في الذكرى السابعة لنشأة تجمع 14 آذار، يختزل هذا الفريق ذكراه، بالانتقال من رحب الشارع «المليونيّ» إلى قمقم القاعة المقفلة. لن يستعرض ثلاثي «المستقبل» - «القوات» - «الكتائب» عضلاته الجماهيرية أمام خصومه، بل سيكتفي بإعلان وثيقة مكتوبة مختصرة (صفحتان) تعبّر عما توفر من مشتركات الأفرقاء من القضايا المثارة. ولن يكون زعيم «الزرق» مضطراً لإجهاد مستشاريه بحثاً عن آخر تقنية هوليوودية تقرّبه من جمهوره. سيكتفي بالتفرج على «ضباطه» يجلسون وراء منبر متواضع للاستماع إلى وثيقة جديدة.
14 آذار ستطفئ اليوم شمعتها السابعة، في غياب جمهورها الذي مُنح إجازة مؤقتة لأسباب عدة، يختلط فيها العامل الأمني بالواقع المالي والاعتبار السياسي.
أمنياً، لا يشبه اليوم الأمس. السقوف العالية التي «صبّ باطونها» سعد الحريري بقيادة المواجهة مع النظام السوري من بيروت، «تحتم اتخاذ كلّ الإجراءات اللازمة للحؤول دون استثمار المناسبة من جانب «طابور خامس» يسعى لإشعال نار الفتنة الداخلية»، وفق تقويم أمني وضع على طاولة هذا الفريق، وفيه أيضا أن الاحتياط «صار واجباً، ولا مجال للمناورة».
في السياسة، بدت المقاربات في «بيال 14 شباط» متمايزة بين سعد الحريري وسمير جعجع من جهة، وأمين الجميل من جهة أخرى. الموضوع السوري فرض جداول أعمال مختلفة، وقراءات مختلفة إلى حدّ لم يعد بالإمكان تجميل هذا التباعد، ببعض العبارات الملطّفة. صار لكل من الجناحين حساباته المستقبلية، ورهاناته المستقلة.
ميدانياً، أكثر من ستة اختبارات خاضتها قوى 14 آذار حتى الآن في الشارع، كانت كافية برأي أهلها، «كي تثبت أهليتها الشعبية، وكي لا تتهم بالعري أو بنقص المناعة الجماهيرية، وبالتالي، صارت الحاجة للاعتراف بحجمنا وراء ظهرنا.. وعليه، لا صناديق انتخابية تحرجنا حاليا».
صار بالإمكان الاستغناء عن «خدمة الساحات» ولو مؤقتاً. لم تعد 14 آذار مضطرة للخضوع لامتحان جديد يبرز عضلاتها ويشد عصبها. بتقدير «القيادة الزرقاء»، فإن «تيار المستقبل» يحاول الانتقال من الريعية التي طبعت أداءه منذ ولادته، إلى مرحلة الحزب السياسي. «وهذا التحوّل يتطلب مقومات عدّة، منها التركيز على خطاب سياسي مبني على قاعدة فكرية مرنة وغير جامدة كالأفكار العقائدية. ولهذا فإن الاكتفاء بتلاوة وثيقة سياسية قد يكون له منافعه أحياناً».
يضحك أحد كوادر «المستقبل» عندما يقال له إن «التيار» بدأ بتوزيع الوثيقة الفكرية على قواعده، ويقول ان القواعد «المستقبلية» تحتاج الى خدمات والى من يشد عضدها، أما من يراهن على أننا مع الوقت سنتحول إلى مؤسسة حزبية محكومة بالخيارات السياسية وليس بـ«العملة الخضراء»، فهو لا يعيش مع الناس، بل في بعض القصور العاجية، وقبل أن يطلب هؤلاء من الناس التخلّص من «الخصال الريعية» أو ما يسمونه «الاستدعاء المدفوع الأجر في المناسبات»، عليهم «أن يتخلوا عن امتيازاتهم وشققهم الفاخرة ومواكبهم ومصاريفهم وموازناتهم الشهرية والسنوية».
ما يتلكأ «المستقبل» عن القيام به، يوفره له خصومه، كما يقول قياديوه. مسلسل الإخفاقات المستمر في أداء الحكومة الميقاتية، عامل مساعد بنظر «الزرق» كي تتحسن وضعيتهم الشعبية. كما أن تطورات المشهد السوري تقدم مادة دسمة يُحسن «تيار المستقبل» استخدامها وتوظيفها.
