دخلت العاصفة الثلجية يومها الثاني أمس مخلفة وارءها رداء أبيض فرض نفسه على مختلف القرى والبلدات، ابتداء من ثلاثمئة متر، ولامست الثلوج السواحل في بعض المناطق، كما أدت العاصفة إلى قطع العديد من الطرق، التي عملت الجرافات التابعة لوزارة الأشغال والدفاع المدني على إعادة فتحها، وإلى إحداث أضرار في المزروعات والحقول والبيوت البلاستيكية، وفي الأملاك العامة وجدران الدعم، ومحطات الكهرباء، واللوحات الإعلانية، ومراكب الصيادين. وعزلت القرى الجبلية، حيث جمدت الحركة بانتظار انفراجات. إلا أن الانفراجات لن يشهدها لبنان اليوم، فقد توقعت «مصلحة الأرصاد الجوية» في «إدارة الطيران المدني» أن يكون الطقس اليوم ماطراً ومثلجاً على 300 متر وما دون في الشمال، وتنحسر الأمطار خلال الليل على الساحل، بينما تستمر الثلوج بالتساقط على المرتفعات وفي الداخل. وتتساقط ثلوج خفيفة على 400 متر وما فوق صباح الغد، ويكون الطقس غائما جزئيا على الساحل، الذي تسوده الأمطار مع رياح شديدة بعد الظهر وليلاً، بينما تتساقط الثلوج على 600 متر وما فوق. وتراوح الحرارة على الساحل من 4 إلى 7 درجات، وفوق الجبال أربع درجات تحت الصفر إلى درجة، في الداخل من 5 درجات تحت الصفر إلى درجتين.
العاصفة شمالاً
وعاشت المناطق أمس ذروة العاصفة، ففي طرابلس أدت العاصفة إلى سقوط عدد من اللوحات الإعلانية، وانهيار أجزاء من جدران متصدعة، كما انهارت كلمة لفظ الجلالة الموجودة في «ساحة عبد الحميد كرامي». وتمت إعادتها إلى مكانها على وجه السرعة بواسطة الورش البلدية. وأدت السيول الناتجة عن الأمطار إلى تفاقم مشكلة الحفريات. وارتفعت صرخة الأهالي، محملين الشركة الملتزمة مسؤولية الضرر اللاحق بهم وبتجارتهم، مطالبين «مجلس الإنماء والاعمار»، والبلديات المعنية إلزام الشركات بضرورة إنجاز الحفريات بالسرعة اللازمة، والتعويض عليهم والعمل على المحافظة على مصالحهم.
وفي الكورة، غطت الثلوج المناطق الجبلية المشرفة على القضاء، ولامس بساطها الابيض بلدات على ارتفاع 700 متر، حيث وصلت سماكة الثلج فيها إلى 10 سنتمترات، للمرة الاولى منذ أربع سنوات. وأدت العاصفة الى انقطاع التيار الكهربائي في عدد من البلدات الكورانية والى اقتلاع عدد من الأشجار واللوحات الاعلانية.
وفي البترون، تساقطت الثلوج على الساحل وفي الوسط وانهمرت الامطار بغزارة وحولت الطرق إلى بحيرات، واشتدت الرياح وأحدثت أضرارا في الممتلكات والمزروعات والبيوت البلاستيكية وفي الشبكات الهاتفية والكهربائية حيث غرقت معظم القرى بالظلام. وفي بلدة بساتين العصي ـ كفرحلدا انهارت خيمة حديد وقرميد لمطعم في المنطقة بمساحة 600 متر مربع بكاملها، وناشد صاحب المطعم ستيفن شاهين الأجهزة المعنية والهيئة العليا للإغاثة الكشف على الاضرار التي لحقت به وإعطاء التوجيهات لمن يلزم بالتعويض عليه. وأقفلت الثلوج معظم الطرقات الجبلية ابتداء من ارتفاع 750 مترا. وقطعت طريقا تنورين ـ اللقلوق وتنورين ـ حدث الجبه حيث بلغت السماكة 3 أمتار وحاولت الجرافات فتحها، كما اقفلت المدارس أبوابها وكذلك الادارات العامة والمؤسسات بسبب عدم تمكن الموظفين والمعلمين والطلاب من الخروج من منازلهم بحيث كانت كل الطرقات الفرعية والداخلية مقفلة.
