أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

الراعي واصل زيارته الى مصر: منفتحون على انظمة تصل ديموقراطيا الى الحكم

الإثنين 19 آذار , 2012 05:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 2,153 زائر

الراعي واصل زيارته الى مصر: منفتحون على انظمة تصل ديموقراطيا الى الحكم

زار البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، في إطار زيارته الراعوية الى جمهورية مصر العربية، بطريرك الاقباط الكاثوليك الكاردينال انطونيوس نجيب، وعبرا معا عن "حزنهما العميق للخسارة الكبيرة بوفاة البابا شنوده الثالث".

من جهته، وصف الكاردينال نجيب اعمال البابا شنوده بـ"العظيمة" ومواقفه بـ"الجميلة في كل الظروف والتي أثرت في المسيرة المسيحية في هذا البلد، وفي ارساء سبل التعاون والتفاهم مع غير المسيحيين"، وأمل "في تحقيق التغيير اللازم الذي اطلقته الثورة على أن ينعكس ايجابا على المسيحيين كمواطنين في بلدانهم"، منوها بزيارات البطريرك الراعي "التي تنشر المحبة في كل مكان" وسائلا له من الرب "البركة من أجل تحقيق رسالته العظيمة لخير الكنيسة جمعاء".

بدوره، حيا البطريرك الراعي البطريرك نجيب متمنيا له "الشفاء العاجل بعد الوعكة الصحية"، وموضحا أن "التهديد اذا وجد فهو يطاول كل الشعوب العربية اذا لم تستطع فعلا ان تتجاوز الصعوبات والآلام للعبور الى عالم الديموقراطية وكرامة الشخص البشري وحقوق الانسان والحريات". وقال "نحن اليوم في القرن الواحد والعشرين، زمن العولمة، واذا لم يعبر العالم العربي بعد كل الضحايا التي سقطت الى عالم جديد، فيكون الكلام عن تهديد ليس فقط للمسيحيين انما للعرب ككل، لاننا معا، مسلمين ومسيحيين، صغنا هويتنا وأوطاننا. ونحن كمسيحيين موجودون في هذا الشرق منذ ألفي سنة وقد طبعناه بثقافتنا وقيمنا، ونحن منفتحون على كل الانظمة التي تصل ديموقراطيا الى الحكم، فالكنيسة لا ترفض ولا توالي وليست هي من يعين الانظمة، انما هي تتعاون مع كل الانظمة على اساس المبادىء، وفي طليعتها كرامة الشخص البشري، حقوق الانسان،الحريات العامة والديموقراطية، فاذا تأمنت هذه المبادىء تحافظ على المسلم والمسيحي في ارضه واذا لم تتأمن فكلاهما يغادر. أما إذا غادر المسيحي أكثر من غيره فتكون خسارة كبيرة لكل المجتمعات، وهذا ما نتمنى ألا نصل اليه".

وشدد على "الدور الاساسي لرؤساء الطوائف في تقريب وجهات النظر بين الاطراف السياسية"، معتبرا أنه "من الضروري أن يلتقوا جميعا كي يعلنوا معا المبادىء التي تجمعهم سوية".

والتقى البطريرك الراعي الرئيسة العامة وجمهور راهبات قلب يسوع المرسلات المصريات وقد تمنى لجمعيتهن الموجودة ايضا في فالوغا - لبنان "النمو والازدهار خصوصا على مشارف الاحتفال باليوبيل المئوي الاول لتأسيسها".

وترأس البطريرك الراعي، وكما في كل زيارة راعوية، سلسلة لقاءات لفاعليات الابرشية ومجلسها الراعوي و"جمعية المساعي الخيرية" في دار المطرانية في الظاهر.

ومساء احتفل بعيد القديس يوسف في كاتدرائية مار يوسف في القاهرة بمشاركة السفير البابوي المطران مايكل فيتسجرالد والسفير اللبناني خالد زياده واركان السفارة وممثلين عن الكنائس في مصر.

استهل القداس بكلمة لراعي ابرشية مصر والسودان المطران فرنسوا عيد الذي عرض بلمحة تاريخية زيارات ثلاثة بطاركة موارنة لمصر، هم: البطريرك جرجس عميرة عام 1638، البطريرك انطون عريضة عام 1938 والبطريرك نصر الله صفير عام 1992.

