يتأكد يوما بعد يوم، مدى وقوف الشعب السوري وراء قيادته وثوابتها الوطنية، ورفضه لكل محاولات استدراج التدخل الأجنبي والخارجي في شؤون بلاده، وهو ما ظهر مجددا أمس في التظاهرات المليونية التي شهدتها دمشق وعدد من المدن السورية، والتي شكلت استفتاء جديدا في دعم عملية الإصلاح، ومنع ضرب استقرار سورية، واستنكار الغرب لزرع الفتنة والحرب الأهلية.
وينتظر ان يشهد العديد من عواصم العالم اليوم وغدا تجمعات ومسيرات شعبية للسوريين والعرب المقيمين في تلك الدول امام السفارات والقنصليات السورية دعماً لعملية الإصلاح ورفضا للتدخل الخارجي وتسليح المجموعات الإرهابية.
وفي ظل هذه الأجواء حملت الساحة الداخلية العديد من التطورات في الساعات الماضية، كان أبرزها المحاولات المتجددة لفريق "14 آذار" لتوتير الوضع الداخلي، والسعي لمزيد من التدخل في الشأن السوري، وهو ما ظهر في المسرحية الاستعراضية التي حصلت في جلسة مجلس النواب امس، في وقت أظهر تجمع "البيال" الذي اقامه هذا الفريق أول من امس مدى الصراعات التي تعصف بين أطرافه، ومدى التآكل في شعبية أحزابه وتنظيماته، حيث شغر أكثر من نصف مقاعد القاعة التي لا تزيد مقاعدها في الاصل عن الخمسة آلاف. كما أن الكلمات التي القيت في التجمع بدت باهتة ونوعا من تكرار الشعارات، في حين ان الوثيقة التي جرى الاعلان عنها بدت فارغة من أي مضمون جدي.
وقد رد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله على تصعيد فريق المعارضة مؤكدا ان الموضوع ليس شعارات ومهرجانات قائلا: ان الدولة لا تبنى على حذف الآخر مكررا القول: "ان من هو قادر على نزع سلاح المقاومة بالقوة فليتفضل".
مصادر أمنية لـ "البناء"
وفي موازاة ذلك، أكدت مصادر أمنية لـ "البناء" ان القوى الأمنية اللبنانية وخاصة الجيش اللبناني كثفت من اجراءاتها الامنية في الفترة الاخيرة، منعا من محاولات البعض ضرب الاستقرار الامني. وهذا الاستقرار تأكد بعد نجاح مخابرات الجيش في كشف الخلية السلفية التي كانت تعد للاعتداء على عدد من مواقع الجيش، وأوضحت المصادر ان عمليات التنسيق أصبحت أوسع وأكبر في الفترة الاخيرة بين القوى الأمنية المختلفة، وبين الجيشين اللبناني والسوري، مشيرة الى ان محاولات تهريب السلاح وتسلل المسلحين تراجعت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة.
وأوضحت المصادر في سياق متصل، ان هناك اتصالات مع القوى الفلسطينية لتسليم مسؤول هذه الخلية المدعوة "أبو محمد" توفيق طه، لكنها قالت ان "الاخير متوار عن الانظار، وان كان ما زال مختبئا في مخيم عين الحلوة وربما في حي الطوارئ".
"مسرحية" 14 آذار في الجلسة النيابية
كذلك كان البارز أمس انعقاد جلسة مجلس النواب بعد ان عطلت المعارضة جلستين سابقتين بحجة الاعتراض على عدم ربط مشروعي الإنفاق بعضهما ببعض.
وعلى الرغم من ان الرئيس نبيه بري لبّى هذا المطلب لدفع التشريع الى الامام وعدم تعطيل المجلس، فقد حاولت المعارضة امس، اللجوء مرة اخرى الى سلاح تطيير النصاب والتعطيل بتوجيهات من رئيسها فؤاد السنيورة وذلك خلال مناقشة اقتراح بدل النقل والمنح المدرسية المقدم من النائب ابراهيم كنعان بحجة وجوب درسه مع اقتراح آخر للنائب نبيل دو فريج في اللجان وعدم الاستعجال به.
وقد حمل ذلك الرئيس بري على مصارحة السنيورة امام النواب بأن ليس هناك من مبرر وضرورة لتطيير النصاب ولا يوجد موضوع حساس لاتخاذ مثل هذا الموقف.
وامام هذا الإحراج، اقترح السنيورة مناقشة الموضوع خارج القاعة بين كنعان ودو فريج ووزير العمل واستئناف مناقشة الاقتراحات الأخرى.
لكن تبين ان النصاب بقي غير مكتمل خلال مناقشة اقتراح خفض السنة السجنية فرفع الرئيس بري الجلسة الى الاربعاء المقبل.
ولم تكتفِ المعارضة بذلك، بل لجأت الى مستهل الجلسة الى محاولة تفجيرها سياسيا من خلال اقحام الوضع السوري في القاعة واستفزاز الطرف الآخر، لكن الرئيس بري رد حاسما الموقف، وفوّت على مروان حماده نجاح مثل هذه المحاولة.
