انطلاقاً من هذه الانتهاكات وهذا اللغط، نظمت «جمعية ألف - الجمعية اللبنانية للتعليم والتدريب» ورشة عمل في شأن التوقيف والاحتجاز في لبنان، والتي عقدت على مدى يومين في «فندق غولدن توليب» في منطقة المتحف في بيروت، متطرقة إلى عناوين عدة عن أدوار الجهات الفاعلة في الدولة خلال فترة التوقيف والاحتجاز والمعايير الدولية لمسألة الاحتجاز، ووجهة نظر القاضي في عملية التوقيف والاحتجاز، ومدى الحاجة إلى وعي وطني للحد من التوقيف والاحتجاز التعسفي.
البداية، مع المحامي كارلوس داوود الذي لفت إلى أن «المادة 108 التي تحدد مدة الاحتجاز، تؤكد أنه ما خلا حالة المحكوم عليه سابقاً بعقوبة مدتها سنة على الأقل، لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجنحة شهرين. يمكن تمديدها مدة مماثلة حداً أقصى في حالة الضرورة القصوى»، علما أن القانون لا يحدد ما هي حالات الضرورة القصوى، ولا يلزم بإصدار قرار معلل، مما يجعل تمديد مهلة التوقيف أمراً استنسابياً. وتنص المادة على أنه «ما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وجرائم الارهاب وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقاً بعقوبة جنائية، لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجناية ستة أشهر، يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلل». ويشير داوود إلى «أن بعض الاستثناءات مثل الخطر الشامل، المدرجة في المادة غير محددة بدقة، مما يفسح المجال الواسع للاعتقال التعسفي».
أما في ما يتعلق بقرينة البراءة، أي أن يكون المشتبه فيه بريئاً حتى تثبت إدانته، فإن «قانون أصول المحاكمات الجزائية، لم يلحظ هذا المفهوم العالمي».
ويوضح داوود أنه خلال الأيام الأربعة التي يتم احتجاز المشتبه فيه تقع كثير من الانتهاكات ويسجل حالات تعذيب فظيعة للمحتجزين، وذلك بالضرب والتعذيب بالصعق الكهربائي ومن ثم يتم إخفاء آثار التعذيب ومعالمه بحيل معينة مثل إرغام المحتجز على وضع قدميه المعرضة للضرب في مياه باردة لمدة طويلة مثلاً.
ويؤكد أنه «لا بد من توثيق حالات التعذيب، ولا بد أن يتجرأ المدعي على الادعاء، وأن يتوفر محامي يتجرأ على الدفاع عنه، ونحتاج إلى قاض جريء ولديه ثقافة حقوق الإنسان، ويتجرأ على إصدار الحكم العادل».
ومن الانتهاكات التي يتعرض لها المحتجز، هي حرمانه من إجراء الاتصال بمحامٍ يختاره في الساعة الأولى لاعتقاله، لا في اليوم التالي أو بعد مرور ساعات على احتجازه وتعذيبه.
ويخلص إلى أن التوقيف يكلف وزارة الداخلية المليارات من الليرات في الصرف على التوقيف الاحتياطي، في حين أنه يمكن استبدال التوقيف الاحتياطي بإجراءات مراقبة أخرى، تكفل حرية الشخص الملاحق واحترام قرينة البراءة، ومن ناحية أخرى تكفل مصلحة التحقيق.
وأشار داوود إلى ثغرة كبيرة جداً في القانون لجهة تحديد مدة مقابلة المحامي لموكله داخل المقر وبقيت خاضعة لمزاجية الضابط العدلي، في حين أن المفاهيم الدولية حددتها بنصف ساعة حداً أدنى.