وتحدث عن قدوم الموارنة الى مصر واقامتهم فيها وقال:"في مصر وجدوا بلدا مضيافا عاشوا فيه زمنا مكرمين ، كأنهم بين اهلهم ومبدعين بالعلم والثقافة والصحافة والفنون والعمل السياسي، فاغتنوا وأغنوا وتركوا صفحات مضيئة في تاريخ هذا البلد الحبيب والمضياف.أما اليوم فالأوضاع تغيرت كثيرا يا صاحب الغبطة. فضآلة العدد تنذر بجفاف الابداع. ورغم ذلك اريد ان اشهد أمامكم وقد أصبحنا كسائر الكنائس المشرقية قطيعا صغيرا، أننا متمسكون بالرجاء الذي لا يخيب، وأننا نكمل رسالتنا من خلال وجودنا الفاعل في ميدان الروح والتربية والخدمات، مشاركين بتجسد ابن الله في هذه الارض المشرقية المباركة".

وتوجه إلى البطريرك الراعي "لا أريد أن أسرد على الحاضرين سيرتك الذاتية المليئة بما اكتنزته نفسك من بركات الروح في الرهبانية والكنيسة، وبما اغتنى به عقلك من علم ومعرفة وحكمة وشهادات جامعية. وبما قمت به وتقوم من نشاطات ومهام في الادارة والتعليم الجامعي في 3 جامعات كاثوليكية، هذا بالاضافة إلى أنك مؤسس جامعة سيدة اللويزة NDU أول جامعة كاثوليكية أميركية اللغة والمنهج في الشرق. كما وبما تبذله من جهد في نشر كلمة الحياة منذ اكثر من اربعة عقود من دون كلل كأنك تؤكد وتردد مع بولس: الويل لي إن لم أبشر. وبما مارسته حتى الامس القريب في توزيع العدالة، والاشراف على المحاكم الكنسية بكل درجاتها، وبما كرسته من جهد ووقت وعمل بالمشاركة في لجانِ ودوائر الكنيسة الرومانية والبطريركية والاسقفية. وبما قدمته لابناء الكنيسة من منشورات : 14 رسالة في سلسلة حضارة المحبة و5 أجزاء حول التنشئة المسيحية وحوالى 1100 حلقة تلفزيونية بعنوان "بشرى الراعي"، وكتابان في القانون".

وقال:"نحن نعلم أنك لا تنام كثيرا، كأني بك تشعر أن الحصاد كثير والفعلة قليلون وأنك تريد حياة مليئة بعطايا الله لا بالسنوات فقط . بهذا تذكرنا بمسيرة الطوباوي الراحل البابا يوحنا بولس الثاني الذي جال العالم مبشرا بالاخوة الانسانية، زارعا المصالحة والتفاهم والمحبة، داعيا إلى الوحدة والعدالة والسلام. لا شك في أن صليبك كبير وثقيل بثقل المشكلات والمخاطر التي يعيشها أبناؤك واخوتك في لبنان والعالم وخصوصا في هذا المشرق المضطرب.انت راع ورأس لكنيستنا، والكنيسة، كما يقول القديس اغوسطينس "تسير بين اضطرابات هذا العالم وتعزيات الله". نعرفك رجل تصميم وإرادة ورؤية وقرار. تدرس وتخطط وتقدم. لا تتردد أمام صعوبة، ولا تحجم أمام حقيقة، لا تتخاذل ولا تنكفىء، تحسم ما هو عالق ولا يوقفك عائق. نعرفك عميقا في بساطتك، صلبا في ليونتك وصاخبا في هدوئك".

وختم المطران عيد "اعذرنا صاحب الغبطة، إذا لم يستطع البعض ان يفهمك دوما في بعض مواقفك. فعسى أن يكشف الزمن الآتي عن وجهك النبوي الذي ارسله الله، في هذه الايام، إلى كنيستنا المارونية خميرا يخمر عجينها، فتقرأ علامات الازمنة على هدي الروح، ليقودها إلى الحرية، لأنه "حيث يكون روح الرب تكون الحرية" (2قور 3/17)".