وعلى الرغم من هذه المحاولات، فان الجلسة بقيت هادئة ولم تشهد سجالا قويا كسابقاتها، مع العلم انه كان للرئيس بري مواقف لافتة باتجاه الحكومة واتجاه المعارضة، حيث سأل الرئيس ميقاتي عن ملء الشواغر في الدولة رغم مرور عشرة أشهر على تشكيل هذه الحكومة.
وخاطب السنيورة قائلا: أنا حريص على الفصل بين السلطات.
وفي معرض مناقشة توسيع ملاك ديوان المحاسبة قال بري: ان اكثر ما تحتاجه البلد هو التطبيق والمحاسبة لان الفساد وصل الى أكلنا وشربنا.
اما على الصعيد التشريعي، فقد أقرّ المجلس زيادة 4 درجات للمعلمين في التعليم الاساسي وأجاز للحكومة الاقتراض بالعملة الأجنبية بقيمة خمسة مليارات دولار لخدمة الدين العام.
كما أقر زيادة عدد قضاة ديوان المحاسبة من 36 إلى 50 قاضياً.
زيادة رواتب القطاع العام
وخلال الجلسة، أعلن وزير المال محمد الصفدي أن الوزارة انجزت مشروع الزيادة على رواتب القطاع العام الإداري، وأكّد أن الحكومة حريصة على عدم زيادة العجز رداً على انتقادات الرئيس السنيورة.
وذكرت مصادر وزارية مطلعة، لـ «البناء» أنه من المتوقع إدراج المشروع على جدول أعمال مجلس الوزراء الأسبوع المقبل، وفي حد أقصى الأسبوع الذي يليه.
نصرالله وسلاح المقاومة
في هذا الوقت، أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في كلمة له خلال حفل تخريج «دورات النور» لتعليم القراءة والكتابة أن «موضوع سلاح المقاومة إذا اتفقنا عليه يحل، وإذا لم نتفق فيؤجل» وقال: «من هو قادر على نزع سلاح المقاومة بالقوة فليتفضل»، وأضاف أننا «مستعدون لنقاش الاستراتيجية الدفاعية»، مشدداً على أن «هناك نوعاً من الملفات ليس صحيحاً أننا متفقون عليها، فنحن لسنا متفقين على أن عدونا هي إسرائيل»، مؤكداً أنه «لا يجوز أن نختلف على ملف أو ملفين وأن نعطل البلد».
وأشار السيد نصرالله إلى أن المنطق الآخر يريد تعطيل البلد بملفات معينة، مؤكداً أن الاعتراف بالآخر ليس شعارات بل ممارسة. وقال: «إن الموضوع ليس شعارات، وكل يوم يمكن أن نقيم مهرجاناً ونقول اليد ممدودة، فقد كنا معاً بالحوار وكنتم تجهزون فخ المحكمة، لذلك عندما تذهب الناس للحوار مجدداً يجب تفتيشهم ماذا يخبئون».
تابع السيد نصرالله أنهم «يقولون أن القادر على بناء الدولة هم «14 آذار»، سائلاً «بأي عقلية ومنهجية ونفسية؟ هل أنتم قادرون على بناء مؤسساتكم وأحزابكم أولاً»، مشدداً على أن «الدولة لا تُبنى على حذف الآخر بل بالتعاون والحوار»، لافتاً إلى أن «المنطق الفعلي الذي نستطيع من خلاله بناء دولة سوياً ومواجهة الملفات بروح التعاون هو هذا المنطق».
وأكَّد أنه «يتم تزييف الوقائع لأهداف معينة، نحتاج إلى الكثير من الهدوء والتثبُّت هناك من يعمل على التوتير واستفزاز الناس للوقوع في الفخ وتخريب بلدنا نتيجة انفعالات نحتاج إلى الكثير من الثبات بمواجهة الحرب النفسية».
وتطرَّق السيد نصرالله إلى الوضع في سورية، وقال: «دَعَونا من اليوم الأول لعدم حمل السلاح، وأن يذهب السوريون إلى الحل السياسي»، داعياً إلى مراجعة تؤدي بكل موضوعية إلى نتيجة، بأن ليس هناك إلا حل سياسي في سورية، أي القاء السلاح بشكل متزامن، وضمن آلية متفق عليها، للدخول بحل سياسي واضح.
وأكَّد، أن «من يريد أن يدمِّر سورية أو أن يسقط النظام بأي ثمن لن يستطيع أن يفعل ذلك، وخلال سنة رأيتم كل الخيارات التي تمّ اللجوء إليها، وآليات الحل السياسي شأن سوري»، آسفاً لأنه «في لبنان يتعاطى بعض الناس وكأنهم قوة عظمى، ويضعون جداول وبنوداً، ما علاقتنا بهذا الموضوع؟ ومصلحتنا أن يكون هناك هدوء واستقرار وأمن وحل سلمي في سورية».
مسيرات مليونية دعماً للاصلاح
وبالعودة إلى الوضع في سورية، فقد شهدت العديد من المدن والمحافظات مسيرات مليونية تحت عنوان «المسيرة العالمية من أجل سورية» التي ستستمر لثلاثة أيام. وقد شهدت ساحة الأمويين في دمشق مسيرة ضمت أكثر من مليون مواطن، وكذلك الأمر في الحسكة وحلب والسويداء ودرعا واللاذقية وحماة ودير الزور والرقة وحمص ومصياف وسلحب.
