بعد التصدع الذي أصاب صف الأكثرية في المجلس النيابي أول من أمس، يلتمّ الشمل في مجلس الوزراء اليوم لإصرار الجميع على استمرارية الحكومة «حفاظا على الاستقرار». وفيما يضم جدول الاعمال بنوداً مرتبطة بملف الكهرباء، بينها مذكرة التفاهم بين لبنان وإيران الموقعة في عهد حكومة الرئيس سعد الحريري، برز إلى العلن من جديد ملف بواخر انتاج الكهرباء التي كان مقرراً استئجارها؟ وكان مقرراً استئجار البواخر للتعويض عن النقص الإضافي في الطاقة الذي سينجم عن توقيف معملي الذوق والجية عن العمل لإجراء صيانة شاملة لهما بعدما وصلا إلى حافة الانهيار نتيجة لقدمهما.
والقرار متخذ، لكن شياطين التفاصيل تكاد تعيد الملف إلى النقطة الصفر. وكان مقرراً أن تعقد اللجنة المكلفة دراسة ملف البواخر جلسة في السرايا الحكومية اليوم، برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي. وكان على اللجنة ان تحيل تقريرها النهائي على مجلس الوزراء، بناءً على تكليف المجلس لها قبل أكثر من شهر. لكن ميقاتي، وبحسب مصادر مختلفة الانتماءات السياسية، يريد تأجيل بت الموضوع، لكونه تلقى، بحسب المصادر عرضاً أدنى من العرضين اللذين رأت اللجنة انهما الأفضل من بين ما تلقته من عروض، وهما عرض تركي وآخر اميركي. فبعد ثلاث عمليات استدراج عروض، وبعد تكليف استشاري دولي (شركة سويسرية) للنظر في الملفات الواردة إلى اللجنة التي يرأسها ميقاتي، تبين أن أفضل عرضين تلقتهما اللجنة كانا من شركة أميركية واخرى تركية. وبناءً على ذلك، كلفت اللجنة خبراء لبنانيين التوجه إلى الولايات المتحدة الأميركية وتركيا لمعاينة واقع اعمال الشركتين عن كثب. وكان المنتظر أن ينهي هؤلاء الخبراء تقاريرهم خلال أيام قليلة، ليرفعوها إلى اللجنة. لكن ميقاتي، تضيف المصادر جمّد كل عمل اللجنة. ويوم امس، أبلغ وزير الطاقة جبران باسيل زملاءه في تكتل التغيير والإصلاح بنية ميقاتي المستجدة، لافتاً إلى أنه يتمنى ان يظهر عرض جديد ادنى مما تلقته اللجنة، لكنه في الوقت عينه أشار إلى ضرورة الانتظار للتيقن من كون هذا التاخير تقنياً بحتاً لا سياسياً. وقالت مصادر التكتل إن أي تأخير تقني لتأمين الوفر مرحب به، لكن أي تأخير سياسي سيؤدي إلى افتعال أزمة جديدة في الحكومة.
وقال وزير الاقتصاد نقولا نحاس إنه ليس مطلعاً على توجهات رئيس الحكومة «لكوني لست عضواً في اللجنة»، إلا انه اكد أن الحل الوحيد لاستبدال اجهزة توليد الطاقة المتهالكة في معملي الذوق والجية هو باستخدام البواخر. لكن مصادر قريبة من ميقاتي لفتت إلى ان رئيس الحكومة يريد «فتح آفاق دفتر شروط استئجار البواخر، بما يسمح بخفض الكلفة». بدورها، اكدت مصادر وزارية أن رئيس مجلس الوزراء يريد توسيع اللجنة التي يرأسها بنفسه، والمكلفة دراسة الملف. من جهتها، أكدت مصادر وزارة الطاقة لـ«الأخبار» أن عملية تجهيز الشبكة اللبنانية لاستقبال البواخر فضلاً عن عملية إحضار البواخر إلى الشواطئ اللبنانية بحاجة لأربعة أشهر على الأقل بعد توقيع العقود مع الشركات الأجنبية، وبالتالي، فإن أي تأخير في إنهاء هذا الملف سيحرم لبنان من الاستفادة من هذه البواخر في موسم الصيف، ما سيؤدي إلى مضاعفة مشكلات الطاقة في ظل العجز عن إنتاج كميات إضافية من المعامل اللبنانية، إضافة إلى صعوبة استجرار الطاقة من سوريا، بسبب أوضاعها الأمنية والنقص في الانتاج الذي تعانيه.
وأكدت المصادر أن الشركتين التركية والأميركية عرضتا إنتاج الكهرباء بكلفة أقل من التي يدفعها لبنان للإنتاج في معظم المعامل اللبنانية.