وبعد الانجيل المقدس ألقى البطريرك الراعي عظة بعنوان "لما قام يوسف من النوم، صنع كما امره الرب"، وجدد التعازي باسم الكنيسة المارونية ومجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان بوفاة البابا شنوده الثالث.

وصلى "من أجل السلام والاستقرار في مصر كي تعبر الى مرحلة جديدة من حياتها، تستعيد فيها جمال هويتها ورسالتها الحضارية، وتكمل دورها التاريخي الكبير في العالم العربي وفي الاسرة الدولية، وهي تنعم بالسلام العادل والشامل وبالاستقرار وطيب العيش الكريم".

وختم:"من دواعي الزيارة ايضا، شد روابط الاخوة والتعاون مع الكنائس الشقيقة بروح الشركة والشهادة التي تدعونا اليها جمعية سينودس الاساقفة الخاصة بالشرق الاوسط، التي دعا اليها قداسة البابا بندكتوس السادس عشر، وانعقدت في روما من 10 الى 24 تشرين الأو، ونحن ننتظر ان يصدر قداسة البابا الارشاد الرسولي في أعقابها".

بعد القداس أقيم حفل استقبال في باحة الكاتدرائية صافح خلاله البطريرك الراعي المؤمنين جميعا، أعقب ذلك حفل عشاء أقامه المطران عيد على شرف الراعي في حضور شخصيات روحية ودبلوماسية واجتماعية.

وألقى عيد كلمة ترحيب قال فيها:"نستقبلك الليلة في بيتك يا صاحب الغبطة ونستذكر 3 مناسبات: مثل هذه الليلة منذ خمس سنوات ، دشنا الكاتدرائية المرممة في عيد شفيعها القديس يوسف وأعدنا إليها بهاءها. وهنا اشكر من عمل وضحى وقَدم من وقته وماله فالرب يكافئ تضحياته. وفي هذا اليوم، نذكر ميلاد البطريرك الانبا انطونيوس نجيب. فلاجله نصلي ليهبه الرب وافر الصحة والعافية والعمر المديد لخدمة كنيسة مصر. واليوم في الثامن عشر من آذار،عدا أننا على مشارف الربيع،نحن بين الفرحتين: فرحة انتخابكم يا صاحب الغبطة بطريركا على كنيستنا المارونية في الخامس عشرمن آذار 2011 وفرحة تنصيبكم في عيد بشارة العذراء في 25 مارس من السنة نفسها. إنها الذكرى السنوية الاولى لكم في السدة البطريركية. فإلى سنين عديدة يا سيدنا".

وأضاف:" لقد أوليتموني شرفا بمرافقتكم لي إلى مصر مع بعض اصحاب السيادة، لتسلم الابرشية في فبراير 2006 ومنذ ذلك الحين أستذكر كل يوم ثلاثا أشكر الله عليها: أولهما ما أورثني الرب من إرث تاريخي وروحي مجيد، صنعه أسلافي من اساقفة صالحين وكهنة وعلمانيون كبار واخوة لنا تألقوا في كل الميادين. فبنوا وأسسوا وخدموا وأبدعوا وكتبوا ، فزينوا كنيستهم ومجتمعهم بما قدموه من عطايا الفكر والروح. لقد كانوا رعيلا ثبت الله في قلوبهم الوفاء وزين نفوسهم بالحب والخدمة. لقد كانوا كالانبياء همهم حب تقديس الخدمتين: الله والانسان. لقد وضع الله في قلوبهم هوس الترقي فانطبعت وجوههم بنصاعة حب وجهد وتقديس وهمة ورؤية وسخاء. هؤلاء الموارنة الأوائل، لم يقيموا لأنفسهم مجدا عابرا، بل ظلوا قبضة من الصالحين يعرفون كيف يجودوا ليبنوا الكنائس والمدارس والمؤسسات الخيرية، لا ليرثوا الارض بل ليرثوا السماء. فحياة هؤلاء الصالحين لم تعد مجدا عابرا في زمن العابرات، بل حياتهم كانت لمسة حنان إلهية".

