أنت تتصفح أرشيف موقع بنت جبيل

سقطوا في «سفربرلك»: هل من يتذكرهم؟

الخميس 22 آذار , 2012 01:00 بتوقيت مدينة بيروت - شاهده 3,055 زائر

سقطوا في «سفربرلك»: هل من يتذكرهم؟


«قد يكون مُحتملاً أن يكون بعض اللبنانيين أتوا إلى هنا للتعرّف إلى أضرحة أجدادهم، لكنني لم أرهم». على هذا النحو، يجيب عبد الله طوران، الدليل وإمام أحد مساجد مدينة تشاناكلي التركية، لمعرفة إن كان بعض اللبنانيين قد جاؤوا إلى المدينة للمشاركة في الذكرى الـ97 لمعركة الدردنيل الشهيرة. فهذه المدينة الواقعة على الطرف الآسيوي، عند مدخل مضيق الدردنيل، الذي يربط بين بحري إيجة ومرمرة، شهدت عام 1915 معركة بحرية قاسية، تواجه فيها الأسطول العثماني مع الأسطولين الإنكليزي والفرنسي. في تلك المعركة سقط من الجانب العثماني 256 ألف جندي، ومن الجانب الإنكليزي والفرنسي عدد مماثل، فضلاً عن نحو 500 ألف من المدنيين، ما جعلها تسمى «معركة المليون قتيل».

كان هدف الإنكليز والفرنسيين في المعركة، التي تُعدّ واحدة من أبرز معارك الحرب العالمية الأولى، إغلاق مضيق الدردنيل أمام العثمانيين، ومن ثم التوجه نحو عاصمة السلطنة اسطنبول لإسقاطها. لكن العثمانيين، حسب طوران، «استعانوا بقواتهم البرية والجوّية إلى جانب البحرية، ما أدى يومها إلى إلحاق الهزيمة بجيوش المعتدين». مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك سطع نجمه بعد هذه المعركة، ما جعله بنظر أبناء جلدته «بطلاً»، رغم خسارة تركيا الحرب. وهذا ما يُفسّر استمرارهم في الاحتفاء بالذكرى، التي تقام في 18 آذار من كل عام، بزخم وحماسة كبيرين، رغم مرور كل تلك السنين، وسط مشاهد لا تخفى على أي زائر، تبرز «اعتزاز» الأتراك بقوميتهم وتمسّكهم بها.

هذه المناسبة تصدّرت نشرات الأخبار وعناوين الصحف واحتفي بها في أنحاء تركيا، لكنها في تشاناكلي كانت مميزة. فإلى جانب الاحتفال الرسمي، كان موقع النصب التذكاري الواقع على بعد نحو ساعة من المدينة عند «فم» مضيق الدردنيل، يشهد احتفالاً شعبياً وسياسياً كبيراً، استعادت فيه القوات العسكرية البحرية والجوية التركية معركة الدردنيل بأسلوب استعراضي.

لكن ذلك «الانتصار» ليس للأتراك وحدهم، فأبناء الولايات التي كانت خاضعة لحكم السلطنة العثمانية، تم استدعاؤهم للخدمة العسكرية في جيش السلطان، ولم يعرف مصير أغلبهم، في حرب اشتهرت بلقب «سفربرلك»، وهو ما تدل عليه شواهد الأضرحة الموجودة في المكان بكثرة، والمتحف التذكاري الخاص بالحرب. فإلى جانب شواهد أضرحة المحاربين الأتراك، تُبرز اللوائح الرئيسية لكل مقبرة عدد قتلى المدينة والبلد الذي ينتسبون إليه، مثل السليمانية (العراق)، الشام وحلب (سوريا)، فارنا (بلغاريا)، تبريز (إيران)، طرابلس الغرب (ليبيا) وبيروت وطرابلس الشام (لبنان)، إضافة إلى مدينة يافا التي تشير اللوائح إلى أن البلد الذي تنتمي إليه هو «إسرائيل»!

في ما يخصّ لبنان، تشير لائحة المقبرة الواقعة قرب النصب التذكاري، إلى أنه يوجد أضرحة لـ34 شخصاً من بيروت و18 من طرابلس، عدا وجود أضرحة في مقابر أخرى، وهو أمر كان رئيس الجمعية اللبنانية ــ التركية زاهر سلطان قد أشار إليه، عندما لفت إلى وجود «344 ضريحاً لأشخاص من مختلف المناطق اللبنانية في تركيا منها 144 ضريحاً من طرابلس». لكن، اللافت أن أضرحة الجنود الأتراك والعرب تكتفي بذكر اسم الجندي ووالده والمدينة التي ينتمي إليها فقط، ولا تشير إلى اسم عائلته، وهو أمر قد يستدعي جهداً من عائلات هؤلاء الجنود يجب عليهم القيام به، بالتعاون مع الجهات الرسمية والخاصة المعنية، إذا أرادوا يوماً زيارة أضرحة أجدادهم.

غياب اللبنانيين والعرب كلياً عن المشاركة بالذكرى، قابله وجود جالية أسترالية كبيرة أتت لزيارة أضرحة محاربين أستراليين كانوا في صفوف الأسطول البريطاني عامها، وهو أمر أوضحته الموظفة في قسم الترجمة برئاسة الحكومة التركية عيشة يورصوي، التي رافقت وفداً إعلامياً لبنانياً زار تشاناكلي بدعوة رسمية من السفارة التركية. أكدت يورصوي أن «الأستراليين يأتون كل عام للمشاركة في المناسبة، ويقيمون احتفالاً سنوياً خاصاً بهم في 25 نيسان من كل عام، ما دفع الحكومة الأسترالية إلى وضعها نصباً تذكارياً خاصاً في المقبرة».


Script executed in 0.18831396102905