أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

إقليم كردستان وتشجيع النزعات الانفصالية العراقية.. من المسؤول؟

الخميس 22 آذار , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 1,806 زائر

إقليم كردستان وتشجيع النزعات الانفصالية العراقية.. من المسؤول؟

 

وحده الحوار السريع بين «جميع قيادات الأحزاب والأطراف السياسية العراقية في وقت عاجل لإيجاد حلّ في فترة قصيرة جداً» قد ينفع في «تدارك الوضع»، قالها البرزاني.. من دون أن يسهم «حلّه» ذاك بتخفيف وطأة التهديد بالاستقلال في ظلّ ما تعيشه البلاد من ظروف داخلية وتحديات إقليمية، لا سيما أن المراقبين يجزمون سلفاً بفشل أي حوار.. فالأزمات المتراكمة بين الطرفين بلغت حداً تضيق به طاولات الحوار وصدور المتحاورين. 

مخاوف كثيرة تتدافع إلى المشهد العراقي مع إعلان مماثل، يصادف بعد تسع سنوات على بدء الغزو الأميركي الذي أسهم بتقسيم العراق وإشعال فتنة. منها المخاوف الداخلية التي ما عادت محصورة بالإقليم الذي أشبعت سيناريوهات استقلاله وتداعياته تحليلاً وتفنيداً، بل تعدتها إلى الخشية من تفشي «عدوى» التجربة إلى المحافظات ذات «النزعات الانفصالية»، من صلاح الدين ونينوى والأنبار وديالى، التي تظهر رغبة متزايدة بالاستقلال منذ العام الماضي. أما الخارجية فكبيرة وشائكة، عنوانها الأبرز: الخوف من أن يكون هذا الإعلان، إن تحقّق، مدماكاً آخر في حائط الانقسامات الطائفية والإثنية التي تهدّد المنطقة، لا سيما أن المطالبة بالفدرالية العراقية تأخذ طابعاً مذهبياً بحتاً. 

كيف يمكن تفسير توقيت الإعلان الكردي قبل أيام من موعد انعقاد القمة العربية في بغداد؟ وما مدى استعداد الإقليم لخيار مماثل، وما هي التحديات التي تحول دون تحقيقه؟ كيف يهدّد ذلك الأقاليم الأخرى، وبالتالي العراق؟ وما دور الأزمة السورية في هذا الإطار؟ وأي دور لأميركا في دعم «الاستقلال»؟ 

بداية، استبعد النائب الكردي المستقل محمود عثمان أي ارتباط بين الإعلان وانعقاد القمة، مؤكداً في حديثه لـ«السفير» أن ذلك حصل من قبيل الصدفة. فـ«عادة ما تبحث المسائل المهمة في الخطابات التي تلقى في عيد النوروز، رأس السنة الكردية»، يعلّق عثمان الذي يؤكد أن «المشاكل بين الإقليم والحكومة المركزية مزمنة».

وكان عدد من المراقبين فسّر تصريح البرزاني بأنه استهداف للقمة، حيث كان يتوسل عقدها في أربيل تحت دعاوى أن العاصمة غير آمنة، وعندما لم يفلح قريبه وزير الخارجية هوشيار زيباري في إقناع العرب بتحويلها لأربيل، قرّر ضربها بورقة الاستقلال.

ويستعرض النائب الكردي أبرز المشاكل العالقة بين الطرفين، والتي أتى البرزاني على ذكرها في خطابه، بداية من «أزمة شراكة الأكراد والعرب في السلطة التي فقدت معناها، ثم خرق الدستور باستمرار، إلى جانب إهمال تنفيذ اتفاقية أربيل كما الخلافات على كركوك والمناطق المتنازع عليها، والتي يتهربون منها دائماً مقابل مرونة الإقليم في التعاطي معها. ويضاف إلى ذلك أزمة البيشمركة التي ينظر إليها العرب نظرة العدو، وقد نهبوا في السنوات الخمس الماضية الميزانية المخصصة لها»، مضيفاً «ويبقى الأهم موضوع النفط والغاز حيث جرى الاتفاق في شهر شباط من العام 2007 على مشروع قانون للنفط والغاز كي يُحال إلى مجلس النواب، وكان ينص على انه في حال عدم تمريره إلى الشهر الخامس من ذلك العام، فيحق آنذاك للإقليم والحكومة الاتحادية إمضاء العقود... فلماذا لا يحيلون القانون إلى مجلس النواب ويصرون على التشديد بشأن عقود الإقليم النفطية؟». 

ما سبق لا يمنع النائب الكردي من الجزم بأن الإقليم ليس مستعداً للاستقلال في الظروف الحالية. وفيما ينفي أي علم لديه بموعد «اللا محالة» الذي وعد به البرزاني، يؤكد أن الظروف الإقليمية والدولية تقف عائقاً أمام ولادة «دولة كردستان».. فـ«الأمة الكردية مجزأة، وهذا يحتاج إلى مستلزمات إقليمية ودولية يصعب توفرها لا سيما من جهة تركيا وإيران وسوريا». 

العامل الإقليمي يحضر كذلك في كلام أستاذ العلوم السياسية لـ«السفير» حميد فاضل عن صعوبة تحقق الانفصال، إلا أنه يحصره بشكل أساسي بتركيا، مفسراً ذلك بأن أنقرة لن ترضى باستقلال الأكراد الذي سيشكل حافزاً لدى أكرادها، علما أنه قلّل من شأن اجتماع بلديات مدن غربي الأناضول ذات الغالبية الكردية، الذي حصل مؤخراً وتقرر على أساسه اقتراح دستور جديد على الدولة التركية تضمن تقسيم تركيا إلى ستة أو سبعة أقاليم اتحادية، يُسمى أحدها إقليم «كردستان».