وفي الضنية، حاصرت الثلوج معظم سكان قرى وبلدات الجرد وفرضت عليهم عطلة قسرية للمدارس والمؤسسات والمحال التجارية، ولم تفلح كل محاولات ورش الأشغال من إعادة وصل ما انقطع من طرق. ولامست الثلوج جبل تربل المطل على مدينة طرابلس. كما أدت الثلوج إلى قطع الطريق المؤدية إلى مستشفى الضنية الحكومي الكائن في بلدة عاصون. وناشد الأهالي الجهات المعنية العمل لإعادة فتح الطرق في مناطقهم، والعمل على إعادة التيار الكهربائي.
وفي عكار، حولت العاصفة غالبية القرى والبلدات العكارية الى قرى مظلمة معزولة، حيث تسببت الرياح القوية وكثافة الثلوج في القرى الجردية بتعطل خطوط التوتر العالي في أكثر من منطقة وبالتحديد في منطقة جرد القيطع، وبلدات عكار العتيقة، التي تعيش في الظلام منذ ليل أول أمس، كما أدت الثلوج الى انقطاع كابلات الانترنت وتعطل إرسال الخطوط الخلوية في المناطق الجردية.
وغمرت الثلوج القرى العكارية ابتداءً من ارتفاع 600 متر فأغلقت الطرق الرئيسة والفرعية. وتسببت كثافة الثلوج بمحاصرة بعض العائلات في منطقة وطى مشمش، ما استدعى تدخل الجيش اللبناني. وجرفت مياه النهر الكبير الجنوبي المواطن سعود الدندشي من بلدة مشتى حمود، وذلك أثناء محاولته ليل أول أمس العبور من الأراضي السورية حيث يقطن مع ذويه في بلدة الحويش السورية، وبينما تمكن ذووه من العبور سقط هو في المياه التي جرفته الى جهة مجهولة، وقام الجيش اللبناني والدفاع المدني بالعمل على سحب الجثة أكثر من مرة الا أن محاولاتهم باءت بالفشل بسبب تعرضهم لإطلاق نار من الجانب السوري.
وفي إهدن، اقفلت طريق البلدة الرئيسية في إهدن، وأقفلت المدارس، ولحقت أضرار في بعض اللوحات الإعلانية. وأدت الرياح إلى اقتلاع عدد من الاشجار الصغيرة. وقد التزم معظم المواطنين في قضاء زغرتا منازلهم حيث لامست الثلوج قرى كفرزينا وعرجس وغطت مزيارة بكاملها. وفي بشري، تعطلت الحياة في قرى قضاء بشري الجبلية حيث وصلت الثلوج في مدينة بشري إلى نصف متر، فيما تخطت الثلاثة امتار في الارز التي باتت الطريق اليه مقفلة حتى امام السيارات المجهزة. وقد اقفلت المدارس والمحال التجارية والمؤسسات والدوائر الرسمية.
وفي جبيل، تراكمت الثلوج على ارتفاع 600 متر وما فوق. وأفاد مركز جرف الثلوج في إهمج أن جميع طرق جرود جبيل سالكة أمام السيارات باستثناء طريق اللقلوق - العاقورة، اللقلوق - تنورين، بينما بقيت طريق قرطبا - المجدل - العاقورة سالكة بصعوبة أمام السيارات المجهزّة بسلاسل معدنيّة. وتسببت العاصفة بأضرار في الزراعات الشجرية، وبانقطاع التيّار الكهربائي عن أكثر من قرية.