وأضاف:"وثاني ما أستذكر اليوم، أشكر الله على ما وهبني أيضا من ارث روحي سخي قدمه اخوتنا الرهبان المريميون منذ العالم 1745. فلقد اسسوا في مصر والسودان عشرة مراكز خدموها بالحب والتضحية حتى الاستشهاد. وقد مات منهم أكثر من 68 راهبا في عز الشباب، بسبب الامراض المختلفة كالطاعون والهواء الاصفر والسل وغيرها. وبعضهم عاش الشقاء وحتى الضرب والسجن. واليوم، كثيرا ما أسأل: هل نستحق تضحيات من سبقنا من هؤلاء الشهود؟ أم نسيناها كأنها لم تكن؟ أتمنى ألا يكون هذا نسيانا لئلا يصبح استقالة من خدمة الروح وتوزيع كلمة الخلاص. لكنني مؤمن بأن نفسا واحدة تستحق عطية حياتنا طالما استحقت عطية دم ابن الله لاجلها. ونحن كهنة المسيح همنا الاول والاخير خدمة النفوس ونشر كلمة الحياة. وثالث ما أستذكر اصرارك القلق يا سيدنا على التلاقي والحوار. في الفيلم Copying Beethoven عن حياة الموسيقي الالماني العبقري بيتهوفن، يقف هذا المارد الاصم كليا على المنصة قبل أن يبدأ قيادة الاوركسترا في سمفونيته التاسعة الخالدة ، فيغمض عينيه لبرهة ويتمتم: "منذ الآن ستتغير الموسيقى إلى الابد". منذ ساعة إعلانك بطريركا على الكنيسة المارونية تذكرت كلمة بيتهوفن وادركت أنك ستغير نمط واسلوب ادارة كنيستنا المارونية. فاصرارك هذا نابع من شعارك : شركة ومحبة. وقد بدأت بتطبيقه بقرارات عملية وحاسمة تشهد على ذلك. والأهم ، اصرارك على إقامة الحوار داخل كنيسة المسيح ومع كل انسان، وخصوصا في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ الشرق لانك تدرك تماما خطورة التداعيات الآتية، وأنك تدرك اكثر، أهمية الحوار بين الديانات، فكأنك تلتقي مع اللاهوتي هانس كونغ الذي زار لبنان عام 1967 ، قبل الحرب، بدعوة من الدكتور شارل مالك وحاضر في الجامعة الاميركية في بيروت عن حوار الاديان والحضارات وقدم آنذاك مشروعا نبويا ألخصه بثلاث نقاط : الأولى أنه لا استمرارية دون اخلاق عالمية، تذهب إلى أبعد من الخير والشر، لتؤسس لديمقراطية تقوم على توافق اساسي ومسؤولية كونية مشتركة تجاه الانسان والحياة البيئية وأجيال المستقبل. والثانية أنه لا سلام عالميا من دون سلام ديني. فحروب الآلهة أبدية بأبديتهم. والاديان قامت لتعيد الانسان إلى الله وتقربه من اخوته في الانسانية، لا لتكون متاريس حروب وانقسامات. والثالثة أنه لا سلام دينيا من دون حوار بين الديانات يؤسس ليس فقط لهدنة بينها، بل لتعاون مثمر وتحالف بين المؤمنين وغير المؤمنين حول قيمة واحدة هي الانسان. فإصرارك يا سيدنا يعيد الانسان إلى ربه وذاته الحقة ولاخوته في الانسانية. إذ ذاك ينظر الرب إلى خلقه ، كما فعل في بداية سفر التكوين، فيرى كل شيء جميلا. ونحن بدورنا، نرافقك يا بطريركنا بالمحبة وخير الدعاء".

ثم رد البطريرك الراعي بكلمة شكر للمطران عيد ولكل ابناء الابرشية وخصوصا من حضر الزيارة من اكليروس وعلمانيين. وقال: " نحن شجرة يسوع المسيح، ولهذه الشجرة اغصان تصل الى كل العالم. والكنيسة تحمل رسالتها الحضارية في هذا الشرق لتزرع اخوة الشعوب والسلام وقبول الآخر ونقل الحداثة والحريات العامة".

وتمنى لمصر "أن تعود ام الدنيا ولكل الدول العربية ان تعبر الى وحدتها فتتكاتف أكثر وتذلل كل العقبات فيما بينها لتعود الاسرة العربية للعب دورها المطلوب منها".

Script executed in 0.20729279518127