لن يكون ملف تفرغ الأساتذة في الجامعة اللبنانية على جدول أعمال الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء. فالملف، الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في نهاية عطلة الأسبوع الماضي، لم يجهز، أو على الأقل لم يحظ بعد بمباركة كل القوى السياسية. لا توافق طائفياً بالحد الأدنى. في الكواليس حديث عن إرضاء رئيس الجامعة د. عدنان السيد حسين للمسيحيين على حساب المسلمين تحت ستار «التوازن»، فمعلوم أنّ عدد المتعاقدين المستوفين للشروط في صفوف المسلمين أكبر من عددهم في صفوف المسيحيين. ومع ذلك، ليس هناك رقم دقيق بعد للأساتذة الذين سيشملهم التفرّغ، باعتبار أنّ العدد سيكون خاضعاً لبورصة التجاذبات.
«لكن أكيد أكثر من 400 أستاذ»، يقول مسؤول المكتب التربوي المركزي في حركة أمل د. حسن زين الدين. الأخير يرفض إعطاء أي تفاصيل عن «ملف قابل للتعديل»، لذا فهو يكتفي بتأكيده أنّ «رئيس الجامعة جهد في تدوير الزوايا ونجح إلى حد ما». هل أنتم راضون؟ يجيب: «لو كان الأمر منتهياً لرُفع الملف إلى مجلس الوزراء».
أما مسؤول قطاع التربية والتعليم في تيار المستقبل د. نزيه خياط، فينتقد «الطريقة المذلّة التي رُفع فيها الملف إلى وزير التربية، والمهينة لأساتذة الجامعة، لكونها تدفعهم إلى الاستزلام عند السياسيين»، رافضاً ما سمّاه المعايير المتحرّكة للتفرغ. وقال إنّ «الرئيس» حوّل إلى الوزير جداول «وكأنّ هناك ارتكاباً لا يريد أن يعلنه». وهنا يسأل عن دور الفريق القانوني لوزير الوصاية للتحقق من قانونية الملفات وتضمنها المستندات اللازمة.
إلى ذلك، بدا لافتاً الكلام على تدخل مستشارين لمرجعيات سياسية ليست لها علاقة بالتربية في اختيار الأسماء، وأن يقال إنّ الملف يرتّب في الغرف السوداء، ما يعزّز مواقع بعض القوى التي ليس لها ثقل على حساب قوى أخرى تظن أنّها تتمتع بحضور قوي.
الغريب أن يفاجَأ أحد بـ«الطبخة»، وكأننا نصادف مثل هذه التدخلات للمرة الأولى. ألم يحصل الأمر نفسه في عام 2008، ومنذ متى كان هَمّ الجامعة الوطنية في حسابات السياسيين وزعماء الطوائف؟ يبرّر البعض بأنّ قرار التفرغ الأخير أخذ نصيبه من الدرس في عهد الوزير السابق خالد قباني، ولم يرفع إلى مجلس الوزراء إلّا بعد تنقيحه من الشوائب.
الملف الحالي هو أيضاً لم يرفع بعد إلى وزير التربية، على ذمة «الرئيس». فالسيد حسين ينفي في اتصال مع «الأخبار» أن يكون قد حمل اللائحة «خلسة» إلى الوزير من دون موافقة الهيئات الأكاديمية ورابطة الأساتذة. هنا يميّز بين أن «نتفق مع الرابطة على المعايير وبين أن نطلعها على الأسماء، فهذا ليس من صلاحيتها». وكانت الرابطة قد رأت في بيان لها أنّ «التفرغ ملف ساخن يشوبه الغموض»، مؤكدة حرصها على التنسيق مع رئيس الجامعة في وضع معايير واضحة وشفافة. وأشارت إلى أنّ «التوازن الديموغرافي لا يمكن أن يكون بمعزل عن المعايير الأكاديمية الموحدة». وناشدت الهيئة «ضرورة تحصين الملف عبر إشراك مجلس الجامعة في دراسته»، ما يعني تقديم ملف تعيين العمداء على ملف التفرغ. وفي السياق، دعا رئيس الهيئة التنفيذية للرابطة د. شربل كفوري إلى إيقاف التدخلات السياسية التي تطيح المعايير الأكاديمية، مقترحاً على من يتدخل ليوظف أساتذة أن يتعهد توفير الاعتمادات اللازمة والموازنة المحترمة للجامعة لتقوم بواجباتها لتوفير الأمن الاجتماعي والاستشفائي.
إلى ذلك، يؤكد السيد حسين أن الملف لا يزال قيد الدرس ضمن معايير الحاجة والكفاءة وسنوات الخدمة، مجدداً الحديث عن مراعاتنا لخسارة الجامعة تدريجاً لعدد كبير من أساتذة الملاك، وعن الحاجة إلى مزيد من المتفرغين بسبب اعتماد نظام «الأل. أم. دي» وزيادة الأنصبة للأساتذة بعد تطبيق قانون التفرغ. لا يخفي السيد حسين العمل على تحقيق الحد الأدنى من التوازن بين المكوّنات الطائفية. لكن هناك من هو غير راضٍ على التركيبة التي انتهيتم إليها؟ يجيب: «لم ننه شيئاً، والاعتراضات ستبقى قائمة لو شو ما عملنا». ويرفض إعطاء أي رقم بالنسبة إلى عدد الأساتذة الذين سيتفرّغون. ويقول، رداً على إرضاء المسيحيين دون المسلمين: «هذا الكلام ليس دقيقاً، مع ذلك أين العجب إذا التفتنا إلى تعزيز الوجود المسيحي، فالمسيحيون مكون أساسي إلى جانب المسلمين في فروع جامعتنا».
لماذا استبعدتم المتعاقدين الموظفين في ملاكات أخرى كالتعليم الثانوي مثلاً؟ ألا يحق لهؤلاء أن يترقوا في السلم الوظيفي؟ يوضح أننا «لم نحرم أحداً التفرغ، لكن الأولوية هي للجيل الجديد الذي يحمل شهادات على المتقدمين في السن، لذا جاء القرار بالاتفاق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير التربية والرابطة ولتجنب ترك فراغ في التعليم الثانوي». تجدر الإشارة هنا إلى أن التعليم الثانوي لم يوظف في ملاكه حتى الآن عدداً من الناجحين الفائضين في مباراة مجلس الخدمة المدنية. وكان المتعاقدون _ الموظفون قد سارعوا إلى تأليف لجنة لمتابعة لقضيتهم، فأصدروا بياناً لفتوا فيه إلى «الظلم الذي سيقع علينا، إذا طُبق القرار، بعدما أمضينا سنوات متعاقدين ننتظر فرصتنا العادلة للتفرغ». ورأى البيان أنّ الخطوة «لا تستند إلى مرجع قانوني، والجامعة فرّغت المئات ممن كانوا موظفين في القطاع العام». ورفض القول إنّ مبدأ التوازن الطائفي قد أملى القرار، وحجة أنّ الموظف قد أمّن نفسه، ويأخذ فرصة غير الموظفين؛ لأن الموظف إذا تفرغ في الجامعة فسيترك مكانه فرصةً لآخر. وطالب المتعاقدون الموظفون بالتراجع عن القرار، معلنين «تمسكنا بحقنا في التحرك السّلمي».