الثلوج تغطي البقاع
في البقاع، أحكمت الثلوج سيطرتها الكاملة على مختلف القرى والبلدات. وتكفلت العاصفة بعزل كافة القرى والبلدات الجبلية بدءا من ألف متر، مع استحالة الوصول إلى القرى التي يزيد ارتفاعها عن 1500 متر، كحال بلدة حزرتا البقاعية التي انقطعت عن بقية البلدات البقاعية في ظل تذمر من الأهالي من تلكؤ وغياب جرافات وزارة الاشغال. كما سجلت معاناة كبيرة لقاطني قرى مريجات وبوارج وعابري بسبب تراكم الثلوج، في ظل اقفال تام لطريق شتورة - ضهر البيدر بالكامل. واللافت أن جرافات وزارة الاشغال العامة توقفت عن العمل لساعات بسبب عدم وجود وقود كاف للجرافات، الأمر الذي تسبب بتراكم الثلوج، وإقفال الطريق الدولية بالاتجاهين. وتسببت العاصفة بشل حركة العبور عند الحدود اللبنانية – السورية في منطقة المصنع الحدودية.
كما الحقت العاصفة الثلجية اضراراً كبيرة في شبكة التيار الكهربائي في المناطق التي تتغذى من مؤسسة كهرباء لبنان، وشكا أهالي جديتا من احتراق أحد المحولات الأساسية. وحجزت العاصفة عشرات من السيارات على طريق زحلة – ضهور الشوير، وشتورة – ضهر البيدر وعلى الطريق الدولية بين لبنان وسوريا.
أما في مدينة بعلبك، فقد تعدت سماكة الثلوج نصف متر. وفي البلدات المرتفعة عملت جرافات وزارة الاشغال، والبلديات، على محاولة فتح الطرق. إلا انها لم تستطع فتح طريق حام - معربون حيث وصلت الجرافات إلى منطقة النبي سباط. وقد بلغت سماكة الثلوج أكثر من متر، وفي بلدتي عيناتا واليمونة فقد فتحت الطرقات امام السيارات ذات الدفع الرباعي وللحالات الطارئة فقط.
في البقاع الغربي وراشيا، عزلت عشرات القرى عن العالم الخارجي، وتوقفت حركة السير، باستثناء طريق المصنع – الرفيد – مثلث ضهر الأحمر – مثلث كفرمشكي، التي ظلت سالكة أمام سيارات الدفع الرباعي، والمجهزة بسلاسل معدنية. وتحوّل سهل البقاع وسهل عيحا الى برك عائمة بالمياه الناجمة عن تساقط الثلوج وذوبانها، في حين داهمت السيول والفيضانات العديد من المنازل في بلدة غزة وحوش الحريمة، وتسببت بأضرار مادية، بعدما لجأ أصحابها الى منازل الأقارب والأصدقاء، وقد سارعت بلدية غزة الى استخدام الجرافات لاستحداث أقنية لتصريف المياه. واستمر انقطاع التيار الكهربائي لليوم الثالث على التوالي، بعدما تسببت الثلوج بإصابة الشبكات المهترئة وخطوط جر الطاقة التالفة، بأضرار وأعطال، في ظل غياب شبه تام لفرق الصيانة التابعة لمكتب المؤسسة في راشيا والبقاع الغربي، على الرغم من المراجعات المتكررة والاتصالات التي أجراها الأهالي مع المسؤولين. أما مادة المازوت المستخدمة في التدفئة، فقد فقدت من بعض المحطات، في حين لجأت محطات أخرى الى رفع سعر الصفيحة إلى 35 ألف ليرة.
وفي عاليه، حاصرت الثلوج القرى والبلدات الجبلية التي يزيد ارتفاعها على السبعمئة متر، فيما شلت الحركة في القرى الاقل ارتفاعا بدءا من خمسمئة متر. وقطعت الطريق الدولية ابتداء من مستديرة عاليه. وكان لافتا للانتباه أن البلديات التي لا تملك جرافات، عمدت إلى استئجار جرارات وجرافات صغيرة (بوبكات) تولت فتح الطرق الداخلية في عاليه والمتن الاعلى. وتجدر الاشارة إلى أن معظم القرى التي يزيد ارتفاعها على الألف متر اعتبرت محاصرة بالثلوج، وسط صعوبات واجهت المواطنين لجهة الحصول على مادة المازوت والمواد الغذائية الضرورية.