وقد حمل المشاركون الأعلام السورية والروسية وشعارات مؤيدة للرئيس الأسد وتندد بالتدخل الأجنبي بشؤون سورية.
انان يواصل اتصالاته
وفي هذا الوقت، أكد متحدث باسم مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية المشترك إلى سورية أحمد فوزي في تصريح له في جنيف، أن «كوفي أنان ما زال يجري اتصالات مكثفة مع السلطات السورية بشأن مقترحاته لوقف العنف»، مشيراً إلى أن «باب الحوار ما زال مفتوحاً».
وأشار فوزي، إلى أن خطة أنان لخصت الخطوات التي ينبغي اتخاذها بما في ذلك انهاء العنف ودخول المساعدات الانسانية، وبدء حوار سياسي مع المعارضة.
إلى ذلك، يتوقع أن يقدم أنان اليوم إلى مجلس الأمن الدولي أولى نتائج مهمته في سورية.
ودمشق ترحب
في سياق متصل، رحبت وزارة الخارجية السورية بزيارة الفريق الفني الذي شكله أنان لمناقشة بعض القضايا المتعلقة بمهمته في سورية.
وأوضحت أن هذا الترحيب يأتي في إطار الجهود التي تبذلها سورية لانجاح المهمة التي يقوم بها أنان.
من ناحيته، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الرئيس السوري بشار الأسد والمعارضة السورية إلى العمل على إنجاح مهمة أنان.
طهران وادعاءات واشنطن
وفي طهران، اعتبر الأمين العام لمجلس حقوق الانسان العالي في إيران علي لاريجاني أن «الصرخة التي اطلقتها الولايات المتحدة بشأن غياب الديمقراطية في سورية، ليست صرخة صحيحة»، مشيراً إلى أن «إسرائيل» ارتكبت فظاعات ضد الفلسطينيين وليس هناك أي إدانة من أميركا وأوروبا للموضوع، معتبراً أن «هذا الأمر يهدف إلى حماية مصالح "إسرائيل"».
الجزائر تدعو لحل سياسي
إلى ذلك، أشار وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي إلى أن «حل الأزمة السورية يوجد بين أيدي السوريين أنفسهم»، داعياً أطراف النزاع في سورية إلى «الشعور بالمسؤولية التاريخية أمام شعبهم والمجتمع الدولي».
ودعا مدلسي خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الإيطالي جيوليو تارزي دي سانت أغاتا إلى «فتح باب الحوار بين الحكومة السورية والمعارضة»، معرباً عن أسف الجزائر لسقوط قتلى وجرحى يومياً.
الأردن يتَّخِذْ إجراءات أمنية
وفي عمان، كشف مدير الأمن العام الأردني الفريق حسين المجالي أن «بلاده رصدت العديد من حالات تهريب السلاح إلى سورية»، مشدداً على أن «الأردن سيحافظ على الحدود بشتى الوسائل»، مشيراً إلى أنه «جرى التعامل معها بجدية». واعتبر أن «السماح بحدوث اختراقات نحو الجانب السوري يعني فتح المجال أمام الحركة المعاكسة ودخول السلاح إلى الأردن».
جوبيه يحذِّر من تسليح المعارضة
وفي السياق نفسه، حذَّر وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه من مخاطر نشوب حرب أهلية في سورية في حال تسليم أسلحة إلى المعارضة.
ورأى جوبيه عبر إذاعة «فرانس كولتور» أن «الشعب السوري منقسم بشكل عميق، وأن اعطينا اسلحة إلى فئة معينة من المعارضة في سورية، فسوف نكون ننظم حرباً أهلية، وقد يكون الأمر بمثابة كارثة أكبر من الكارثة القائمة اليوم».
وفي أنقرة، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أنه «يجب توجيه رسائل حازمة للنظام السوري»!
الكويت والبحرين وهولندا تقفل سفاراتها!
في هذا الوقت، واصلت دول الخليج ومعها بعض العواصم الغربية اقفال سفاراتها في دمشق في محاولة مكشوفة للضغط على الحكومة، فلجأت كل من الكويت والبحرين إلى اغلاق سفارتيهما في العاصمة السورية تحت مزاعم تدهور «الوضع الأمني». كما اقدمت الخارجية الهولندية على اقفال سفارتها للادعاءات نفسها!.
تشقق «مجلس اسطنبول»
إلى ذلك، تزداد يوماً بعد يوم حركة الانقسامات والصراعات داخل ما يسمى «المعارضة السورية»، خصوصاً داخل "مجلس اسطنبول»، حيث كشف المعارض هيثم المالح الذي كان قَدَّمَ استقالته من المجلس المذكور أن الاستقالات من المجلس ستبدأ بعدما فتحت الباب»، محمِّلاً رئيس المجلس المدعو برهان غليون المسؤولية لتفرده بالقرار، قائلاً أنَّه «يعمل ضمن إطار غامض».