عام مضى على تذكرة الذهاب، من دون الإياب، التي قطعها الحريري، بعد الاستعراض الذي أدّاه على «مسرح» ساحة الشهداء. عام ونيف مضى على جلوس قوى 14 آذار في صفوف المعارضة، لكن «تيار المستقبل» لم يستطع بعد تقديم إجابة علمية مبنية على دراسة موثقة: ما هو حجم الخسائر التي تكبدها حتى اللحظة؟
وفق أحد القياديين البارزين «كل من يعتقد أنه يملك إجابة عن هذا السؤال، هو مسكون بالوهم. لا وجود لإحصاءات دقيقة تشير إلى تقدم خصومنا على أرضنا، ولا أرقام صحيحة تثبت مخاوف القيادة من انكفائنا».
هذه المعادلة تطرد شبح قلة الثقة بالنفس من أذهان «القيادات الزرقاء» التي تتكل اليوم على الظرف السياسي لتؤمن «قوت» حضورها الجماهيري: «يكفينا أن نركز خطابنا على الشأن السوري، أن نرفع السقف عالياً دعماً للثورة وأهلها، أن نحاكي وجدان الشارع السوري، كي نبقي على جهوزية قواعدنا».
لا يخشى «المستقبل» من «الزحف الأسيري» من صيدا إلى بيروت. بنظر أحد القياديين، «شكل رفع الغطاء الأزرق عن إمام مسجد بلال بن رباح الشيخ أحمد الأسير، مناسبة لتعريته سياسيا وشعبيا ودفعه الى تقديم خطاب لا يتميز كثيراً عن طروحات «تيار المستقبل» سوى ببعض التعابير التفصيلية». هذا الأمر سيكون في كل الأحوال مناسبة لإطلالة قيادية على المنسقيات لتوضيح الموقف من «الحالة الأسيرية» من دون كبير أوهام حول قدرتها على الاستقطاب.
أن يكون جعجع على يمين الحريري والجميل في أقصى اليسار ليس بالمسألة المقلقة للبال. ولكن وقوف وليد جنبلاط بالوسط بالشكل فقط، يريح «الزرق» بالتأكيد: «هو حليف عن حق حتى لو جلسنا في صفوف متقابلة لكن عقله وقلبه مع فريق 14 آذار. لا التباس عندنا في ما يخص الموقف الجنبلاطي ووليد جنبلاط سيتمثل اليوم في «البيال» ولو غاب هو شخصيا».
يعترف «المستقلبيون» بأن خطاب جعجع مسموع في البيئة السنية والعربية عموماً، لكنه يرفع منسوب مخاوف المسيحيين من حركة التغيير الإقليمية ويؤدي الى خسارته بعض النقاط مسيحيا. أما تمايز أمين الجميل فلا يثير الريبة في أذهان «المستقبليين»، يجزمون بأن رئيس حزب الكتائب عاجز عن طلب «الطلاق» من قوى 14 آذار، وإن كان يميز نفسه عن بقية حلفائه، لكن اعتبار «شهادة بيار الجميل» كفيل وحده بإعادته إلى «بيت الطاعة الآذاري».
أما الوثيقة التي ستتلى اليوم، فلن تقفز بطبيعة الحال عن «الثوابت الزرقاء» التي كرّسها «تيار المستقبل» بشخص فؤاد السنيورة. صارت هي مظلة المواقف التي ستبث عبر الأثير الآذاري، مع العلم أن ثمة مسافة شاسعة صارت تباعد بين مكونات هذا الفريق. وقد حاولت الكتائب خلال الاجتماع الأخير الذي عقد مساء الاثنين تنقيح النسخة الأخيرة للوثيقة، إدخال بعض التعديلات على متنها، من باب ضبط «شطحاتها» في المسألة السورية، من دون تفريغها من المضمون، ولكنها لم تنجح، وكذلك حال «اليسار الديموقراطي» الذي حاول ولم يفلح لا في الموضوع السوري ولا في النظرة الى القانون الانتخابي والطائف والطائفية السياسية.
في 14 آذار 2012، يفتقد فريق 14 آذار التغطية الشيعية المموهة التي طالما وفرتها له «حركة اليسار الديموقراطي» منذ سبع سنوات، ولو أن التعويض الشيعي سيكون متواضعا بحضور من احترقوا في بيئتهم، من حاملي اللقب «السيادي» أو صفة «المعالي» بمفعول رجعي.. ودائما في الصفوف الأمامية.