في كانون الثاني الماضي، لم يكن صعبا على رئيس حزب «القوات اللبنانية» استضافة «أبطال» المعركة الانتخابية المسيحية في العام 2013 على مائدة معراب. عشاء «الحكيم» جمع وجوها بلدية واختيارية كسروانية من كل الالوان، بينها طبعا «البرتقالي». كانت تلك من اولى المبادرات المنظمة التي يقوم بها جعجع للالتقاء بممثلي الهيئات المحلية على اختلاف انتماءاتهم السياسية، على مسافة سنة ونيف من الانتخابات النيابية.
«العوني» روجيه عازار رئيس بلدية عرمون، يشارك في العشاء، كما غيره من رؤساء البلديات والمخاتير الدائرين في فلك الرابية. العديد منهم اكتشف، على الارجح، الوجه الاخر لجعجع. رغبة حقيقية بالانفتاح على جميع التيارات السياسية من دون استثناء، وترويج منظّم لـ«نيو قوات» تمالح الاخصام ولا ترفع بوجههم السلاح. ومن بين السطور، محاولات لسحب البساط من تحت اقدام صاحب «الرقم الصعب» في البقعة المسيحية الخالصة.
كسروان عند جعجع. هكذا بدا «مشهد كانون». في آذار صعدت بعبدا الى معراب. عندما يتعلق الامر بتثبيت الحيثية «القواتية» لدى القواعد الحليفة، والتسويق لها لدى القواعد الخصمة، لا يحتمل الامر اي مزاح من جانب «الحزب الاخضر». فكيف اذا كانت الانتخابات على الابواب؟
في هذا السياق، اتى عشاء رئيس حزب «القوات اللبنانية» على شرف رؤساء بلديات ومخاتير المتن الجنوبي في معراب يوم الخميس الماضي. الجميع تلقى دعوات للحضور باستثناء بلديات الضاحية الجنوبية «منعا للاحراج»، كما تقول اوساط «قواتية».
في اللقاء الكسرواني الماضي، وصلت الى رئيسيّ بلديتيّ المعيصرة والزعيترة المحسوبيتن على «حزب الله» و«أمل» بطاقتي دعوة للعشاء. اعتذر احدهما عن الحضور وتجاهل الآخر الامر كليا. فهمت معراب الرسالة ولم تعد الكرّة في قضاء بعبدا، وإن تمنّى جعجع في كلمته التي القاها امام الحضور «ان يضمّ العشاء المقبل جميع رؤساء بلديات ومخاتير الضاحية في هذه الدار». لكنه اردف قائلا «الضاحية هي جزء عزيز من بعبدا وبيروت. لكن للاسف بعض الاشخاص حوّلوها الى جزء عزيز من طهران ودمشق... ونحن بانتظار اللحظة التي تعود فيها الضاحية جزءا أعز من بعبدا وبيروت ولبنان».
بالمعنى السياسي كما الانتخابي، فإن صعود رئيس اتحاد بلديات المتن الجنوبي محمد سعيد الخنسا («أبو سعيد») الى معراب ليس بسهولة جلوس رئيس بلدية الحدث جورج عون الى مائدة «الحكيم». الاخير، كما غيره من رؤساء البلديات المؤيدين للعماد ميشال عون، لبّوا نداء «الجَمعة» ومالحوا غريمهم للمرة الاولى. هكذا فإن «الحرب الكونية» التي دارت بين «التيار الوطني الحر» و«القوات»، على الزعامة البلدية في الحدث، لم تمنع عون من المشاركة في اللقاء والدردشة طويلا مع خصم الرابية.
لم توجّه الدعوات لأي من المرجعيات الدينية على اختلاف مستوياتها. اراد المنظمون الابقاء على الطابع «المدني» والبلدي للقاء. حضر رؤساء 28 بلدية من اصل نحو 40 (اوساط «القوات» تؤكد حضور 30 من اصل 40) وثلثا مخاتير القضاء. كما حضر رئيسا اتحاد بلديات ساحل المتن ادمون غاريوس والمتن الاعلى كريم سركيس. وفي مقابل الحضور العوني والكتائبي في معراب، غاب «تيار المرده» تماما عن الصورة التزاما بموقف بنشعي السياسي. وتلفت اوساط بلدية الانتباه الى أن الحضور المسيحي غير «القواتي» اتى بشكل اساسي مسايرة للناخبين وللمزاج العائلي المتلوّن.