وصحيح أن القانون لم يعط صراحة أن للمحامي الحق بحضور التحقيق مع موكله لدى المخافر إلا أنه يمكن سد هذه الثغرة من خلال الاستناد إلى مبادئ المحاكمة الجزائية العادلة وحق الدفاع المقدس والمواثيق الدولية ذات الصلة واجتهادات المحاكم الدولية التي أجمعت على أن للمحامي الحق في حضور جلسة التحقيق مع موكله لدى الشركة وإلا كان التحقيق معيباً وباطلاً ومنتهكاً للمبادئ المذكورة.
الاعتقال التعسفي
عرفت من لانا بيدس من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في «الأمم المتحدة»، ماهية الاعتقال التعسفي «الذي يتم من دون أي مسوغ قانوني، والذي يخالف المادة 9 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان». وتنص المادة على أنه «لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً»، إضافة إلى المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تنص على أنه لكل فرد حق في الحرية وفي الأمان على شخصه. ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفاً. ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقاً للاجراء المقرر فيه».
وحددت بيدس الاجراءات التي يجب اتباعها عند الاعتقال، والتي حددتها المادة التاسعة من «العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية» والتي «توجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب التوقيف، ويقدم الموقوف بتهمة جزائية إلى القاضي سريعاً - ويجب أن تتم المحاكمة ضمن مهلة معقولة أو أن يفرج عنه»، إضافة إلى أنه «لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني».
أما في ما يتعلق باعتقال الأحداث، فإن قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لإدارة شؤون قضاء الأحداث تتضمن إعلام ولي أمره، وتوجب أن ينظر قاض في أمر الافراج دون تأخير.
وأشارت بيدس إلى أنه وفقا للمادة 8 من الدستور اللبناني، فإن «الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون ولا يمكن أن يقبض على أحد أو يحبس أو يوقف إلا وفاقاً لأحكام القانون ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة إلا بمقتضى القانون». وكل موظف يتعدى على حرية أحد الأشخاص يعاقب وفقا لأحكام المادة 367 من قانون العقوبات، إذ إن كل موظف أوقف أو حبس شخصاً في غير الحالات التي ينص عليها القانون يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة»، ووفقا للمادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية، فإنه يمنع الاحتجاز إلا بقرار من النيابة العامة، وفق المادة 32 من أصول المحاكمات الجزائية «هناك حق للمشتبه فيه باستجوابه فيه فور احتجازه وعدم إطالة مدة احتجازه».
وقدم القاضي خالد عكاري رؤية القضاء لمفهوم الاحتجاز، مشيراً إلى أن كثيراً من القضاة ومحققين لا يملكون تعريفاً واضحاً للاحتجاز وأهدافه المتمثلة بالدرجة الأولى بتوفير المشتبه فيه للمحاكمة. وأوضح عكاري أن هناك أكثر من آلية لتخفيف الاحتجاز مع جانب المحاكمة، مثل حجز جوازات السفر وإلزامهم المكوث في أماكن محددة كالبيت أو عدم الخروج من الحي أو المنطقة المحددة. أما الواقع في لبنان، فهناك «اعتماد بالدرجة الأولى على الطريقة البدائية جدا لتوفير المشتبه به وذلك في اعتقاله».
وسجل عكاري على القانون الحالي نقصاً لجهة عدم تطرقه إلى حالات خاصة عند الاعتقال والاحتجاز، مثل كون المتهم كبيراً جداً في السن، أو أماً في فترة الارضاع، أو لديه مرض مزمن.
ويعتبر عكاري أن «الاحتجاز في لبنان يستخدم كأداة للعقاب قبل صدور الحكم، وأحياناً يستخدم كأداة لتهدئة الرأي العام، لا سيما عندما تنشر القضية في الإعلام، ويحاول الإعلام إجراء تحقيقه الخاص، كل هذا يدفع القضاء إلى احتجاز المتهم الذي أدانه الإعلام، ليثبتوا أن القضاء فاعل. وفي حالات أخرى، يدفع تدخل الإعلام في بعض القضايا إلى عدم أخذ قرار القضاء بجدية، ويتوقف الرأي العام أكثر عند الادانات التي وجهها الإعلام إلى المتهم».