إلا أنه مهما كان النطاق، فذلك معناه أن المياه ستغمر ما يقارب 35 ألف هكتار من محافـظة عكـار، وذلك امتدادا من منطقة العبدة، أو بوابة عكار، مرورا بـ «مطار القليعات»، وصولاً إلى مجرى النهر الكبير شمالاً، الذي من المتوقع في حال حصول فياضات أن يغـمر القرى الجاورة.
وبما أن سياسة التنظـيم المدني في لبنان ترتكز على استخدام الأراضي وفقا لطبيعتها ومميزاتها، وللمحــاذير التي قد تنشأ عن طريقة استخـدامها، فــقد تم وضع ثلاثة سيناريوهات للمنطقة الساحلية مع الأخذ بعـين الاعتبار التدابير الوقائية كعمق الفيــضان، والمدة التي من المفترض أن تغمر المياه الأرض.
السيناريو الأول، يتضمن رفع مستوى الطابق على الأقل مترا واحدا عن مستوى الأرض، على أن يتضمن ارتفاع المتر قساطل كافية لتسهيل مرور المياه تحت البناء. والسيناريو الثاني يشير إلى أن يتم إنشاء البناء بما يتوافــق مع مستوى الأرض على أن يكون الطابق الأرضي أعمدة. أما الثالث فيريد إنشاء أقنية مقاومة لفيضانات المياه الجوفية تحت مستوى سطح الأرض أو تركيب نظام تصريف قاعدي (مضخة تجميعية).
وفرضت تلك الخطوات قيودا إضافية على سكان المنطقة الساحلية وتحديدا لجهة استثمار الأراضي، حيث تم منع البناء بالقرب من مجاري الأنهر، كما تم منع إنشاء التصوينات، المغلقة إذ يجب أن تكون إما شريطا شائكا أو من الأشجار إضافة إلى الالتزام بالاحتفاظ بما يقل عن 80 في المئة من مساحة الأراضي كمساحة مزروعة.
ويبقى السؤال الأهم ما هو مصير المنازل المشيدة منذ سنوات، والمخالفة لأبسط قواعد السلامة العامة، والتي لا تراعي خطر الفيضان، وتحديدا في السماقية، وحكر الضاهري، اللتين تقعان في مستوى دون سطح البحر، ما يعرضهما للغرق سنويا بمياه النهر الكبير الجنوبي، الذي يفيض على المنطقة مع كل عاصفة تضرب لبنان؟
وما هو مصير المنشآت الصناعية والمؤسسات المصنفة كمحطات توزيع المحروقات التي تخضع لتصنيفات خاصة ومحاذير قوية تجعل «المجلس الأعلى للتنـظيم المدني» يتحفظ عن إعطاء تراخيص بذلك الشأن؟، وما هو وضع مطار القليعات؟، وماذا سيحصل بمشروع تأهيله وتطويره تمهـيداً لافتتاحه في أقرب وقت، كما أعلن وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي مؤخرا خلال زيارته المطـار؟، وهل يـجوز أن تناقض الحكومة نفسها باتخاذ قرارات وإصدار مراسيم متـناقضة؟ وما هو تأثير هذه القرارات على العقارات وحركة البيع والشراء وبالتالي الاستثمار في مناطق السهل، التي شهدت ارتفاعا ملحوظا في أسعارها بعد إشاعة خبر افتتاح «مطار القليعات»؟.
وفي ذلك الاطار لا يخفي رؤساء بلديات ساحل عكار امتعاضهم من مقررات الخطة، مؤكدين «أن كل ما يشاع عن حدوث فيضانات هو مجرد إشاعات تهدف إلى حرق أسعار العقارات بهدف شرائها من قبل المتمولين الكبار بأسعار متندية، وذلك كما حصل في العام 2003 عندما أشيع خبر حدوث فيضانات وبدأ الأهالي بالبيع بأسعار زهيدة جدا، ثم تفاجأنا بأن تلك العقارات ذهبت لعائلة سياسية مرموقة جدا وكانت في موقع المسؤولية». ويؤكد رئيس «اتحاد ساحل ووسط القيطع» أحمد المير «أننا منذ سنوات نسمع عن الخطة الشاملة لتصنيف الأراضي. ونحن كنا في الحكومات السابقة قد أبدينا تحفظنا على تلك الخطة، خصوصا لجهة ضرب الاستثمار في المنطقة»، مؤكدا أنها «تثير العديد من التحفظات والهواجس لدى الأهالي ومن حقهم أن يحصلوا على أجوبة شافية، مع كل ما يشاع عن المنطقة إن كان لجهة وجود آبار نفط وغاز في الساحل العكاري، أو لجهة افتتاح مطار القليعات».
ويجمع المتابعون للشأن العقاري في عكار على «أن لا شيء يدعو الأهالي في المنطقة الساحلية إلى الذعر من مضمون الخطة الشاملة لترتيب الأراضي، خصوصا أن السيناريو الموضوع يبقى مجرد توقعات وأن التــدابير المتــخذة من شأنها تأمين الحماية للأهالي والمساكن في تلك القرى»، ويضــيف هؤلاء «ان أحدا لا يمكنه أن يتوقع متى ستحصل هذه الفيــضانات، لكن الخـوف هو من تحرك الفوالق والصخور في البحر ما يؤدي إلى حدوث «تسونامي» أو جراء استخراج النفط الذي من المفترض سحبه من المياه الإقليمية اللبنانية». ولكن وفي الوقت عينه يعيب المتابعون على الخطة «إهمالها للعديد من النواحي، وأهمها إيجاد الحلول للفيضانات النهرية وأبرزها النهر الكبير الجنوبي الذي يؤدي فيضانه سنويا إلى حدوث كارثة فعلية في العديد من القرى الساحلية التي يغمرها ويتلف مزروعاتها، إضافة إلى عدم إيجاد حلول للمخالفات السابقة والتي تشكل خطرا فعليا على أهالي المنطقة».
ويقول رئيس «دائرة التنظيم المدني في عكار» المهندس حسن الحج: «لقد بدأنا بفرض الشروط التي وردت في الخطة الشاملة على المواطنين عند إعطاء رخص البناء، لأن تلك الشروط هي عبارة عن تدابير احترازية تؤمن السلامة العامة، وتخفف من خطر الفيضانات في حال حصولها»، لافتا إلى أنه «من أبرز إيجابيات الخطة أنها وضعت حدا للتمدد العمراني الواسع الذي حصل في السنوات الأخيرة دون أن يلتزم بأبسط شروط التنظيم المدني، كما تحافظ على الأراضي الزراعية التي تقلصت بسبب الانفلاش العمراني».
ويشير الحج الى «أن الأنظمة التوجيهية للبلدات الواقعة ضمن المنطقة تدرس بعناية وبشكل فني من قبل المجلس الأعلى للتنظيم المدني في بــيروت، بهـدف إيجاد حلول تنسجم وواقع المنطقة، كما ستلحظ الخطة هواجس واقتراحات الأهالي، وستأخذ بعين الاعتبار موافقة المجالس البلدية المسبقة قبل تطبيقها».