تولى جعجع «برمة العروس» حول طاولات المدعوين. بعض الاحاديث كانت من «الفم الى الاذن». اختلط حابل السياسة بنابل الانماء والانتخابات، خصوصا ان منسّقي المناطق ومسؤولي الماكينات الانتخابية في «القوات» توزّعوا بين الحضور. لكن منذ البداية، بدا العشاء اقرب الى ما يشبه «السهرة الرحبانية». «ردّيات» تنفخ بـ«الحكيم» وتثني على «خياراته الوطنية» حيال الثورة السورية، خصوصا من جانب بعض المخاتير الدروز الذين خصّهم جعجع بترحيب حار قائلا لهم «اريدكم ان تعلموا انكم حين تدخلون الى معراب وكأنكم تدخلون الى المختارة، كما نحن نعتبر ان المختارة هي بيتنا ايضا».
شكل الحضور الدرزي (8 رؤساء بلديات دروز من اصل 12 لبّوا الدعوة) علامة فارقة في عشاء معراب. أعطى زعيم المختارة الضوء الاخضر للمشاركة الجنبلاطية، ولاقاه سمير جعجع الى منتصف الطريق. علامة اخرى فارقة برزت من خلال هجوم جعجع المباشر على البطريرك بشاره الراعي، فيما خلت كلمة رئيس رابطة مخاتير قضاء بعبدا نديم شعبان من أي ذكر للراعي في مقابل التذكير بزيارة البطريرك نصر الله صفير التاريخية الى الجبل و«لقائه الشهير بوليد جنبلاط فاختصر الزمان بهذه الزيارة وانتصر التسامح على الضغينة والخير على الشر».
لافتة كبيرة استقبلت المدعوين كتب عليها «بعبدا صلابة يغار منها الصخر». وبين لقمة «انتخابية» واخرى، كان جعجع يستذكر تاريخ عائلات كبيرة في المتن الجنوبي «كالرئيس الياس سركيس الذي كنت في عهده ما أزال شابا وظلمته لأنني كنت أقول لماذا لا يطلب من السوريين الخروج من لبنان، إضافة الى ادوار حنين، ونجيب صالحة وبشير الاعور...» باعتقاد خصوم «الحكيم»، أن رئيس حزب «القوات» يشتغل الانتخابات «بيديه» و«على رأس السطح». يحاول جعجع أن يشكّل العمود الفقري المسيحي لقوى 14 آذار في المناطق «الحاسمة». قمة المفارقات، يضيف هؤلاء، «أن يتمكن جعجع من استضافة العونيين في منزله، فيما يعجز فؤاد السنيورة عن الاجتماع برؤساء بلديات عكار».
وفي كلمته امام المدعوين، ردّ جعجع بشكل مباشر على البطريرك الراعي: «يقول البعض أن النظام في سوريا دكتاتوري ولكن يوجد مثله كثيرا في العالم العربي، لكن أين ينزل الآلاف اليوم في العالم العربي الى الشوارع فتقوم السلطات بقصفها وبدك المدن؟ واذا ما سلّمنا بأن هذا النظام الدكتاتوري غير وحيد في المنطقة، هل نقبل في نهاية المطاف بما يحصل في سوريا؟»
اضاف جعجع «يقول البعض أيضا ان أقرب شيء الى الديموقراطية في المنطقة هي سوريا، فأنا لا أعلم وفق أي مقياس؟ حتى أن بعضهم لأسباب سياسية يتحجّجون بأنظمة دول الخليج التي هي مختلفة في تركيبتها الاجتماعية ولا يجوز مقارنتها بسوريا، وأي دولة من الدول العربية الأخرى سقط فيها هذا الكم من القتلى»؟
وردّ على من يقول «اذا سقط هذا النظام ماذا سيحلّ بالمسيحيين»، فسأل «اذا بقي هذا النظام ماذا سيحلّ بالمسيحيين؟».
وجدّد التأكيد «بأن كل سلاح موجود خارج الدولة هو ضد التعايش»، وقال «اذا كان هناك من أسرى يجب استرجاعهم فالشعب اللبناني هو من يجب أن يقرّر». واشار الى «حصول عملية بيع وشراء اراض منظمة وبكميات كبيرة في بعبدا من قبل واجهات تجارية معينة باموال مشكوك بأمرها ومن قبل جهات مشكوك بامرها».