فاضل، الذي حذّر من تداعيات خطيرة لتقسيم المنطقة، أكد أن التهديد لا يعدو كونه ورقة ضغط يلّوح بها البرزاني للضغط على بغداد، فـ«الأكراد حافظوا على استراتيجية الإبقاء على هدف نهائي هو الاستقلال، مع الاحتفاظ بإمكانية التلويح به أنى احتاجوا»، مردفاً «إن من مصلحة الإقليم البقاء ضمن الدولة حالياً، فهو مستفيد من الدولة وثرواتها، وإن كان يظهر عكس ذلك».. ويستطرد قائلاً «إقليم كردستان اليوم أكثر من إقليم، وأقل من دولة». 

ويعتبر فاضل أن النفط هو محور خلاف الإقليم الرئيسي مع بغداد، ويعززه تشدد الحكومة المركزية في ما يخص عقود النفط. علماً أن الزعامة الكردية ضمنت لنفسها حصة من الموازنة الاتحادية تفوق نسبتها السكانية بكثير، وتقدر بـ17 في المئة، على قاعدة أن إحصاءً دقيقاً للسكان لم يحصل حتى الآن. 

وماذا عن تداعيات هذا الأمر على باقي المحافظات العراقية المطالبة بالاستقلال؟ يجيب فاضل بأن مفهوم الإقليم الحالي كإقليم فدرالي يشكل حافزاً لهذه المحافظات، ولكن استقلاله في دولة يرجّح أن يكون بمفعول عكسي، أي «سيدفع العرب إلى التوحد». فالمحافظات التي تطالب بالاستقلال سنيّة، و«تحول كردستان إلى دولة سيؤدي إلى اقتطاع مناطق من هذه المحافظات، على اعتبار أن الأكراد يودون أن تمتد حدود دولتهم المنشودة إلى حدود صلاح الدين. عندها ستأخذ الأمور طابعاً قومياً». 

ما سبق من نقاش ينقصه سؤال واحد لا يمكن تغييبه في ذكرى الغزو التاسعة: ما دور واشنطن في هذا السياق؟ وما سيكون دورها؟ عن هذه الأسئلة يجيب الكاتب الكردي صباح آرام «السفير» بأسئلة أخرى يعتبرها خير تجسيد لواقع أن «الأميركيين يدعمون حتى النهاية استقلال الأكراد لأنهم مستفيدون، والأكراد ينظرون إليهم بوصفهم أصدقاء فعليين»، ولكن «إلى أي درجة يمكن التعويل عليهم؟ وأي كفة سترجح، الدعم الأميركي أم القيود التركية الإيرانية السورية؟». 

الدور الأميركي أشارت إليه صحيفة «واشنطن بوست» بدورها، في تقرير لمناسبة «الذكرى التاسعة لسقوط نظام صدام»، حيث اعتبرت أن «الزخم الذي اكتسبته الدعوات للاستقلال في المحافظات السنية، هو استعادة للمخطط الذي وضع في سنوات الاقتتال الطائفي في العراق قبل 5 سنوات، برعاية نائب الرئيس الأميركي جو بايدن».

من جهة ثانية، أشارت الصحيفة الأميركية إلى دور الأزمة السورية باصطفافاتها المذهبية في تعميق الانقسامات في العراق، حيث يزداد الدعم السني للانتفاضة ضد الحكومة المركزية التي امتنعت عن دعوة الأسد إلى التنحي». في المقابل «كانت سلسلة الاعتقالات التي قادتها الحكومة في صلاح الدين وعاصمتها تكريت ضدّ المتهمين بالارتباط بالنظام السابق السبب المباشر في شعور أهلها بأنهم مستهدفون كسنة، وتعزّز ذلك مع دخول المالكي في صدام سياسي مع كتلة العراقية السنية».

وتقول الصحيفة «وسط هذا الانقسام المذهبي، دعا مسؤولون محليون العام الماضي رسمياً لاجراء استفتاء حول الوضع الفدرالي لإقليم صلاح الدين، وهو تعديل يمكنهم من خلاله السيطرة على أمنهم وميزانيتهم. وبعد صلاح الدين، اندفعت ديالى في الشرق لتحذو حذوها»، وتنقل عن الشيخ محمد الجبور، وهو ينتمي إلى أكبر قبائل الإقليم، قوله «نحن مهمشون 100 في المئة»، فيما اشتكى من أن الآلاف ممن كانوا يشغلون مناصب طردوا من وظائفهم، ولذلك هم يعتقدون أن الفدرالية تساعدهم على الاحتفاظ بوظائفهم، وتجعلهم أحرارا، وتجنبهم الاعتقال، فيما تتضاءل سلطة الحكومة المركزية الشيعية عليهم».

وفي حين يسمح الدستور بموضوع الفدراليات، وفي ظلّ الأمن والازدهار الذي يحاول دعاة الانفصال أن «يسوقوا» من خلاله لدولة كردستان، تتراكم مؤشرات إيجابية تحث الأقاليم السنية على الاستقلال في مناطق سنية، مقابل مناطق شيعية وأخرى كردية لن ترضى بأقل من ذلك. 


 

Script executed in 0.19002985954285