مع ذلك، يبدو واضحاً أن رسائل تل أبيب التهديدية، سواء باتجاه لبنان أو قوس القوى المقاومة عموماً، تأتي من باب التأكيد على المنعة والقدرة وإمكانات جيشها ووسائلها القتالية في تحقيق الانتصار في أي حرب مقبلة، لكنها تشير في الوقت نفسه، وقبل المقاصد الظاهرة للتهديد، الى أنها مضطرة في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى، الى بث رسائل طمأنة للإسرائيليين أنفسهم، لموازنة التأثير السلبي للتهديدات ذاتها عليهم، بما يشمل أحاديث الحرب في أكثر من اتجاه. إن كانت التهديدات تهدف الى خدمة ردع إسرائيل أمام أعدائها، فمن شأنها أيضاً أن تؤثر سلباً على الإسرائيليين، وتراكم على منسوب الخشية لديهم، وخاصة أنهم باتوا يدركون جيداً أن أي حرب مقبلة ستدور رحاها في الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ويكونون هم وقودها، بشكل لا يقل قسوة وتدميراً وخسائر بشرية عن المعركة العسكرية المباشرة.
من جملة ما كشفت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية، في الفترة الأخيرة، نعرض لعيّنات. إذ تحدثت مصادر عسكرية وأمنية عن وجود تكتيكات قتالية جديدة، منها الكشف عن تدريبات لمواجهة العقبات التي تعترض القوات البرية في حال قررت تل أبيب، وهي ستقرر بحسب تأكيد قائد رفيع المستوى في الجيش الإسرائيلي، الدخول البري الى لبنان في الحرب المقبلة. التكتيك الجديد، يتعلق باستخدام روبوتات آلية، يجري إدخالها الى الآلاف من الأنفاق التي تقول إسرائيل إن المقاومة تعتمدها في جنوب لبنان، بما يشمل مراكز القيادة وإطلاق الصواريخ ومخازن الذخيرة. وبحسب المصادر نفسها، سيعتمد الجنود على الروبوتات في دخول الأنفاق، الأمر الذي يجنب أفراده إمكانات سقوط قتلى إسرائيليين داخلها ... علماً بأن تقارير كهذه، وإن كانت تصلح لتسويق قدرة الجيش الإسرائيلي ومنعته في وعي الإسرائيليين، إلا أنها تكشف للمقاومين، في المقابل، أن إسرائيل على حالها، تخشى القتال المباشر، وعقدة سقوط القتلى ما زالت تحكم سياساتها القتالية، من خلال التأكيد على اعتماد الهروب من المواجهة المباشرة الى المواجهة غير المباشرة، التي كما هو معلوم لدى أي خبير عسكري، أنها لا تصمد في الميدان القتالي، في ظل احتدام وطيس الحرب.
أيضاً في السياق نفسه، كشفت مصادر عسكرية إسرائيلية عن منظومة تحكّم وسيطرة، وصفت بالثورية في تكتيكات الحرب المقبلة مع حزب الله، وتتعلق بخرائط «ديجيتال» متاحة لدى القادة العسكريين في غرف الحرب، تمكنهم من معرفة أعداد الصواريخ التي تسقط على إسرائيل، وأماكن سقوطها، وأنواعها والخسائر التي تخلّفها. وبحسب تقرير الجيش الإسرائيلي، «من شأن هذه المنظومة أن تساعد القادة على معرفة مجريات الحرب، وبالتالي تغيير الانتشار والخطط العسكرية بناءً على معطياتها»، مع الإشارة الى أن هذه المنظومة «الثورية»، من ناحية واقعية وعملية، لا تقدم أو تؤخّر شيئاً في مجريات الحرب، بل يمكن أن تؤدي الى تأثير سلبي سريع جراء الخسائر التي تلحق بإسرائيل، في وعي القادة العسكريين وتوجهاتهم، ليس أكثر.
من بين العيّنات أيضاً، تقرير يتعلق بـ«صاروخ تموز»، الذي كشفت عنه إسرائيل أخيراً، باعتباره مفاجأة الحرب المقبلة مع حزب الله، والذي يفترض به أن يغير مجريات الحرب، نظراً إلى إمكاناته العالية جداً في اختراق الدروع والأبنية، علماً بأن وسائل الإعلام الإسرائيلية عادت وأكدت في تقارير لاحقة، أن الصاروخ جرى استخدامه بالفعل والى حد الإفراط، في حرب تموز 2006.
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا تحرص إسرائيل على الإعلان عن اختراعاتها وتكتيكاتها «الثورية»، والتي سيق هنا عينات منها، بطريقة احتفالية وعلنية، في حين أن المنطق العسكري يقول، إنه كان يبنغي عليها أن تبقيها طي الكتمان، وأن تفاجئ بها أعداءها، وخاصة بعدما ثبت أن أعداءها أيضاً يملكون مفاجآت، منها كان له الدور الأساسي في مجريات الحرب الماضية، وإفشال إسرائيل في تحقيق أهدافها منها.
الهدف، كما هو واضح، لا يخلو من حرب نفسية ضد الأعداء، ومحاولة استعراضية لطمأنة الإسرائيليين في المقابل، الأمر الذي يضع إسرائيل، في هذا الإطار، في مرتبة واحدة مع الكثير من الأنظمة العربية، التي تستخدم أساليب كهذه، رغم لزوم التأكيد، في الوقت نفسه، أن القصد هنا ليس الإشارة الى أن إسرائيل ضعيفة، أو أنها لا تملك قدرات عسكرية، إذ يجب الحذر الدائم حيالها، وهي التي لم ترتدع أو تمتنع طوال السنوات الماضية عن خوض الحرب، إلا لسبب وحيد وهو معادلة جدوى حروبها وكلفتها، وإلا لكانت بادرت إليها أمس، قبل الغد.