سجال المليارات مستمر
من جهة اخرى، استمر السجال حول قطع الحساب وانفاق المال العام بين تكتل التغيير والإصلاح وتيار المستقبل، آخذاً في دربه رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط. فقد وصف النائب ميشال عون غياب وزراء الجبهة عن جلسة المجلس النيابي، بأنه «موقف سلبي» لم يجد له شرحاً «إلا نيات عدم انتساب للأكثرية»، معربا عن اعتقاده بأن جنبلاط « في الأساس لم يكن في الأكثرية، لكن مصلحته آنية».
وفي السياق عينه، عقد رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان مؤتمراً صحافياً في ساحة النجمة أكد فيه أنه لا يمكن الربط بين الـ11 مليار دولار وبين الـ8900 مليار ليرة لأن الحكومة الحالية بعد شهر من تأليفها تقدمت من مجلس النواب بإجازة صرف على عكس ما حصل في عهد السنيورة، فليس هناك حساب صرف، خاصة أن هناك 14 قراراً قضائياً صدرت بذلك، وشدّد على أن «المطلوب من الرئيس السينورة قطع حساب واضح للانفاق الذي حصل بين فترة 2005 حتى 2010». وتوجه إلى السنيورة بالقول إن «براءة الذمة يجب أن يعطيك اياها القضاء».
من جهتها، رأت كتلة «المستقبل» بعد اجتماعها الأسبوعي ان «البعض مصرّ على افتعال ضجيج يقصد منه تحوير الحقائق، وفي هذا السبيل يلجأ بعضهم للتمييز بين مال طاهر أنفقته الحكومة الحالية واعتبار الانفاق من الحكومات السابقة بمثابة مال غير طاهر»، ورفضت الكتلة الفصل «بين تخطي الحكومة الحالية للقاعدة الاثني عشرية وتخطي الحكومات السابقة لهذه القاعدة».
فرنجية خائف
على صعيد آخر عبّر رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية عن تشاؤمه من مستقبل الوضع في لبنان، معرباً عن خوفه «من ان الوضع ذاهب الى أزمة» داعيًا «إلى النظر لما يُحضر في الخارج، وما يجري في الشرق فهناك صراع مذهبي يأخذ منطلقا سنيا ــ شيعيا، والحرب على سوريا شعارها الديمقراطية والحرية ولكن مضمونها إضعاف النظام الايراني».
وسأل فرنجية في مقابلة مع الزميل جان عزيز ضمن برنامج «بين السطور» على محطة «أو.تي. في»: «إذا سقط النظام السوري أو تم تسليح المعارضة خارج سوريا فهل هو أمر جيد للبنان؟ من سيحميني؟ سعد الحريري؟ وهل في فرنسا؟ فهو لا يستطيع حماية نفسه؟». وقال: «عندما أرى أحد الملوك والى جانبه احد المتطرفين في لبنان اعتبر انها رسالة الى لبنان».
وسأل: «من كان يشعر بوجود «فتح الإسلام» قبل انفجار الصراع مع الجيش؟ هناك مئة «فتح اسلام» يُحضر في الشمال، وبشعار المعابر الانسانية ودعم المعارضة اخاف ان يكون أمر خطر يحضر للبنان». وأضاف: «اذا اسقطنا الحكومة اليوم فماذا سيحصل لاحقا؟ إذا اسقطت الحكومة ستحصل استشارات واذا عاد ميقاتي رئيسا للحكومة فهل يمكن ان نأتي بنفس الشروط الحالية؟ نحن اليوم بمرحلة تصريف اعمال والحكومة قائمة لأن الجو كله بانتظار ما يحصل بالمنطقة، الأفضل ان نتفق كمسيحيين للقيام بتعيينات».
وأشار الى انه ليس مع ميقاتي ولكن لا بديل عنه، موضحا انه اذا كان البديل الحريري فهو مع بقاء ميقاتي. وأكد أن النائب وليد جنبلاط سيكون الخاسر الاكبر وهو يعمل لمصالحه الانتخابية.
كونيللي تحتضن المعارضة السورية
في غضون ذلك، واصلت السفيرة الأميركية مورا كونيللي تحركها لتأمين حماية لبنانية لعناصر ما يسمى «الجيش السوري الحر» الذين دخلوا الأراضي اللبنانية. و لهذه الغاية التقت كونيللي وزير الداخلية والبلديات مروان شربل، وجاء في بيان صادر عن السفارة الاميركية بعد اللقاء أن كونيلي دعت «إلى حماية جميع السوريين المجردين من السلاح، بما في ذلك أفراد الجيش السوري الحر».
وأوضاع الحدود اللبنانية – السورية، عرضها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي الذي نقل عن الأول حرصه «على ضرورة متابعة الجيش والقوى الأمنية لواجبهما في ضبط الحدود ومنع تسريب المسلحين والسلاح، والتعاون مع الأجهزة السورية المعنية في الطرف المقابل».
وفي سياق متصل، عرض البطريرك الماروني بشارة الراعي مع السلك الديبلوماسي الأوروبي وبطلب منه في بكركي، المستجدات على الساحتين الاقليمية والدولية، والوضع المسيحي في المنطقة وانعكاس ما يجري عليه.