصمة بشوارعها ومناطقها الشعبية والراقية عاشت لحظات مباراة الأمس، وكل على طريقته، إن كان بإطلاق الأبواق لدراجاتهم نارية أو تجمع عدد من أصحاب المحال المجاورة في شارع عفيف الطيبي في الطريق الجديدة مثلا، في محل واحد يجمع هتافهم وحماستهم أو تجمعهم في المطاعم الصغيرة. 

لم يفز لبنان يوم أمس، إنما لم يخسر. في هذه النتيجة ما يشبه معادلة الوسط التي يعيشها لبنان دوماً. يوم أمس انتهى وسينسى البعض الأهداف الأربعة التي دخلت مرمى المنتخب اللبناني، إنما لن ينسى أحد أنه ليوم واحد سُمع شعار واحد في هذا البلد: «الله، لبنان وبس»، أما شعارات مثل «الله طريق الجديدة حريري وبس»، و«أمل، أمل، أمل»، و«الله معك يا نبيه» فتنتظر مناسبة سياسية بحتة يختلف عليها الكل.. أمس لم تكن هي.


Script executed in 0.1898729801178