ولفت موجة من الصقيع منطقة إقليم الخروب، في وقت تشهد المنطقة غزارة في هطول الامطار، حيث تحولت معها معظم الطرق الى مستنقعات وبرك تتجمع في وسطها الامطار. وتسببت موجة الصقيع بتهافت المواطنيين على محطات المحروقات لشراء مادة المازوت للتدفئة، فيما البعض قصد الحقول لجلب الحطب والاخشاب بسبب الوضع الاقتصادي الصعب وارتفاع أسعار المحروقات.
وفي حاصبيا، لامست الثلوج وادي الحاصباني، بعدما غطت فجرا مرتفعات شويا وعين قنيا وكفرحمام وحاصبيا. وقطعت الطرق. وطافت مياه الحاصباني على المتنزهات القائمة على جانبيه متسببة بأضرارعدة. كما غمرت المياه ايضا بساتين الحاصباني، وأغرقت السيول العديد من السهول. ومزقت الرياح الكثير من الأغطية البلاستيكية. وشهدت الطريق الدولية بين المصنع والحاصباني وصولا الى النبطية حركة سير غير عادية، خاصة لشاحنات النقل الخارجي، بعدما حولت الأجهزة الأمنية المعنية وقوى الأمن الداخلي حركة السير من ظهر البيدر. وتسببت الثلوج بإقفال المدارس الرسمية والخاصة في المنطقة. كما أقفل معظم المؤسسات الخاصة والرسمية. وذكر العديد من رعاة الماشية في تلال العرقوب نفوق عدد من رؤوس الماشية بسبب البرد وعدم توفر العلف اللازم.
وأعلنت «مؤسسة كهرباء لبنان» في بيان أمس، أن العاصفة «أدت إلى حصول عطل على المحول 150/66 ك.ف، في معمل الجية الحراري، ما أثر سلبا على التغذية بالتيار الكهربائي على قسم من منطقة جبل لبنان والمناطق التي تتغذى من محطتي الدامور وسبلين»، لافتة إلى أن الفرق الفنية «تعمل في المؤسسة على تصليح المحولين واعادة الوضع الى طبيعته». وأضافت: «تسببت العاصفة بأعطال عدة على شبكة التوزيع التي أصيبت في عدد كبير من المناطق بأضرار جسيمة حيث تبذل فرق التصليحات في المؤسسة ورغم كل الصعوبات والنقص في العناصر البشرية جهودا مضاعفة لتصليح الاعطال واعادة تزويد المواطنين بالتيار الكهربائي».
وصـدر عـن المديريـة العامـة لقـوى الأمـن الداخـلي ـ شعبـة العلاقـات العامـة بـلاغ أمس، لفت إلى أن المديرية العامة أعطت «أوامرها إلى القطعات العملانية بالبقاء على جهوزية للتدخل الفوري واتخاذ التدابير والإجراءات الوقائية التي من شأنها تسهيل حركة السير على مختلف الطرق، والحؤول دون تعرض المواطنين للخطر لا سيّما قاطني المناطق الجبلية وسالكي طرقاتها. ومنع مرور السيارات على الطرق التي يمكن أن تعرّض العابرين عليها للخطر. وتقديم يد العون والمساعدة للمواطنين بخاصةٍ في المناطق الجبلية المعزولة وسالكي الطرق بحال انقطاعها وإيوائهم وفقاً للإمكانيات المتوفرة لدى القطعات. وإجراء التنسيق اللازم مع الجيش اللبناني والإدارات العامة المعنية والبلديات». وطلبت المديرية من المواطنين «عدم سلوك الطرقات الجبلية إلا بعد التأكد من حالتها والحالة الميكانيكية لسياراتهم، وتجهيز الإطارات بالسلاسل المعدنية، واتخاذ الاحتياطات الوقائية عند قيادتهم في أحوال جوية سيئة، كما وتذكرهم برقم الطوارئ 112».